تنشيط التنمية المحلية

التقليل من المركزية ودعم القدرات لاستحداث الثروة

فضيلة بودريش

صحيح أن الحراك الشعبي كشف بشكل تلقائي عن مختلف التجاوزات التي كانت تعرقل جهود التنمية، وتمنع وتيرة تطوير الاقتصاد خارج المحروقات من التقدم نحو الأمام، وكانت الوتيرة البطيئة لا تعكس في الواقع حجم الإمكانيات ولا سقف القدرات، سواء تعلّق الأمر بالمساحة الشاسعة ولا بالثروة الطبيعية، أو الأغلفة المالية التي رصدت لاستحداث الثروة ومناصب الشغل وتفعيل الآلة الإنتاجية، من خلال إرساء نسيج صناعي ذا فعالية عالية يغطي الطلب المحلي ويرسخ ثقافة التصدير عبر أسواق خارجية. و لعلّ الوقت صار مناسبا لرسم معالم مسار تنموي صحيح، لكن يشترط أن يرتكز في عمقه على تنمية محلية حقيقية لينعكس ذلك على تنمية وطنية، على خلفية أنه لا يمكن النجاح في تحقيق التنمية المنشودة من دون جهود فعالة لإقامة تنمية محلية.
جاءت جهود مكافحة الفساد لتقطع الطريق في وجه من تسببوا في عرقلة مسار التنمية بسبب نهب المال العام وتضخيم الفواتير، والبيروقراطية التي كانت تحول دون أن ترى تطلعات وجهود الاستثمار النور، وبالتالي لا تتجسّد المشاريع الكبيرة والواعدة على أرض الواقع. وبعد ما سجل الكثير من الإخفاقات في النهوض بالاقتصاد الوطني سواء على الصعيد الصناعي أو الفلاحي وحتى السياحي، مازالت الفرصة قائمة لانبعاث تنموي وتنمية اقتصادية، لكن لا يمكن أن ننجح في هذا الرهان من دون تعميق هذه التنمية وفق بعد محلي بحت، ينطلق فيه من مختلف الولايات، حيث تصقل مهارات الفاعلين ويستحدث نسيج اقتصادي، يستوعب اليد العاملة والكفاءات وقدرات الابتكار والطاقات الحية والثروات المتاحة بكل منطقة، وهذا ما يفضي إلى تحقيق نتائج جيدة، ولكي تكلل الجهود بالثمار ينبغي التقليل من المركزية، كون التنمية المحلية تتجسد عن طريق تفعيل دور البلديات، وكذا مؤسسات المجتمع المحلي التي لديها القدرة على النهوض بالتنمية المحلية، من خلال احترام خصوصية المنطقة، حيث يمكن استحداث صناعة غذائية بالقرب من المناطق الفلاحية، وتشجيع المقاولاتية، خاصة ما تعلق بالصناعات التقليدية في المناطق الجنوبية والهضاب العليا وإشراك المرأة وتشجيعها على اقتحام هذا المجال وفكّ العزلة عنها.
وبات من الضروري إدراج التنمية المحلية في مختلف الخطط والاستراتجيات الاقتصادية كإحدى الركائز الجوهرية للتنمية الوطنية، وللقفز نحو إقلاع اقتصادي يرفع الجزائر إلى مصاف الدول الناشئة، كونها الجسر الذي يكرّس التوازن التنموي بين مختلف المناطق بفعل إرساء البنى الأساسية، ومن ثمّ الشروع في تفعيل الاستثمارات المحلية واستحداث مناصب الشغل وإنشاء المشاريع المصغرة خاصة العائلية منها، التي تعتمد على الجهود الذاتية ولعلّ التنمية المحلية وحدها من تحقّق الرفاه لجميع المواطنين، وقبل ذلك العدالة الاجتماعية ومبدأ تكافؤ الفرص في الحصول على منصب شغل أو إنشاء مشروع خاص والتمتع بدخل مادي للتمتع بحياة مستقلة.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19432

العدد 19432

الأربعاء 27 مارس 2024
العدد 19431

العدد 19431

الثلاثاء 26 مارس 2024
العدد 19430

العدد 19430

الإثنين 25 مارس 2024
العدد 19429

العدد 19429

الأحد 24 مارس 2024