نظرة استشرافية

الاقتصاد الجزائري ما بعد جائحة كورونا

البروفيسور رمضاني لعلا، كلية الاقتصاد (جامعة الأغواط) باحث في السياسات الاقتصادية

يواجه العالم تحدّيات وأزمات صحية واقتصادية جراء تفشي فيروس كورونا المستجد (COVID-19) ويزداد قلق الدول والمنظمات الدولية من الآثار والتداعيات الاقتصادية المترتبة على الإجراءات الاحترازية التي اتخذت مؤخرا للوقاية وإبطاء معدلات تفشي العدوى في كافة بلدان العالم، أهمها الإغلاق الاقتصادي الكبير، الذي اتخذته كل الدول.

 في هذا السياق، تستمر الجهود الدولية في اعتماد سياسات اقتصادية طارئة تهدف الى تخفيف عبء الآثار الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن تفشي فيروس كورونا، وقد كان لأثر هذا الفيروس شلّ الاقتصاد العالمي من جهة وانهيار كلي لأسعار المحروقات من جهة أخرى، انعكاسات وتبعات سلبية جدًا على الاقتصاد الجزائري، الذي يعتمد في تمويل التنمية الاقتصادية والاجتماعية على أكثر من 95% من موارد المحروقات من ناحية، ومن ناحية أخرى يعتمد نسيجه الصناعي والاستهلاكي بدرجة رئيسية على الخارج، كالمواد الأوّلية كالحديد والألمنيوم، والمواد الغذائية،إضافة إلى بعض المعدّات الطبيّة والصيدلانية، زيادة على مواد واسعة الاستهلاك. وفي هذا الاتجاه اتخذت الحكومة إجراءات اقتصادية واجتماعية تهدف إلى احتواء الأزمة الصّحية والاقتصادية.
ومن أهم التحدّيات التي تعترض الجزائر الجديدة بعد جائحة كورونا هو تشخيص كلي للواقع الاقتصادي، وذلك لتحديد الأولويات لبناء نموذج اقتصادي واضح الأهداف، وفق تدرج زمني يهدف الى نظام اقتصادي شامل ومستدام مبني على الشفافية، لكن يجب أن يرافقها حكم راشد يعزّز سيادة القانون ويقوم على توسيع قدرات البشر وخيراتهم وحرياتهم الاقتصادية والسياسية.
لكن التساؤل المطروح هو: ما هي أهم التحدّيات والرهانات المستقبلية للاقتصاد الجزائري ما بعد كورونا؟
لتحليل واستعراض أبرز السياسات المقترحة لمواجهة التحديات والرهانات المستقبلية للاقتصاد الجزائري بعد كورونا نعتمد في هذا الجانب على محورين:

المحور الأول:
 تحدّيات الرعاية الصّحية والأمن الغذائي على المدى القصير

في ظل تأكيد المنظمة العالمية للصّحة أن وباء كورونا يمكن أن يمتد الى أكثر من 8 أشهر على الأقل. وما يحدثه من آثار على الاقتصاد العالمي وخاصة على الأمن الغذائي والذي تكون لها آثار اقتصادية واجتماعية على الجزائر، وبذلك على الدولة القيام بإجراءات استباقية لمكافحة فيروس كورونا، والمحافظة على الأمن الغذائي، ومن بين أهم الإجراءات على المدى المتوسط على الأقل:
- إعطاء الأولوية القصوى لمحاربة وباء كورونا من خلال توفير كل الإمكانات المادية والمالية.
- تأطير وتشجيع العمل الخيري للمساهمة ( ماديا، وماليا) في محاربة الوباء.
- إعادة مراجعة فاتورة الواردات والتركيز خاصة على واردات التجهيزات الصّحية والفلاحية.
- تدخل الدولة بمراقبة وشراء المنتجات الفلاحية الضرورية وإعادة توزيعها أي تسويقها لضمان الأمن الغذائي على الأقل لمدة سنة.
- دعم القطاع الفلاحي ماليا ماديا، ومرافقة الفلاحين في هذه الظروف الصعبة.
- تحريك العمل الدبلوماسي من أجل توفير المستلزمات الطبية المتطورة والمواد الغذائية الضرورية من الخارج، في ظل الظروف الصّحية والاقتصادية الصعبة والإغلاق الاقتصادي الكبير.
المحور الثاني:
تحدّيات الوصول إلى التنمية الشاملة والمستدامة على المدى الطويل
في ظل الإغلاق الاقتصادي الكبير الذي يشهده العالم جراء تفشّي وباء كورونا وما أحدثه من آثار سلبية على الاقتصاد العالمي فإن كل الدول سطرت إستراتيجية لمواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية لمرحلة ما بعد كورونا، والجزائر من الدول التي تأثرت اقتصاديا من هذا الوباء وخاصة في مواردها المالية جراء انهيار أسعار المحروقات، وفي سبيل إرساء قواعد الجزائر الجديدة، للوصول إلى التنمية الشاملة، والمستدامة هناك تحدّيات كبيرة يمكن تحليلها في ما يلي:
- إعادة النظر في النظام الاقتصادي الذي يعطي الحرية الاقتصادية للمتعاملين الخواص ( المحلي والأجنبي) ويجب أن تهتم الدولة فقط بتنظيم وتأطير الاقتصاد.
- وضع نموذج اقتصادي واضح يهدف إلى التنويع والإقلاع الاقتصادي من خلال مراحل زمنية يتم رسمها مع تقييم كل مرحلة لتصحيح الوضع وصولا إلى الأهداف المسطرة بالاعتماد.
- تعميق الإصلاحات الاقتصادية خاصة النظام (المالي والمصرفي، الجبائي والجمركي).
- مراجعة قوانين السياسة المالية للدولة (ميزانية الدولة) حيث هناك أموال ضخمة تصرف دون فائدة اقتصادية واجتماعية أي العمل على ترشيد الإنفاق العام والتقليل من عجز الميزانية، أي إعادة النظر في دورها الأساسي وهو معالجة الأزمات وتشجيع التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
- توفير بنك الجزائر للسيولة النقدية اللازمة لدعم أداء الأسواق وتخفيف الضغوط على أسواق التمويل، من خلال عمليات السوق المفتوحة، والتوسع في الإقراض، وغير ذلك من الإجراءات مثل عمليات الشراء المباشر وتسهيلات إعادة الشراء.
- يخلف التأثير الاقتصادي لفيروس كورونا إضعافا لقدرة المقترضين على خدمة ديونهم، وتقليص مكاسب البنوك، مما يؤدي في النهاية إلى الإضرار بسلامة البنوك واستقرارها. وينبغي التصدي لذلك عبر تشجيع البنوك على ممارسة

المرونة التي  تتيحها القواعد التنظيمية القائمة وإعادة التفاوض  بحذر على شروط القروض الممنوحة للمقترضين الواقعين تحت ضغط الدفع. كما ينبغي ألا يتم تخفيف القواعد الموضوعة لتصنيف القروض ورصد مخصصاتها، ويتعين مراعاة أكبر قدر ممكن من الدقة في قياس القروض المتعثرة والخسائر المحتملة.
- تعزيز الأمن الطاقوي بالدخول في شراكة أجنبية تمتلك الخبرة في التكنولوجيا المتطورة.
- إعادة دراسة وتشخيص كلي لأهم مصادر الطاقة في الجزائر حتى يتمكن من وضع إستراتيجية واستشراف مستقبلي.
- إنشاء لجنة مختصة في مجال الطاقة من اقتصاديين ومهندسين على المستوى الوطني وخبراء دوليين من أجل بناء نموذج وإستراتيجية لضمان الأمن الطاقوي المستدام في الجزائر.
- دمج القطاع الخفي في النشاط الرسمي وإعداد بطاقية وطنية لتأهيله وتنظميه ودمجه.
- تعزيز الشراكة الأجنبية وإعادة مراجعة كل الاتفاقيات على المستويين الإقليمي والدولي مما يخدم المصلحة الوطنية.
- إعادة تحيين الإجراءات الاقتصادية والقانونية الخاصة بقطاع الطاقة في الجزائر وذلك من أجل توفير مناخ مناسب للشركات الأجنبية المختصة ذات تكنولوجيا عالية وتكاليف منخفضة في مجال التنقيب، الاستكشاف وزيادة الإنتاج والتصدير.
- استغلال الثروة المعلوماتية للوصول إلى الحكومة الإلكترونية والتي تؤدي إلى التفاعل والتواصل بين الحكومة والمواطنين، وبين الحكومة ومؤسسات الأعمال.
- العمل على التحوّل الرقمي الذي أصبح ضرورة قصوى وليس فقط اختيارا لتحقيق التنمية وولوج مصاف الدول الصاعدة. بالاهتمام بالقطاع الرقمي وتكنولوجيات الإعلام والاتصال.
- الاهتمام بالجامعة وبالبحث العلمي، وإعطاؤها الأولوية في مخططات الإستراتيجية، وضمن سياستها العامة للارتقاء بالبحث العلمي، وتسخيره في خدمة، التنمية الشاملة والمستدامة.
- العمل على الاستثمار في رأس المال البشري الذي يعتبر من أهم مقوّمات تحقيق تنمية اقتصادية مستدامة.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19454

العدد 19454

الخميس 25 أفريل 2024
العدد 19453

العدد 19453

الأربعاء 24 أفريل 2024
العدد 19452

العدد 19452

الإثنين 22 أفريل 2024
العدد 19451

العدد 19451

الإثنين 22 أفريل 2024