مع اقتراب إطلاقه

هـل سيتفــوق اليــوان الرقمـي الصيني علـى العملات الأخــــرى؟

 من المتوقع أن يُطلق بنك الشعب الصيني، نسخة رقمية من اليوان في أواخر العام الجاري، ويجري تسريع تنفيذ المشروع، استجابة لظهور عملة فيسبوك الرقمية، ليبرا، وتفشي فيروس كورونا.
في مقال نشره موقع معهد أبحاث السياسة الخارجية الأمريكي، قال الكاتب روبرت موراي إن بنك الشعب الصيني أجرى اختبارات تجريبية في 4 مدن على الأقل، بمشاركة شركات أميركية، وعلى الرغم من إجراء مختلف البلدان أبحاثا بشأن إنشاء عملات رقمية خاصة بالبنوك المركزية، فإن الصين تمكنت من إحراز تقدم كبير في هذا المجال، حيث يبدو أنها ستكون أول اقتصاد يصدر مثل هذه العملة.
وسيكون اليوان الرقمي قابلا للبرمجة والتتبع، ما يعني أن الحكومة الصينية ستتمكن من مراقبة تدفقات رأس المال بشكل كبير وفرض قيود أو شروط مسبقة على استخدامات العملة، في المقابل، يشكل اليوان الرقمي تهديدا للمصالح الدبلوماسية والإعلامية والاقتصادية للولايات المتحدة وحلفائها.
وسيساعد اليوان الرقمي الصين في تدويل عملتها، والترويج لليوان كمنافس أو بديل للدولار الأميركي، ناهيك عن أنه سيمكّنها من توسيع قدراتها في مجال المراقبة، حيث ستوفر لها العملة الجديدة نافذة على النشاط الاقتصادي للمستخدمين داخل حدودها أو خارجها، الأمر الذي سيخول لها التحكم فيها.
كما سيسمح اليوان للصين بالالتفاف حول العقوبات وقوانين حظر الأسلحة وأنظمة غسل الأموال، من خلال توفير بديل لنظام المدفوعات الدولية القائم على الدولار، والذي يخضع لمراقبة المؤسسات المالية الغربية.

أسباب وتحديات
تشمل الأسباب المعلنة لإصدار الصين هذه العملة خفض التكاليف المرتبطة بإدارة النقد الورقي وتحسين فعالية السياسة النقدية، ناهيك عن تسريع وخفض تكلفة المدفوعات الدولية ومكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب والأنشطة الإجرامية الأخرى.
كما يشعر بنك الشعب الصيني بالقلق إزاء اعتماد الصين الساحق على المدفوعات الإلكترونية، وفي حال انقطاع شبكاتها أو تعرضها للخطر، فلن يكون هناك ما يكفي من العملة الورقية المتداولة لتعزيز المبادلات التجارية، ما يتسبب في انهيار نظامها المالي.
وعلى الرغم من حرص بكين على السيطرة على تدفقات رأس المال ومراقبتها، فإن منصات الدفع الإلكترونية مثل تنباي وأليباي لا توفران لها درجة التحكم المباشر والمراقبة التي ستُمكنها منها عملة اليوان الرقمي.
وأشار الكاتب إلى أن المسؤولين الصينيين سارعوا في تنفيذ مشروع اليوان الرقمي عندما أعلن فيسبوك، خلال شهر جوان عام 2019، عن نيته إطلاق عملته الرقمية «ليبرا».
ويعتقد بنك الشعب الصيني أن عملة فيسبوك تشكل تهديدا لليوان ولأنظمة المدفوعات المحلية في الصين، ونظرا لأن فيسبوك لن يدرج اليوان بين عملاته الاحتياطية، فمن المحتمل أن يؤدي استخدام ليبرا على نطاق واسع إلى تدفق رؤوس الأموال إلى الخارج، مما سيساهم بدوره في إضعاف اليوان.
ولقد أدت جائحة كورونا إلى بذل الصين جهودا حثيثة من أجل جعل مبادرة اليوان الرقمي حقيقة في أقرب وقت ممكن، وفي ظل تفاقم المخاوف من أن تكون الإمدادات النقدية الورقية حاملة للفيروس، عقّم بنك الشعب الصيني النقود وخزّنها لمدة تصل إلى 14 يوما.
من شأن اليوان الرقمي أن يمكّن الصين من مراقبة الإنفاق في إطار حزمة التحفيز التي قدمتها وتبلغ قيمتها 3.6 تريليونات دولار، وفي ظل تنامي اعتماد العملات الرقمية في المعاملات التجارية في الصين، ستفرض رقابة على هذه المعاملات، مع ذلك سيمكن اليوان الرقمي الذي يتم التحكم فيه مركزيا، الصين من تحقيق مستوى آخر من الرقابة.
وعلى الرغم من عدم تحديد موعد رسمي لإطلاقها، فقد توقع بنك «سيتيك سيكيوريتيز» (Citic Securities) الاستثماري الصيني طرح اليوان الرقمي رسميا بحلول نهاية عام 2020، وأكملت الصين تصميم اليوان الرقمي، وبدأت في إجراء الاختبارات التجريبية في عام 2019 لدراسة مدى استقراره وأمنه.

خصائص اليوان الرقمي
ونظرا لاعتبار اليوان الرقمي عملة قائمة على رموز مميزة وتكنولوجيا البلوكتشين (blockchain)، سيقدم التحديث والفوائد التي تسعى إليها الشركات والأفراد في جميع أنحاء العالم، كما سيتمكن مستخدمو هذه العملة من إجراء معاملاتهم دون الحاجة إلى مصرف أو وسيط آخر، وستكون بدورها محمية عن طريق التشفير القوي وسهلة التتبع عبر دفتر الأستاذ الرقمي الذي لا يمكن محو بياناته.
ومن الناحية النظرية، ستكون هذه العملة أكثر أمنا وسرعة من نظام سويفت الحالي، الذي يمكن أن تستغرق المعاملات بموجبه أياما لإتمامها، وكان هدفا لسرقات بملايين الدولارات خلال الفترة الأخيرة.
سيُوزّع اليوان الرقمي بطريقة تحافظ إلى حد كبير على القنوات المؤسسية للتوزيع النقدي، بالإضافة إلى مجموعة مختارة من البنوك التجارية، وسيُصدر بنك الشعب الصيني العملة وسيستردّها عن طريق شركة يونيون باي ومنصات الدفع.
وستوزع هذه البنوك والمؤسسات المالية على الشركات والأفراد من خلال محافظ رقمية يعتمدها بنك الشعب الصيني، وسيتمكن المستخدمون إما من إجراء المدفوعات أو تحويل الأموال عبر الإنترنت.

الطابع الدولي على العملة
يعتقد المراقبون أن اليوان الرقمي بمثابة محاولة لتعزيز المكانة الدولية لليوان بشكل كبير، مما يجعله عملة تُستخدم في المعاملات اليومية في جميع أنحاء العالم، وعلى الصعيد المحلي، يمكن أن يكون استخدام هذه العملة إلزاميا للحصول على الخدمات العامة، مثل الرعاية الصحية والنقل العام وخدمات المرافق، كما أشارت الصين إلى أنها تريد استخدام العملة الرقمية خلال الألعاب الأولمبية التي ستقام في بكين عام 2022.
ونظرا لعدم الحاجة إلى حساب مصرفي ضروري في الخارج، يمكن لليوان الرقمي جذب حوالي ملياري شخص لا يمتلكون حسابات مصرفية في العالم.
ويُذكر أن السرعة الفائقة والحماية التي توفرهما معاملات اليوان الرقمي يمكن أن تجذبا العديد من الشركات الدولية المشاركة في التجارة مع الصين، مع شركاء تجاريين مقربين في آسيا وخارجها.
ولكن حتى الآن، أعيقت الجهود المبذولة لإضفاء الطابع الدولي على اليوان جزئيا بسبب ضوابط الصين على النقد الأجنبي وندرة الثقة في الحكومة الصينية باعتبارها راعية للثروة.
والواقع أن جعل اليوان الرقمي عملة دولية من شأنه أن يقلص من حاجة الصين إلى فرض ضوابط على الصرف الأجنبي عن طريق الحد من المخاطر المرتبطة بسعر صرف اليوان وتمكين الصين من توسيع قدراتها الرقابية في الخارج.
الصحافة الأمريكية

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19432

العدد 19432

الأربعاء 27 مارس 2024
العدد 19431

العدد 19431

الثلاثاء 26 مارس 2024
العدد 19430

العدد 19430

الإثنين 25 مارس 2024
العدد 19429

العدد 19429

الأحد 24 مارس 2024