تعيد رسم خارطة شراكاتها الاقتصادية.. عبد القادر سليماني لـ”الشعب”:

تعزيز التعاون الثنائي مع الدّول الأوروبية.. مفتاح النجاح

خالدة بن تركي

بناء تعاون جديد يقوم على احترام السيادة والمنفعة المتبادلة

تشهد العلاقات بين الجزائر والدول الأوروبية انتعاشا واضحا في الفترة الأخيرة، خاصة من خلال الزيارات المتكرّرة التي يقوم بها رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، هذه الدينامية الدبلوماسية تعكس رغبة الجزائر في بناء شراكات متوازنة تخدم مصالح الطرفين، خصوصا مع الاتحاد الأوروبي الذي يعدّ الشريك التجاري الأول للجزائر.

وقال الخبير الاقتصادي عبد القادر سليماني لـ«الشعب”، إن الرئيس تبون يقود الجهود الاقتصادية الخارجية بنفسه، بهدف تطوير اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي بشكل يخدم مصالح الجزائر، وبما يضمن توازنه ويجعل منه أداة حقيقية لدعم الاقتصاد الوطني.
وتأتي هذه الزيارات، وفقا لتصريحاته، ضمن سياسة جديدة تنتهجها الجزائر تقوم على بناء شراكات متوازنة تحقق الفائدة المتبادلة، فرؤية الجزائر تركز على استقطاب استثمارات وشراكات متنوّعة، مع التشبث بالسيادة الوطنية واحترام المصالح المشتركة، وتقوم هذه الشراكات المنشودة على ثلاثة مبادئ أساسية: احترام السيادة، التعاون المتبادل، وتحقيق المنفعة المشتركة، وهي المبادئ التي ستعتمد ضمن أي تعاون اقتصادي مستقبلي مع الدول الأوروبية
كما هو معلوم، أصبحت الجزائر اليوم شريكا موثوقا وآمنا واستراتيجيا في مجال الطاقة، لا سيما فيما يتعلّق بالغاز والطاقات الجديدة والمتجدّدة، إذ تلعب دورا محوريا في تلبية احتياجات أوروبا من الطاقة، حيث تزوّد القارة بأكثر من 13بالمائة من احتياجاتها من الغاز والنفط.
تسعى الجزائر - بحسب سليماني- إلى تعزيز شبكتها لتوزيع الغاز، من خلال مشاريع استراتيجية تستهدف دول أوروبية مثل سلوفينيا والمجر والنمسا وألمانيا، ويندرج ذلك في إطار جهود متواصلة لترسيخ مكانتها كمصدر رئيسي ومستقر للطاقة في المنطقة.
كما ينظر الأوروبيون إلى الجزائر باعتبارها شريكا استراتيجيا قوّيا وضامنا للأمن الطاقوي، ليس فقط فيما يتعلّق بالغاز، وإنما في مجال الطاقات المتجدّدة، وقد شرعت الجزائر في زيادة تدفقاتها من الغاز الطبيعي، بهدف تجاوز حاجز 100 مليار متر مكعب سنويا من الإمدادات الموجّهة لأوروبا، خاصة بعد توقيع اتفاقيات جديدة مع كل من إيطاليا، سلوفينيا، المجر، إسبانيا، والبرتغال.

فوائــد متبادلـة

وأعطى رئيس الجمهورية تعليمات بإعادة تقييم اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، بما يضمن تحقيق مصالح متوازنة وأكثر إنصافا للطرفين، خاصة وأن الاتحاد الأوروبي يعدّ أكبر شريك تجاري للجزائر، حيث تتجاوز قيمة المبادلات التجارية بين الجانبين 45 مليار دولار سنويا.
وتعدّ الجزائر اليوم بوابة استراتيجية للسلع والمنتجات الأوروبية نحو القارة الإفريقية، خاصّة مع دخول اتفاقية منطقة التجارة الحرّة القارة الإفريقية “زليكاف” حيز التنفيذ.
وفي هذا السياق - يقول الخبير الاقتصادي - تبرز الجزائر كحلقة وصل محورية لتدفق السلع من أوروبا إلى إفريقيا، وكذلك العكس، حيث تمثل جسرا لعبور المنتجات الإفريقية نحو الأسواق الأوروبية، خاصة المواد الطاقوية، والمواد الأولية، ومواد البناء، وكل ما يدخل في الصناعات الأوروبية.
وتربط الجزائر بالاتحاد الأوروبي شبكة من أنابيب الطاقة، إلى جانب مشاريع استراتيجية قيد الإنجاز، من بينها مشروع أنبوب الغاز العابر للمتوسط، الذي سيسهم في تصدير كميات إضافية من الغاز والكهرباء والهيدروجين، وتعوّل أوروبا بشكل متزايد على الجزائر لتلبية أكثر من 10بالمائة من احتياجاتها من الطاقات الجديدة والمتجدّدة.
وذكر سليماني بالزيارات المتكرّرة لوفود أوروبية من ألمانيا، النمسا، إيطاليا، البرتغال، وإسبانيا في الآونة الأخيرة، والتي تعكس الرغبة في إقامة شراكات حقيقية مع شركة سوناطراك، ومن بين هذه الشراكات تعاونا مع شركات كبرى مثل “إيني” الإيطالية، وشركات إسبانية وبرتغالية، فضلا عن توقيع اتفاقية حديثة بين “سوناطراك” وشركة “جيوبلين “ السلوفينية، وذلك في إطار اهتمام أوروبي بالاستثمار في مجالات الطاقة الأحفورية، والطاقة الجديدة والمتجددة، والطاقة النظيفة.

تنويـع الشركــاء

تعكس هذه الزيارات الناجحة التي يقوم بها رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، توجها استراتيجيا جديدا في تنويع الشركاء الاقتصاديين للجزائر، فقد عمل الرئيس على توسيع دائرة الأصدقاء والشركاء، وتوجيه الاقتصاد الوطني نحو آفاق جديدة، بعيدا عن النهج الكلاسيكي الذي كان يركز على دول غرب أوروبا خلال السبعينيات والتسعينيات والألفينية.
وتنفتح الجزائر اليوم على شركاء جدد من منطقة البلقان والدول المتوسطية، بالإضافة إلى دول وسط أوروبا، ودول من آسيا مثل إندونيسيا، فضلا عن زيارات مهمة إلى عدد من الدول الإفريقية والعربية، وزيارات متبادلة مع دول كالهند والمملكة العربية السعودية.
في هذا الإطار، يسعى رئيس الجمهورية إلى إعادة تقييم الاتفاقيات الاقتصادية، وعلى رأسها اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، بما يضمن مصالح الجزائر ويؤسس لشراكة حقيقية ومربحة للطرفين، هذا التوجه الجديد يهدف إلى تنويع التبادل التجاري، خاصّة في القطاعات غير المرتبطة بالمحروقات، مثل الطاقات المتجدّدة، المعادن النادرة، الفلاحة، والزراعة الصناعية.
وتتمثل الغاية الأسمى من هذه الديناميكية الدبلوماسية والاقتصادية في جلب الاستثمارات الأجنبية النوعية في مجالات الزراعة الاستراتيجية، السياحة، والصناعات الغذائية، بما يساهم في تحقيق الأمن الغذائي، والأمن المائي، والأمن الصحي، وبالتالي بلوغ السيادة الاقتصادية الكاملة، وفي الوقت ذاته، تسعى الجزائر إلى الابتعاد عن الاعتماد على المديونية الخارجية التي لطالما قيّدت القرار السياسي والدبلوماسي الوطني.

اتفاقيـات هامّــة

وقال الخبير: “شهدنا مؤخرا زيارة ناجحة قام بها رئيس الجمهورية إلى سلوفينيا، حيث تم التوقيع على عدد من الاتفاقيات الهامة شملت عدّة مجالات استراتيجية، من بينها: البيئة، الطاقة، الطاقة المستدامة، المياه، الفلاحة، التكنولوجيا، الذكاء الاصطناعي، البحث العلمي، وكذلك الصناعات الصيدلانية”.
هذه الاتفاقيات تندرج في إطار التوجه الجديد للجزائر، الذي يرتكز على قانون الاستثمار الجديد والبيئة الاقتصادية المحفزة، إضافة إلى الدور الفاعل للوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار، خصوصا في القطاعات ذات الأولوية مثل: الصناعة، التكنولوجيا، الحديد والصلب، الفوسفات، السياحة، الفلاحة، والصناعات الصيدلانية.
كل هذه الجهود - يقول سليماني - تهدف إلى تحقيق الأمن الاقتصادي والسيادة الاقتصادية للبلاد، وقد أكد رئيس الجمهورية أن الجزائر لا تعاني من مديونية خارجية، ما يمنحها مرونة كبيرة في اتخاذ القرارات السيادية، ويكسب هذه القرارات احتراما واسعا على الصعيد الدولي.
تعتبر زيارة رئيس الجمهورية خطوة هامة مكنّت الجزائر من ترسيخ مكانتها كشريك موثوق على الساحة الدولية، وتبرز أهمية هذه الزيارة في التوافق السياسي الكبير الذي يجمع الجزائر بعدد من الدول الأوروبية، على غرار إيطاليا وسلوفينيا والبرتغال، إضافة إلى ألمانيا، المجر، والنمسا، فضلا عن دول أوروبا الشرقية سابقا.
وتابع الخبير قائلا إن الجزائر تشهد تقاربا لافتا في الرؤى مع دول مثل سلوفينيا، إيطاليا، البرتغال، إندونيسيا وتركيا، خاصة في القضايا السياسية الكبرى، ويركز رئيس الجمهورية، من خلال زياراته، على بناء شراكات ثنائية متكاملة تقوم على توافق سياسي واقتصادي، تشمل مجالات الطاقة، الطاقات المتجدّدة، المياه، الفلاحة، السياحة، التكنولوجيا، والنقل، كما يعطي الأولوية لتعزيز العلاقات مع دول الفضاء الأورومتوسطي ذات الوزن الاقتصادي والسياسي في محيطها.

شراكـات مُثمـرة

إن الشركات التي يتم تأسيسها نتيجة للزيارات التي يقوم بها رئيس الجمهورية تساهم بشكل مباشر في زيادة الناتج المحلي الخام، وتدفع نحو تحقيق هدف الوصول إلى 400 مليار دولار كأفق للناتج الداخلي الخام بحلول عام 2027، كما أنها تساهم في تعزيز التجارة الخارجية البينية بين الجزائر والدول الأوروبية، وتهدف إلى بلوغ 30 مليار دولار من الصادرات خارج قطاع المحروقات.
وفي إطار جذب الاستثمارات الأجنبية، تسجل الجزائر اليوم حوالي 300 مشروع استثماري قيد الإنجاز، معظمها بشراكة مع مستثمرين أجانب، خاصة من إيطاليا وسلوفينيا والبرتغال وإسبانيا وألمانيا والمجر وبريطانيا، وتشمل هذه الاستثمارات مجالات متعددة مثل الطاقة، والصناعة، والتكنولوجيا، وغيرها.
وقد بدأت الجزائر- يضيف المتحدث - تفتح آفاق تعاون جديدة مع دول البلقان، والدول المتوسطية، وبلدان أوروبا الوسطى، إضافة إلى دول جنوب شرق آسيا، مثل إندونيسيا، وكذلك الدول الإفريقية والعربية، وتعرف العلاقات مع دول كبرى كالهند والسعودية زيارات متبادلة على أعلى المستويات، ما يدل على رغبة حقيقية في إعادة رسم خريطة الشراكات الاقتصادية.
ويعدّ جلب الاستثمارات أحد الأهداف المحورية لهذه الزيارات، خاصة الاستثمارات النوعية في الزراعة الصناعية، والزراعات الاستراتيجية، التي تسهم في تحقيق الأمن الغذائي، والأمن المائي، والأمن الصّحي، ما يفتح الطريق نحو السيادة الاقتصادية.
كما تسعى الجزائر إلى أن تصبح ثاني أكبر اقتصاد في إفريقيا، وأن تعزّز حضورها في المنطقة المتوسطية عبر تحويل موانئها إلى مراكز اقتصادية منتجة، ويتجلى ذلك في الاتفاقيات الموقعة مع سلوفينيا وإيطاليا لتطوير الشحن البحري والموانئ.
وتركز الدولة على تعزيز النجاعة والمردودية بتحديث أساليب التسيير، وتحرير التجارة الخارجية، وخلق بيئة اقتصادية محفزة بإزالة العراقيل الادارية، وفي هذا الإطار، أمر رئيس الجمهورية بإنشاء هيئتين للتصدير والاستيراد لتنشيط التجارة الخارجية وتنظيم السوق الوطنية، حيث تشمل الأهداف تنويع مصادر الدخل، خفض فاتورة الاستيراد، وزيادة الصادرات خارج قطاع المحروقات، ما يساهم في تحقيق فائض تجاري، وتوطين الصناعات، خاصة الصيدلانية والتكنولوجية.
الزيارات الاستراتيجية التي يقوم بها رئيس الجمهورية، مرفوقا بوفود رفيعة يضم وزراء في القطاعات الاقتصادية ورجال أعمال، تعكس طابعا دبلوماسيا واقتصاديا في آن واحد، حيث تهدف إلى تعزيز التبادل التجاري وجلب الاستثمارات، خاصة من أوروبا، مثل سلوفينيا التي تملك خبرة في التكنولوجيا، الرقمنة، والاقتصاد المستدام، وقد أثمرت هذه الجهود عن اتفاقيات مهمة، تجارية واستثمارية، تساهم في دعم الإنتاج الوطني وتضيف قيمة حقيقية للاقتصاد.
وعليه، فإن الجزائر تعمل على بناء شراكات اقتصادية تقوم على احترام السيادة والمصالح المشتركة، خاصة مع أوروبا، من خلال تنويع شركائها وجذب الاستثمارات في مجالات حيوية كالطاقة، الزراعة، والصناعة، تسعى الجزائر لتحقيق أمنها الاقتصادي وتعزيز مكانتها كجسر مهم بين أوروبا وإفريقيا، ما يفتح الطريق نحو اقتصاد أكثر تنوّعا واستقلالية.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19775

العدد 19775

الأحد 18 ماي 2025
العدد 19774

العدد 19774

السبت 17 ماي 2025
العدد 19773

العدد 19773

الخميس 15 ماي 2025
العدد 19772

العدد 19772

الأربعاء 14 ماي 2025