خـبراء يثمنون عـبر “الشعـب” الحــرص على توطين التكنولوجيـات الحديثة

خطوات واثقة نحو التأسيس لمفخرة صناعية

خالدة بن تركي

 الحيدوسي: الديناميكية الصناعية ثمرة توجّــه استراتيجـي واضـح

 تيغرســي: التسويــق للفرص الجزائريـة عـبر المعـارض.. ضــرورة

 نبـاش: الالتـزام بمتطلبــات دفـــتر الشــروط يعــزّز فــرص النجــاح

تشهد صناعة السيارات في الجزائر خلال سنة 2025 حركية متزايدة، وسط تغييرات اقتصادية كبيرة، فقد بدأت الجزائر تخطو خطوات جدّية لبناء صناعة محلية حقيقية، من خلال توقيع اتفاقيات مهمة مع شركات عالمية، مثل اتفاق مع الشركة الصينية “جيتور” لإنشاء مصنع في ولاية باتنة، كما تجري وزارة الصناعة مفاوضات مع علامات معروفة مثل “هيونداي”، “جيلي”، و«فولكسفاغن” الهدف منها جلب التكنولوجيا الحديثة، وزيادة نسبة المكوّنات المحلية في السيارات، والتقليل من الاعتماد على الاستيراد.

تندرج هذه الجهود ضمن استراتيجية الدولة الرامية إلى تطوير قطاع صناعة السيارات، باعتباره جزءا أساسيا من خطتها لتنويع الاقتصاد الوطني، وتركز الدولة على جعل هذا القطاع محرّكا للنمو الاقتصادي ووسيلة لخلق فرص عمل جديدة، وقد عبّر وزير الصناعة عن هذا التوجّه، وأكد ضرورة توفير سيارات تتميّز بالجودة وتعرض بأسعار مناسبة، بما يلبي احتياجات المواطن ويدّعم السّوق المحلية.

مفاوضات مع 13شركة عالمية

تسعى الجزائر إلى تطوير صناعة سيارات محلية حقيقية من خلال التفاوض مع 13 شركة عالمية، من بينها “هيونداي” و«جيلي” و«فولكسفاغن”، لإنشاء مصانع في البلاد، وتركز هذه الجهود على نقل الخبرات والتكنولوجيا، وتدريب العمال، وزيادة نسبة المكوّنات المحلية في الإنتاج.
من جهته، قال وزير الصناعة سيفي غريب في آخر تصريح له إن ملف السيارات يتابع باهتمام كبير، لمدى أهميته بالنسبة للمواطنين، وأضاف أن مصالحه ستعمل على إدخال “الفرحة” إلى قلوب الجزائريين من خلال توفير سيارات بجودة عالية، وكميات كافية، وبأسعار مناسبة.
كما أعلن الوزير عن عقد اجتماع بحر الأسبوع المنصرم، من أجل المصادقة على جدول نسب الإدماج في صناعة السيارات، ويهدف هذا اللقاء إلى تعزيز الإنتاج المحلي من خلال رفع نسبة المكوّنات المصنوعة داخل البلاد، مما يساعد على تقليل الاستيراد ودعم الصناعة الوطنية وتوفير فرص عمل جديدة.
وبخصوص الانتاج المحلي، يرتقب أن تصل قدرة إنتاج مصنع فيات في عام 2025 إلى 60 ألف مركبة، وهو نفس الهدف المسطر لسنة 2026، وفي هذا السياق، صرّح المدير الجهوي لشركة “ستيلانتيس لمنطقة الشرق الأوسط وإفريقيا” بأن بلوغ هذا الهدف يتم في إطار الاستخدامات المحددة سالفا، وهو جزء من استراتيجية توسعة ودعم مستقبل المصنع.وفي السياق نفسه، يندرج هذا الهدف ضمن خطة لدعم الصناعة المحلية، حيث تعمل شركة “ستيلانتيس” على زيادة نسبة المكونات المصنوعة محليا، هذا سيساعد على توفير فرص عمل جديدة، وتدريب العمال على مهارات حديثة، كما سيساهم في تقليل الاستيراد وجعل البلد أكثر قدرة على المنافسة في مجال تصنيع السيارات.

خطــوات متسارعـــة

بدوره الخبير الاقتصادي أحمد الحيدوسي قال في تصريح لـ«الشعب”، إن الجزائر تشهد في الآونة الأخيرة خطوات متسارعة ومهمة في مجال التصنيع، لا سيما في قطاع صناعة السيارات، عبر إبرام شراكات استراتيجية مع كبريات الشركات العالمية مثل “فيات” وهونداي، فيما تشير المعطيات إلى وجود علامات تجارية أخرى قيد التفاوض.
وأضاف الخبير، أن هذه الديناميكية الجديدة لا تأتي في سياق عابر أو ظرفي، بل هي ثمرة توجه استراتيجي واضح ومدروس من طرف الحكومة، يهدف إلى إرساء أسس اقتصاد وطني قوّي ومتين، قائم على الإنتاج المحلي وتنمية القدرات الصناعية، ويأتي هذا التوجه في إطار سعي الدولة للتحرّر التدريجي من التبعية الاقتصادية.
هذا التوجه الصناعي، يأتي في سياق سعي الجزائر إلى مواصلة تسجيل معدلات نمو إيجابية، حيث شهد الاقتصاد الوطني نموا بلغ 4 بالمائة في السنوات الأخيرة، بشهادة المؤسسات المالية الدولية، وتسعى الحكومة إلى تعظيم هذا المسار، من خلال رفع الناتج الداخلي الخام ليبلغ ما يفوق 400 مليار دولار خلال السنوات القادمة، وهو هدف لن يتحقق إلا بتعزيز القطاعات ذات الأولوية، وعلى رأسها القطاع الصناعي.
وأوضح الخبير أن رئيس الجمهورية كان واضحا في رؤيته المستقبلية، حين تعهد برفع مساهمة القطاع الصناعي في الناتج الداخلي الخام من 4 بالمائة حاليا إلى أكثر من 12بالمائة خلال الأمد القريب، مع التركيز على الصناعات ذات القيمة المضافة العالية، وقد أعطى قانون الاستثمار الجديد دفعة قوية لهذا التوجه من خلال تقديم حوافز وتشجيعات ملموسة للمستثمرين في القطاعات الاستراتيجية.
وفي هذا الإطار، يعتبر قطاع صناعة السيارات أحد أبرز الرهانات، ليس فقط لما يتيحه من فرص استثمارية، بل لما يوفره من قيمة مضافة محلية، من خلال تقليص فاتورة الاستيراد التي تتجاوز 2 مليار دولار سنويا بين السيارات وقطع الغيار، وهو ما يشكل عبئا كبيرا على الميزان التجاري الوطني وبالتالي، فإن تقليص هذا العجز يعد مكسبا استراتيجيا للاقتصاد.
فضلا عن ذلك، تسهم هذه الديناميكية في خلق مناصب شغل مباشرة وغير مباشرة لآلاف الشباب، كما تدعم قطاع التكوين المهني من خلال توجيه الطاقات الشابة نحو تخصصات تلائم حاجيات الصناعات الميكانيكية الحديثة، كما ستوفر هذه المبادرات للمواطن الجزائري سيارات بأسعار معقولة وتنافسية مقارنة بالمستوردة من الخارج.
الخطوة الأهم في هذا المسار تكمن في دمج الاقتصاد الجزائري ضمن سلاسل الإنتاج والقيمة العالمية، من خلال تصنيع مكوّنات السيارات وقطع الغيار وتصديرها نحو الأسواق الإقليمية والدولية، وهو ما يعكس تحسّنا واضحا في مناخ الاستثمار بالجزائر، ويعزّزه دخول شركاء أجانب مهمّين، على غرار سلطنة عمان التي استثمرت في شراكة مع شركة “هونداي”، إلى جانب اهتمام شركات دولية أخرى.
إن ما تشهده الجزائر اليوم هو ثمرة رؤية اقتصادية شاملة تسعى إلى إقامة اقتصاد منتج وتنافسي، يعوّل على الإمكانات الوطنية لخلق الثروة وتوفير فرص العمل، بعيدا عن التبعية للاستيراد، وهذا هو السبيل نحو بناء اقتصاد قوّي متين، قادر على مواجهة التحدّيات المستقبلية بثقة وفعالية.

حركيـــة متزايـــدة

في السياق، أكد الخبير الاقتصادي هواري تيغرسي لـ«الشعب” أن الاقتصاد الوطني يشهد حركية متزايدة، خاصة في مجال صناعة السيارات، حيث تم اتخاذ خطوات أوّلية مهمة، إلا أن الانطلاقة ما تزال لم تصل بعد إلى المستوى المطلوب وتحتاج إلى مزيد من المتابعة والرقابة، خصوصا عبر تطبيق دفتر الشروط بشكل صارم.
وأوضح أن تطوير هذا القطاع لا ينبغي أن يقتصر على التركيب أو الإنتاج المحلي فقط، بل يجب أن يستند إلى رؤية استراتيجية واضحة تقوم على إنتاج موجه للتصدير، مع العمل على خلق نسيج صناعي متكامل يشمل قطع الغيار ولواحق السيارات.
وأضاف أيضا، السوق الجزائرية تعرف طلبا كبيرا قد يصل إلى مليون سيارة سنويا، ما يعكس الحاجة الملحة لبلورة استراتيجية قصيرة، متوسطة وطويلة المدى، تستند إلى تنويع المنتجات وتوسيع قاعدة المناولة، وتحويل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة إلى فاعل حقيقي في الصناعة التحويلية.
كما شدّد على أهمية التكامل بين القطاعات المعنية، مثل النقل، الصناعة، التكوين المهني، التعليم العالي، والوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار، من أجل تحديد الأولويات ووضع خريطة وطنية للاستثمار ترتكز على استغلال نقاط القوّة الاقتصادية، ما يساعد على توجيه الاستثمارات نحو المجالات الأكثر مردودية، وتحقيق تنمية متوازنة على المستوى الوطني.
وأشار تيغرسي، إلى أن الجزائر وقعّت مؤخرا على عدّة اتفاقيات هامة، منها اتفاقيات مع علامات مثل شيري، جيتور، وهونداي، مع دخول شركاء عرب وأجانب أبدوا نية واضحة في الاستثمار الفعلي والاندماج في السوق الوطنية، وذكر أن نجاح هذه الاستراتيجية يتطلب تحسين مناخ الاستثمار، من خلال تبسيط الإجراءات البنكية، تسهيل الحصول على العقار الصناعي، مراجعة السياسات الضريبية، وتيسير عمليات الجمارك، بما يضمن تدفقا سريعا للمواد الأولية والمعدات.
كما دعا في الختام، إلى إبراز المزايا النسبية للجزائر، مثل الموقع الجغرافي المؤهل للتصدير نحو الأسواق الأوروبية، الإفريقية والآسيوية، فضلا عن توفير المواد الأولية التي تشكل أكثر من 30 بالمائة من مدخلات الإنتاج، وأكد أيضا على ضرورة التسويق الدولي للفرص الجزائرية عبر المعارض والدبلوماسية الاقتصادية، مع رسم خريطة واضحة للاستثمار، تجيب عن أسئلة محورية: ماذا نريد؟ كم نريد؟ ومن نريد أن نستقطب؟

خطــوة جيّـدة

بدوره، قال الخبير في مجال السيارات يوسف نباش، إن الاتفاقيات التي توقعّها الحكومة مع شركات صناعة السيارات تعدّ خطوة إيجابية نحو تطوير هذا القطاع، مشيرا إلى أن هذه المبادرات من شأنها أن تساهم في تقليص فاتورة الاستيراد، وتحقيق نوع من الاكتفاء الذاتي، فضلا عن توفير مناصب شغل جديدة.
وأكد في ذات السياق، أن النجاح الحقيقي يتطلب الالتزام بتطبيق دفتر الشروط، خاصّة فيما يتعلق بتصنيع قطع الغيار داخل الجزائر، واعتبر أن التركيز على هذا الجانب أمر بالغ الأهمية، لأنه يمثل الخطوة الأولى والأساسية لبناء صناعة قوّية، ويساهم في تقليل التبعية للخارج، ويعزّز من قدرة المشاريع على التطور.
وصرّح نباش، أن تطوير صناعة السيارات في الجزائر يقتضي إدماج قطع غيار محلية الصنع، لما لذلك من دور في خلق مناصب شغل جديدة وتقليص الاستيراد، ودعا في هذا السياق إلى دعم هذا التوجه وتشجيع المستثمرين الراغبين في الإسهام في تطوير هذا القطاع الحيوي.

بـــوادر انفـراج

من جهته، المنسق الوطني بالجمعية الجزائرية لحماية المستهلك فادي تميم، قال: “لاحظنا انفراجا في سوق السيارات بعد صدور دفتر الشروط في 2023، حيث عادت بعض العلامات إلى التسويق، لكن الكميات المطروحة لا تزال غير كافية مقارنة بحجم الطلب في السوق، خاصة بعد سنوات من التوقف، السوق اليوم بحاجة إلى حوالي مليون سيارة حتى يعود التوازن، خصوصا مع ارتفاع أسعار السيارات المستعملة”.وأوضح في السياق، أن السلطات غيّرت استراتيجيتها، وأصبحت تشترط على العلامات الراغبة في دخول السوق أن تستثمر في التصنيع المحلي، هذا شيء إيجابي لأنه سيوفر مناصب شغل لليد العاملة الجزائرية، ويساعد في تطوير صناعة المناولة، ويقلل من الاعتماد على الاستيراد فقط.
أما بخصوص الجدل حول سيارات أقل من 3 سنوات أو الجديدة، فإن الاستيراد الخاص مفتوح، لكن المواطن ما زال ينتظر دخول المزيد من العلامات، ليكون أمام المستهلك خيارات متعدّدة ويختار السيارة التي تناسبه.كما أن فتح الاستيراد الخاص يشكل فرصة كبيرة لتنويع الخيارات أمام المستهلكين، مما يعزّز تنافسية السوق ويدفع باتجاه تحسين الجودة والأسعار، ومع دخول المزيد من العلامات التجارية الجديدة، ستتمكن العائلات من اختيار السيارات التي تناسب احتياجاتها وأذواقها بشكل أفضل، مما يفتح آفاقا أوسع للنمو ويعكس تطورا إيجابيا في قطاع السيارات المحلي.
ولعلّ الأكيد أن صناعة السيارات في الجزائر بصدد قطع خطوات مهمة نحو بناء صناعة محلية قوّية تساعد في التقليل من الاستيراد وتوفير فرص عمل جديدة، ومن خلال الاتفاقيات مع شركات عالمية وتطوير الإنتاج المحلي، تسعى الجزائر إلى تقديم سيارات بجودة جيدة وبأسعار مناسبة تلبي حاجة المواطن.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19781

العدد 19781

الأحد 25 ماي 2025
العدد19780

العدد19780

السبت 24 ماي 2025
العدد 19779

العدد 19779

الخميس 22 ماي 2025
العدد 19778

العدد 19778

الأربعاء 21 ماي 2025