أكد الخبير الباحث في تقييم السياسات العمومية بمجالات الأمن الغذائي والاقتصاد البحري الدكتور رشيد عنان، أن تطوير الاقتصاد الأزرق في الجزائر يعد مشروعا وطنيا استراتيجيا بامتياز، وأحد الخيارات الاستراتيجية القادرة على تنويع مصادر الدخل، مقترحا خارطة طريق مدعومة ببرنامج عملي واضح المعالم، تفتح آفاقا واعدة لتحقيق التنويع الاقتصادي، وخلق فرص عمل مستدامة، وضمان الأمن الغذائي والمائي، والمساهمة الفعالة في التحول الطاقوي، مع الحفاظ على الثروة البحرية للأجيال القادمة.
في خطوة استراتيجية تهدف إلى كسر الاعتماد المفرط على المحروقات وتحقيق تنويع اقتصادي مستدام، كشفت دراسة حديثة للباحث رشيد عنان، عن خارطة طريق وبرنامج عملي طموح لتطوير الاقتصاد الأزرق في الجزائر، يمثل هذا التوجه فرصة حقيقية للاستفادة من الإمكانات الهائلة التي يزخر بها الشريط الساحلي الجزائري، الممتد على طول 2148 كيلومتر، وتحويل التحديات الاقتصادية الراهنة إلى محركات للنمو وخلق الثروة.وبحسب الباحث، تواجه الجزائر، شأنها شأن العديد من الدول، تحديات اقتصادية جمة، أبرزها تقلبات أسعار النفط العالمية وتأثيرها المباشر على ميزانية الدولة ومختلف القطاعات، مشيرا إلى أنه منذ أزمة 2015، برزت الحاجة الملحة لتبني نماذج تنموية مبتكرة تتجاوز الحلول التقليدية. وفي هذا السياق، برز الاقتصاد الأزرق، الذي يركز على الاستغلال المستدام للموارد والأنشطة البحرية، كأحد أهم المسارات الواعدة لتحقيق التنويع المنشود.
وبالرغم من أنه قال “إن الاقتصاد الأزرق يساهم حاليا بنسبة 2,4% فقط في الناتج المحلي الإجمالي، ويوفر حوالي 331 ألف فرصة عمل مباشرة”، إلا أنه أكد أن إمكانات نموه هائلة. مضيفا، أن الدولة الجزائرية أدركت هذه الأهمية بإطلاقها للاستراتيجية الوطنية للاقتصاد الأزرق عام 2021.
لكن تقييما حديثا لهذه الاستراتيجية، ضمن أطروحة الدكتوراه، كشف عن بعض النقائص التي تستدعي -مثلما قال- معالجتها، مثل التركيز المحدود على قطاع الصيد البحري دون الأنشطة البحرية الأخرى ونقص البيانات الدقيقة وضعف آليات الحوكمة والتمويل.لمعالجة هذه النقائص وتقديم رؤية أكثر شمولية وواقعية، اقترح الباحث في دراسته خارطة طريق جديدة تمتد حتى العام 2050، تهدف إلى جعل الجزائر لاعبا محوريا في الاقتصاد الأزرق على مستوى حوض البحر الأبيض المتوسط.
ترتكز هذه الخارطة على خمس ركائز أساسية ومتكاملة هي، البحث العلمي والشراكات الدولية لتعزيز الابتكار وتطوير تقنيات جديدة لاستغلال الموارد البحرية، خاصة في مجال التكنولوجيا الحيوية، تنمية المنطقة الاقتصادية الخالصة لاستكشاف واستغلال الفرص المتاحة في مجالات الصيد، تربية المائيات والطاقات البحرية المتجددة، بناء القدرات البشرية والمؤسسية لتأهيل الكفاءات وتطوير المؤسسات القادرة على مواكبة نمو الأنشطة البحرية الناشئة، الاستدامة وحماية البيئة البحرية لضمان استغلال مسؤول للموارد والحفاظ على التنوع البيولوجي البحري، وأخيرا الحوكمة والتنسيق الفعال لضمان تنفيذ متناغم للاستراتيجية وإشراك جميع الفاعلين المعنيين.
أهداف طموحة ومجالات ذات أولوية
تحدد خارطة الطريق، بحسب الباحث، أهدافا كمية طموحة للعام 2050، تشمل مضاعفة إنتاج تربية المائيات 10 مرات، وزيادة إنتاج الصيد البحري بنسبة 20%، وتوليد 20% من إجمالي الطاقة الوطنية من المصادر البحرية المتجددة، وتحقيق اكتفاء ذاتي بنسبة 80% من مياه الشرب المحلاة في الولايات الساحلية، ومضاعفة عدد السياح ثلاث مرات.
ولتحقيق هذه الأهداف، أوضح عنان أن الخطة تركز على7 مجالات استراتيجية ذات أولوية، تشمل تطوير البنية التحتية للموانئ، تحديث قطاع النقل البحري (بإصلاح شركة CNAN واقتناء 20 سفينة جديدة)، النهوض بتربية المائيات والصيد المستدام، الاستثمار في الطاقات البحرية المتجددة وتحلية مياه البحر، تنمية السياحة الساحلية وتطوير التكنولوجيا الحيوية البحرية.
برنامج عملي خماسي باستثمارات ضخمة
لا تقتصر الخطة على الرؤية بعيدة المدى، بل تتضمن برنامجا عمليا للفترة 2025- 2030، يتألف من 45 خطوة ونشاطا محددا، تتطلب استثمارات تقدر بنحو 15 مليار دولار خلال خمس سنوات، ستوزع هذه الاستثمارات على 6 مجالات مترابطة تعتبر الأكثر إلحاحا وتأثيرا في المرحلة الأولى، وهي البنية التحتية للموانئ، النقل البحري، تربية المائيات، الطاقة البحرية والساحلية، السياحة الساحلية والتكنولوجيا الحيوية البحرية.ولضمان تنفيذ هذه الخطة، أوصت الدراسة بإعادة تفعيل المجلس الأعلى للبحر وإنشاء أمانة دائمة لمتابعة مشاريع الاقتصاد الأزرق.