اعـتراف دولي بحصافة الرّؤية الجزائرية لتحقيـق الانتقال الاقتصادي

الجزائر المنتصرة..قوة اقتصادية صاعدة ورائدة

 النّاتج الداخلي الخام خارج المحروقات 4.8 بالمائة..نسبة غير مسبوقة

تراجع التّضخّم بنسبة معتبرة..من 9.3 بالمائة إلى 4 بالمائة..الإنجاز

إصلاحـات هيكليـة عميقـــة حرّكت عجلـة الإنتاج ودعّمـت الإنتاجيـة

العمق الإفريقـي..قرار صائب وخيــار استشرافي بــروح تاريخيــة

 تبنّت الجزائر بقيادة الرئيس عبد المجيد تبون إصلاحات اقتصادية هيكلية عميقة، جعلت الاقتصاد الوطني يعرف خلال السنوات الأخيرة تحولات بنيوية مهمة، من خلال تنويع القاعدة الاقتصادية، وتبني استثمارات مدروسة أثمرت نتائج مشجّعة جدا وفي ظرف قياسي، مدفوعة بنمو الصادرات خارج المحروقات، حيث حقّقت طفرة اقتصادية لم تشهدها منذ الاستقلال، في منحى تصاعدي مستمر، بمرافقة المصدرين وإيلائهم بتقديم كل التسهيلات، واتخاذ إجراءات فعّالة بدأت تؤتي أكلها.
هيام لعيون
 بدأ تصحيح مسار الاقتصاد الوطني بإطلاق قانون الاستثمار الذي ضمن الاستقرار التشريعي، وتضمن تحفيزات للمتعاملين المحليين والأجانب، إلى جانب تحسين البنية التحتية الرقمية، لا سيما في قطاع التجارة الخارجية من خلال رقمنة العمليات الجمركية والمينائية، مع دعم قطاع الصناعات التحويلية الذي أصبح يمثّل أحد محركات النمو خارج المحروقات، فضلا عن انتهاج سياسة اقتصادية تدفع بلادنا نحو استقرار مالي مستدام، صاحبه عقد شراكات دولية واستراتيجيات للتنمية.
ولم تتوقف تقارير الهيئات المالية الدولية، على غرار صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، خلال السنوات الماضية، عن الإشادة بالتقدم النوعي الذي يعيشه الاقتصاد الوطني، اعترافا بالإجراءات والإصلاحات السياسية والاقتصادية التي اعتمدتها الجزائر، في سبيل ترقية اقتصاد الوطن والنهوض به، رغما عن ظروف عالمية متغيّرة ومتسارعة عجزت أقوى اقتصاديات دول العالم عن مواجهتها.

نمو خارج المحروقات..الأرقام تتكلّم

ووفقًا لتقرير حديث للبنك الدولي، فإنّ الناتج الداخلي الخام خارج قطاع المحروقات في الجزائر سجل نموًا قويًا بلغ 4.8 بالمائة خلال سنة 2024. ويعود هذا الأداء إلى انتعاش واضح في الاستهلاك الخاص وتزايد الاستثمارات، بالإضافة إلى موسم فلاحي جيد ساعد في كبح التضخم الذي تراجع إلى 4 بالمائة بعدما بلغ 9.3 بالمائة في 2023.
الخبير الاقتصادي لدى البنك الدولي، سيريل ديسبونتس، اعتبر أن هذا النمو يعكس ديناميكية جديدة تشهدها قطاعات الصناعة، الخدمات، والزراعة، داعيًا إلى مواصلة مسار الإصلاحات لتحسين الإنتاجية وتوجيه سوق العمل نحو قطاعات ذات قيمة مضافة عالية.

رسائــل إيجابيـة

 لم يكن تصريح الخبير الاقتصادي لدى البنك الدولي الأول من نوعه، فقد سبقته تصريحات من الهيئة المالية نفسها، ممثلة في رئيس مجموعة البنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والذي حل ببلادنا من قبل، وتحدث عن النمو الاقتصادي الذي حققته بلادنا، صاحبه تقرير البنك الدولي، ولعل أهم ما أشار إليه التقرير نسبة النمو، حيث شدد على أن الجزائر حافظت على نمو اقتصادي ديناميكي في عام 2023، وسجل الناتج المحلي الإجمالي - وقتها - زيادة بنسبة 4.1 بالمائة، بفضل الأداء القوي في قطاعات المحروقات وخارج المحروقات.
وقد أشادت المؤسسات المالية الدولية بالإجراءات المتخذة بالجزائر، والتي هي نتيجة لاستقلاليتنا المالية تجاه المؤسسات المالية الدولية، ما يجعل الجزائر في منأى عن كل التدخلات أو ما يعرف بـ “الإصلاحات الهيكلية والمالية” التي تقدّم للدول المدانة.
وكان صندوق النقد الدولي قد وضع الاقتصاد الجزائري في المرتبة الثالثة قاريا ضمن أهم الاقتصاديات مزيحا نيجيريا من الترتيب خلال السنة الجارية، حيث حلت الجزائر بعد كل من جنوب إفريقيا ومصر، وهو ترتيب مهم في وجهة نظر المستثمرين الأجانب والمؤسسات المالية الدولية، وشركات وهيئات التصنيف الدولية.
وتعتبر مثل هذه الأرقام والتصريحات، رسائل إيجابية عن الاستثمار في الجزائر، ما يدعم المواقف الوطنية أمام المستثمرين الأجانب وباقي التكتلات الاقتصادية الإقليمية، في ظل تحسن المناخ الاقتصادي والمناخ الاستثماري، مع النمو الملحوظ لقطاع المحروقات مدعوما بالقطاع الفلاحي وكذا تطور معدلات النمو، بالإضافة إلى الاستقرار السياسي، كانت كلها عوامل تشكل متغيرات لتوقع معدل نمو إيجابي

هذه أهم الإصلاحات

 تبنّت الجزائر بقيادة رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، إصلاحات هيكلية وبنيوية هامة وغير مسبوقة، تستند إلى رؤية استشرافية ترتقي بالاقتصاد الوطني، بداية من ترقية الصادرات خارج المحروقات وترشيد الاستيراد، إلى جانب تنويع النمو واقتصاد المعرفة، والتركيز على الصناعات التحويلية والصناعات المتوسطة والمصغرة والناشئة، حيث عرف الاقتصاد الوطني ارتفاعا في عدد المؤسسات المصغرة في الصناعة والفلاحة.
في هذا السياق، شهدت الصادرات الجزائرية خارج المحروقات ديناميكية غير مسبوقة، بعدما كان الاستيراد وحده السيّد والمتحكم الأول في الاقتصاد الوطني طيلة عقود، وها هي منتجات الجزائر تفتح الآفاق نحو الأسواق الخارجية، وتساهم في الرفع من احتياطي الصرف، في وقت تحرص الجزائر على بلوغ هدف رفع قيمة صادراتها خارج المحروقات إلى 30 مليار دولار في آفاق 2030، مع تخفيض فاتورة الاستيراد، حيث كان معدل الصادرات خلال الخمس سنوات الماضية، خمسة ملايير دولار، مع وجود إمكانات كبيرة لترقية الصادرات في كثير من القطاعات خاصة الفلاحة، البناء والصناعة، وهو ما انعكس إيجابا على قدره الاقتصاد الوطني في اقتحام الأسواق الخارجية باقتدار، بمرافقة دبلوماسية اقتصادية محكمة، لعبت أدوارا ممتازة في تعزيز المنتوج المحلي بالخارج.
وقد اعتمدت الجزائر في عهد الرئيس عبد المجيد تبون، على القدرات المالية الذاتية، ورفضت رفضا قاطعا التوجه نحو الاستدانة الخارجية، وعززت ذلك من خلال الشراكة الأجنبية وفق قاعدة “رابح ــ رابح”، وتمضي اليوم في مراجعة اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، حيث لم تعد بلادنا مرتهنة لأي كان، بفضل موثوقية الاقتصاد الوطني، باعتبار أن الجزائر قوة اقتصادية صاعدة، معترف بها من قبل الهيئات المالية الدولية، وهو ما يجبر الطرف الأوروبي على مراجعة حساباته وأولوياته، من خلال إبرام شراكة حقيقية تحقق مكاسب والمنافع للطرفين، والتخلص النهائي من الفكرة المسبقة التي ظلت تتعامل مع الجزائر على أنّها مجرد “بازار” لمنتجات أوروبا.
إلى جانب ذلك، عملت السلطات العليا في البلاد على توفير المناخ الملائم للاستثمار بسن قانون استثمار أدى إلى تحسين مناخ الأعمال، حيث خطت الجزائر خطوات هامة، في هذا المجال، وعززت سلسلة حلقات تحسين مناخ الأعمال وتشجيع الاستثمار في الجزائر، وتوفير الظروف المناسبة لتحرير روح المبادرة، وتنويع الاقتصاد الوطني، منذ إصدار قانون الاستثمار خلال الخماسي الماضي، وسن الترسانة القانونية والآليات الموضوعة لهذا الغرض، وبغية بعث تطمينات جدية للمستثمرين داخل وخارج الوطن، ضمن رؤية شاملة ترتكز على أهم الاستثمارات الاستراتيجية للدولة.
كما عملت الجزائر على استغلال ثرواتها الطبيعية في ترقية اقتصادها وتحريك عجلة النمو، من خلال مشروع بلاد الحدبة بولاية تبسة الذي يمثل أحد المشاريع المدمجة الكبيرة التي لها تأثيرات ايجابية في المستقبل على حياة المواطنين بالمنطقة، وعلى عملية التنويع الاقتصادي في سياق ترقية الصادرات خارج المحروقات، لاسيما المتأتية من المناجم، الى جانب استغلال منجم غار جبيلات (تندوف)، أحد أكبر  ثلاثة مناجم للحديد والصلب في العالم من حيث الاحتياطي الجاهز للاستغلال، والذي تبلغ احتياطاته المؤكّدة 3.5 مليار طن ومنجم بجاية للزنك والرصاص.

التّوجّه نحو العمق الإفريقي

 اتّجهت الجزائر نحو العمق الإفريقي، بمرافقة الدبلوماسية الاقتصادية من خلال الترويج للمنتوج الوطني، خاصة نحو الأسواق الأفريقية وكذا فيما تعلق بمختلف القضايا التي ترهن قدراتنا في الاتفاقيات الاقتصادية، حيث تستهدف من
خلال ذلك كسب سوق واعدة لترويج منتجاتها، وكذلك النهوض بالحياة التنموية في المناطق الحدودية مع دول الجوار الصحراوي، وتشجيع سكان المناطق الحدودية في الجانبين على المساهمة في خلق فرص العمل، وتمهيد المجال للتبادل التجاري الرسمي، وبذلك اقتحام الجزائر للسوق الإفريقية عبر الولايات الجنوبية لإعطاء ديناميكية للتجارة الخارجية وللرفع من قيمة الصادرات نحو إفريقيا، في ظل اعتماد خطوات سابقة على غرار فتح فروح لبنوك، وفتح معارض دائمة للمنتجات الجزائرية هناك.

جهود حقيقيّة وتحدٍّ كبير

ومن بين الإصلاحات نجد تحسّن أداء قطاعات ذات تشابك كبير مثل الصناعة، والفلاحة التي تشهد حركية وتطورات غير مسبوقة، حيث يهدف استصلاح الأراضي في الجزائر إلى تحقيق موسمين لزراعة الحبوب في سنة واحدة، حيث يستهدف قطاع الفلاحة بلوغ الاكتفاء الذاتي من المواد الاستراتيجية على غرار القمح الصلب واللين.
على مستوى الصناعة، بات بإمكان المنتجات الجزائرية الولوج إلى الأسواق الأوروبية والإفريقية، وزيادة قدرات الصادرات الجزائرية خارج قطاع المحروقات، مع تسجيل زيادة قدرات بلادنا على مستوى الصناعات التحويلية، والصناعات التحويلية الغذائية، وتحقيق مستوى عال جدا من الأمن الغذائي، مع وجود قدرات هائلة لتصدير هذه المنتجات.
وتسعى السلطات إلى أن تتيح للصناعة الجزائرية الإسهام في الناتج الداخلي الإجمالي بأكثر من 10 بالمائة خلال الأربع سنوات المقبلة، حيث أن حجم النمو الناتج الداخلي الإجمالي سيضاهي 400 مليار دولار في آفاق 2027، في ظل وجود إمكانات اقتصاد البلاد، علما أن الجزائر شريك موثوق في مجال تزويد أوروبا بالطاقة، ناهيك عن توجهها إلى الطاقات المتجددة والهدروجين الأخضر باعتباره محفّزا للتوجهات الجديدة في الطاقة النظيفة.
ورغم التحديات، فإنّ الجزائر تُظهر اليوم إرادة قوية واضحة لتنويع اقتصادها، فالغرض من الإصلاحات العميقة، ليس سوى كسب الرهان الكبير المتمثل في ضمان استدامة هذا التحول، عبر دعم الإنتاجية، تعزيز الحوكمة، وتوسيع قاعدة الاقتصاد الوطني بعيدا عن الريع البترولي وهو المخطط الذي تعمل عليه القيادة العليا في البلاد وفق نظرة استشرافية بعيدة المدى.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19791

العدد 19791

الخميس 05 جوان 2025
العدد 19790

العدد 19790

الأربعاء 04 جوان 2025
العدد 19789

العدد 19789

الثلاثاء 03 جوان 2025
العدد 19788

العدد 19788

الإثنين 02 جوان 2025