الخبـير الاقتصادي عبد القادر بريش لـ”الشّعب”:

إحصاء الإنتاج.. خطوة إستراتيجيـة لضبط السـوق والأسعـار

فضيلة بودريش

 أكّد الخبير الاقتصادي عبد القادر بريش، أنّ الاقتصاديات المتقدمة تعتمد على الإحصاء كقاعدة جوهرية لنجاعة الأداء وترقية نموها المستمر، كما وصف توجّه الجزائر الحالي نحو بناء منظومة إحصائية دقيقة بمسعى جوهري في بناء اقتصاد وطني قوي، ذا تنافسية عالية، بإمكانه مواجهة التحديات وتحقيق طموحات التنمية المستدامة، وراهن على قدرة خيار إحصاء الإنتاج الوطني في مراقبة تحولات هيكلية في مجالي الاستهلاك والإنتاج، والمساهمة أكبر في رسم خريطة واضحة للتوجهات الاقتصادية الكبرى، سواء تعلّق الأمر بتحقيق الاكتفاء الذاتي في بعض المنتجات الإستراتيجية، أو بناء قطاعات تصديرية واعدة تندرج ضمن التحول نحو اقتصاد متنوع خارج قطاع المحروقات.

اعتبر الخبير الاقتصادي، عبد القادر بريش، استماع الحكومة مؤخّرا، إلى عرض حول النتائج الأولية لإحصاء الإنتاج الوطني، خطوة مهمة مسار إرساء منظومة اقتصادية ترتكز في الأساس على معطيات دقيقة موثوقة، قادرة على توجيه السياسات العمومية بفعالية كبيرة من أجل تحقيق أهداف الأمن الاقتصادي، وترقية الإنتاج الوطني، وإلى جانب ضبط سوق الاستيراد والتصدير ضمن رؤية إستراتيجية شاملة. وأعطى الخبير عرضا تفصيليا معمّقا على هذا الرهان القائم على تعميم الرقمنة وتطوير المنظومة الإحصائية الوطنية بقاعدة بيانات سليمة ومحينة بشكل مستمر.

امتــلاك قاعـدة إحصائيــة دقيقــة

 وركّز الخبير بريش بإسهاب على أهمية توفير قاعدة إحصائية دقيقة، باعتبارها مفتاحا لإيجاد كل الحلول الضرورية من أجل تسريع وتيرة الإنتاج وتطوير الاقتصاد والتغلّب على العراقيل ومواجهة أي أزمات طارئة، وأوضح في المقام نفسه، أنّ المنظومة الإحصائية الوطنية، صارت في الوقت الراهن ركيزة أساسية لكل تخطيط اقتصادي سليم في عالم يتّسم بالتعقيد وتداخل المعطيات والقرارات، مؤكّدا أنه لا يمكن تصور صناعة سياسة عمومية ناجعة دون توفر بيانات محدثة، دقيقة وشاملة، خاصة في القطاعات الإنتاجية الحيوية، من صناعة، وفلاحة، وتحويل، وخدمات. وقال الخبير بريش إنّ امتلاك قاعدة إحصائية دقيقة حول الإنتاج الوطني، يفتح الباب أمام قراءة حقيقية للواقع الاقتصادي الوطني، ويمكن من الإجابة عن أسئلة جوهرية تتعلّق بحجم الإنتاج الوطني وطبيعة كل ما ينتج، إلى جانب تحديد القدرات المحلية في تلبية الطلب الداخلي، مع وضع اليد على الفجوات التي تتطلب اللجوء إلى الاستيراد وسدها، وبالإضافة إلى تسهيل معرفة الفائض في الإنتاج الذي يمكن تصديره للأسواق الخارجية.
وحدّد الخبير الاقتصادي المجالات التي تحتاج للإحصاء الحقيقي والشفاف، مشيرا إلى أنّ أهمية إحصاء الإنتاج الوطني، تكمن في أنه ليس مجرّد رقم أو مؤشّر تقني، بل هو أداة إستراتيجية تتيح اتخاذ قرارات مستنيرة في عديد المجالات، على غرار، ضبط السوق الوطنية والتحكّم في الاستيراد، من خلال معرفة دقيقة بالمنتجات المتوفّرة على المستوى المحلي، على خلفية أنه يمكن الحد من الاستيراد العشوائي، وتوجيهه فقط لتغطية الفجوات الحقيقية، وليس على حساب المنتوج الوطني، وكذلك يمكن ضبط رخص الاستيراد بشكل عقلاني يراعي القدرة الإنتاجية الوطنية ويحمي الصناعات الناشئة.

التموقـع الذكـــي بالأســواق المستهدفــة

 أما المجال الثاني، فهو يتعلّق بترقية المنتوج الوطني وتعزيز تنافسيته، لأنّ الإحصاء يبرز نقاط القوة ومجالات التخصّص والتميّز في الإنتاج المحلي، وهذا ما يسمح بتوجيه جهود الدولة نحو دعم هذه المنتجات، سواء من حيث التمويل أو البحث والتطوير أو الترويج وكذا التسويق، ممّا يسمح بخلق قيمة مضافة ويعزّز سيادة القرار الاقتصادي.
ويتعلّق المجال الثالث بفتح آفاق التصدير نحو الأسواق الخارجية، لأنه عندما يتمكّن الإحصاء من كشف وجود فوائض إنتاجية في قطاعات معينة، يصبح بالإمكان تحويل هذه الفوائض إلى فرص تصديرية، شريطة التموقع الذكي في الأسواق المستهدفة، وتكييف المنتجات مع المعايير الدولية، وتوفير بيئة تنظيمية وبنكية وجمركية مشجّعة على التصدير.
ووصف الخبير بريش منظومة الإحصاء الإنتاجي بأداة لا غنى عنها في عملية التخطيط الإستشرافي طويل المدى، بالنظر إلى كونها تسمح بتقدير ديناميكية الطلب الداخلي، ومراقبة تحولات هيكلية في الاستهلاك والإنتاج، كما تُسهم في رسم خريطة واضحة للتوجّهات الاقتصادية الكبرى للدولة، سواء تعلّق الأمر بتحقيق الإكتفاء الذاتي في بعض المنتجات الإستراتيجية، أو ببناء قطاعات تصديرية واعدة تندرج ضمن التحول نحو اقتصاد متنوع وأقل ارتباطاً بالمحروقات.
وسلّط بريش الضوء على الرهان الأكبر، المتمثل في الانتقال إلى منظومة إحصائية دائمة، محينة، متكاملة، ومتاحة لصانعي القرار، للباحثين، وللرأي العام الاقتصادي، ولم يخف أنّ الأمر يتطلب التنسيق بين مختلف الهيئات والمؤسّسات المنتجة للمعطيات وتوسيع نطاق الإحصاء ليشمل القطاع غير المهيكل. إلى جانب قاعدة البيانات الإحصائية الرقمية، وإنشاء منصة وطنية موحّدة للإحصائيات الاقتصادية.
وخلص الخبير إلى القول إنّ عملية إحصاء الإنتاج الوطني ليست مجرّد عملية فنية، بل تمثل فعلا سياديا بامتياز، يعكس الإرادة في الانتقال من اقتصاد يقوم على التقديرات والانطباعات، إلى اقتصاد قائم على العلم والمعرفة والتخطيط المدروس، وبالموازاة مع ذلك، قال إنّ الإحصاء مسعى جوهري في بناء اقتصاد وطني قوي، منيع، تنافسي، قادر على مواجهة التحديات وتحقيق طموحات التنمية المستدامة.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19814

العدد 19814

السبت 05 جويلية 2025
العدد 19813

العدد 19813

الخميس 03 جويلية 2025
العدد 19812

العدد 19812

الأربعاء 02 جويلية 2025
العدد 19811

العدد 19811

الثلاثاء 01 جويلية 2025