يتزامن تنفيذ الاستثمارات الطاقوية لمجمّع “سوناطراك”، العملاق القاري، مع ارتفاع الطلب العالمي على المشتقات البترولية المتعدّدة، وفي هذا الظرف الدقيق الذي يمرّ به الاقتصاد العالمي وما يسجّل من ارتفاع أسعار مشتقات الطاقة، أصبحت الجزائر مرشّحة أن تكون من أكبر المنتجين والتحول من مستورد إلى مصدّر، مستغلة توفّر المادة الأولية للطاقة من أجل التصدير للأسواق الخارجية.
يرتقب أن تسمح هذه المعادلة بتحويل الجزائر إلى مورد مهمّ وآمن في أسواق عديدة، ورسمت “سوناطراك” -في هذا الإطار- خطة طويلة الأمد ورؤية استشرافية محكمة، يتوخى منها أن تسمح بالرفع من إيرادات الصادرات بشكل يعزّز احتياطي الصرف من التآكل.
ووفق هذه المؤشّرات الإيجابية، يؤكّد الخبراء أنّ الجزائر تحوّلت إلى وجهة قوية للاستثمار، ونجحت في تنويع الشركاء في مختلف القطاعات الحيوية المحقّقة للأمن الغذائي والطاقوي على وجه الخصوص، ويعكس مسار “سوناطراك” الراهن، عملا متقدّما وأداء احترافيّا رفع من ثقلها ووسّع من مشاريعها وضاعف من إنجازاتها، بعد أن تمكّنت من استقطاب أكبر الشركات العالمية الباحثة عن مواقع استثمارية مربحة وآمنة.
إنشاء خطوط تصدير جديدة
لم تعد الجزائر تكتفي بتصدير مورد الطاقة خاما، على اعتبار أنّ الصناعة التحويلية في القطاع أصبحت تسمح بتدفق المزيد من الثروات، ومن المرتقب أن تغيّر من الخارطة الطاقوية ومشتقاتها تغييرا جذريّا، من خلال تنويع المنتجات ومضاعفة الكميات، بما يسمح بإنشاء خطوط تصديرية جديدة، تتمثل في إنتاج كل من البنزين باعتباره الوقود الأساسي للسيارات، ويشهد طلبا داخليا متناميا، غير أنّ الإنتاج المحلي سيكون حاضرا بتكلفة منخفضة مقارنة بنفقات الاستيراد، وكذا مادة المازوت من أجل تموين قطاعي النقل والصناعة، إلى جانب إنتاج الكيروسين، والزيوت، لتغطية الطلب لفائدة المحرّكات والآلات، ومادة الإسفلت الضرورية في إنجاز مشاريع البنى التحتية.
وتحمل الصناعة التحويلية من مشتقات الطاقة رهان إقامة صناعة متكاملة لمواد البتروكيميا والبلاستيك والأسمدة، وقائمة طويلة من المنتجات المهمة والمطلوبة بكثرة في الأسواق العالمية.
بخصوص هذا الهدف الجوهري، تعكف “سوناطراك” على التأسيس لصناعة ضخمة، وخوض تجربة أخرى تضعها في الرّيادة من خلال تطوير سلسلة من المشاريع الجديدة وتقاسم استثمارات إستراتجية مع شركاء كبار متنوعين، بهدف تثمين المحروقات وتصنيع المادة الخام بالجزائر، من أجل الاستفادة من أسعارها المرتفعة في الأسواق الخارجية، في إطار مساعي الرفع من القيمة المضافة للاقتصاد الوطني، وتحقيق الرهان الأكبر المتمثل في السيادة الطاقوية.
وبنظرة متفحّصة، يتجلى أنّ “سوناطراك” انطلقت واثقة، بمقومات عالية، في بناء مشاريع الصناعة التحويلية، لأنّ الغلاف المالي الاستثماري المرصود من طرف مجمّع “سوناطراك” لسنوات، يناهز 50 مليار دولار، وهو مهمّ وغير مسبوق، وسيحقّق نهضة تستفيد منها الأجيال المقبلة.
الاستقلالية الطاقوية.. حتمية
وعلى صعيد تخفيض تكلفة الاستيراد، يحتل تحويل المحروقات إلى منتجات ذات قيمة مضافة عالية بدلا من تصديرها كمادة خام من خلال الرفع من قدرات التكرير، أهمية خاصة ويندرج ضمن أولويات هذا القطاع الاستراتيجي المتنامي بموارد وزحم من الخبرات المتراكمة واستحداث المزيد من مناصب الشغل المباشرة وغير المباشرة، وربط هذه الصناعة التحويلية بالنسيج الصناعي الوطني، بما يجسّد أهدافا ذات أبعاد متعدّدة من بينها تحقيق الاستقلالية الطاقوية، لأنها مازالت تشكّل حتمية بالنسبة للجزائر، أكبر مموّن تقليدي إقليمي بالطاقة للقارة الأوروبية في القارة السّمراء، والتموين بأنابيب الغاز خير دليل على ذلك.
وينضمّ تطوير منتجات القطاع النفطي إلى المسار التصاعدي لباقي القطاعات الصناعية والإنتاجية لتحقيق وثبة تنموية مهمة في الجزائر المنتصرة، وفي ظرف تشهد الأسواق العالمية تنافسية حادة مع ارتفاع أسعار المنتجات والمواد الأولية منذ جائحة كورونا، وهذا ما جعل الجزائر تسطّر أهدافها الكبرى، عن طريق تقوية الاستثمارات في بيئة أعمال مميّزة، ومن بينها نذكر إنتاجا محليا خالصا لمادة MTBE “مثيل ثلاثي بوتيل الإيثر”، من خلال إنجاز وحدة متطورة بالمنطقة الصناعية أرزيو، علما أنّ هذه المادة ضرورية من أجل إنتاج مادة البنزين من دون رصاص، من أجل توقيف الاستيراد والشروع في تصدير كميات معتبرة، ويرتقب أن يكون هذا المشروع جاهزا للانطلاق مع نهاية السنة الجارية. ويراهن كثيرا على إستراتيجية تحسين القيمة المضافة للمشتقات الغازية، على اعتبار أنّ هذا المشروع المتين، يصنّف تكامليا ضمن سلاسل الإنتاج والتحويل، ويتوقّع أن يفضي على المدى القصير إلى اندماج صناعي حقيقي في القطاع الطاقوي، وبالموازاة مع ذلك سيسمح لسوناطراك من مضاعفة ضخّ ثروة ثمينة تشكّل رافدا اقتصاديا يعزّز من موارد الجزائر المتعدّدة.