على أعتاب ثورة غير مسبوقة في سوق الطاقة..

الهيدروجين الأخضر..رهان النهضة الإفريقية

الهادي شابتي

في زمن تتسارع فيه التحولات الطاقوية، وتضيق فيه الخيارات أمام الاقتصادات المعتمدة على النفط والغاز، يطل الهيدروجين الأخضر كفرس الرهان لاقتصاد عالمي يبحث عن بدائل نظيفة ومستدامة. الجزائر، بما تملكه من إمكانات طبيعية هائلة وموقع استراتيجي فريد، تقف اليوم على أعتاب ثورة جديدة تجعلها لاعبًا محوريًا في سوق الطاقة العالمية، وبوابة إفريقيا إلى المستقبل الطاقوي الأخضر.
الجزائر ليست بحاجة إلى التنقيب العميق لتثبت قدرتها على إنتاج الهيدروجين الأخضر. أكثر من 3 آلاف ساعة من الإشعاع الشمسي سنويًا، وقدرة ريحية تقدَّر بآلاف الجيغاواط، تجعل البلاد في مصافّ الدول الأكثر تأهلاً لتشييد محطات التحليل الكهربائي بكفاءة عالية، وهي الثروات الطبيعية التي تُترجم إلى مشروع وطني طموح لإنتاج 15 ألف ميغاواط من الطاقات المتجددة بحلول 2035، ما يشكل قاعدة صلبة لتصنيع وقود المستقبل.

رافعة لتنويع الاقتصاد

الهيدروجين الأخضر ليس مجرد مشروع بيئي، بل هو خيار استراتيجي يتيح للجزائر فك الارتباط التدريجي عن النفط والغاز، ففي ظل توقعات بارتفاع الاستهلاك الداخلي من الغاز إلى 67 مليار متر مكعب بحلول 2028، يصبح تصدير الهيدروجين فرصة لتعويض تراجع الفائض الموجه إلى الأسواق الأوروبية..الطموح المعلن يقضي بتزويد أوروبا بما يصل إلى 10 بالمائة من حاجتها من هذا الوقود، أي نحو 30 إلى 40 تيراواط/ساعة سنويًا، ما قد يدر عوائد تناهز 10 ملايير دولار سنويًا.
الأرقام لا تعني مجرد عائدات مالية إضافية، وإنما تؤشر إلى ولادة قطاع صناعي جديد قادر على خلق مناصب شغل، استقطاب استثمارات أجنبية، وتحويل الجزائر من مصدر تقليدي للغاز إلى شريك أساسي في منظومة الطاقة العالمية النظيفة.

مركز إقليمي للطاقة النظيفة

وتمنح الجغرافيا الجزائر ميزة لا تضاهى، أقل من 300 كيلومتر تفصلها عن أوروبا، وشبكات أنابيب الغاز القائمة يمكن تكييفها لنقل الهيدروجين أو مشتقاته، مثل الأمونيا، نحو إيطاليا وألمانيا والنمسا. مشروع «الممر الجنوبي للهيدروجين» يُرتقب أن ينقل ملايين الأطنان سنويًا، ليضع الجزائر في موقع القلب من شبكة طاقوية تربط إفريقيا بأوروبا. هذا الدور يتجاوز البعد التجاري ليجعل الجزائر محورًا إقليميًا للتكامل الطاقوي، وجسرًا لنقل المشاريع الإفريقية الطموحة نحو الأسواق العالمية.

تحديــــات وفـرص

لا يخلو الطريق إلى الطاقة النظيفة من التحديات..التكلفة ما تزال مرتفعة مقارنة بالوقود التقليدي، وإنتاج كيلوغرام واحد من الهيدروجين يتطلب تسعة لترات من الماء النقي، ما يفرض الاستثمار في تحلية مياه البحر وإعادة التدوير، كما أن البنية التحتية للنقل والتخزين بحاجة إلى تطوير، إلى جانب تكوين يد عاملة متخصصة قادرة على إدارة هذه التكنولوجيا المعقدة، لكن هذه التحديات ليست عائقًا، بل هي فرص لاستحداث صناعات جديدة، وجلب تمويلات دولية، وتعزيز القدرات التكنولوجية المحلية.

نهضة إفريقية مشتركة

ما يعزز أهمية الرهان الجزائري أن الهيدروجين الأخضر لا يخصها وحدها، فبفضل موقعها وخبرتها، يمكنها أن تصبح منصة عبور للطاقات النظيفة القادمة من نيجيريا ودول الساحل وغرب إفريقيا، ما يجعلها ركيزة لنهضة اقتصادية قارية..إفريقيا التي طالما ارتبطت بالثروات الطبيعية غير المستغلة، قد تجد في الهيدروجين الأخضر قاطرة جديدة للنمو، والجزائر مرشحة لتكون محركها الأول.
الهيدروجين الأخضر بالنسبة للجزائر ليس مشروعًا تقنيًا يُضاف إلى رف الدراسات، بل هو مشروع وطني للقرن الحادي والعشرين. مشروع يحرر الاقتصاد من تبعية النفط والغاز، يفتح أسواقًا جديدة، ويمنح البلاد مكانة لا تقل أهمية عن دورها التقليدي في سوق الغاز. وإذا ما سارت الجزائر بخطى حازمة من التخطيط إلى التنفيذ، فإنها لن تعزز استقلالها الطاقوي فحسب، بل ستكتب فصلًا جديدًا في قصة النهضة الاقتصادية الإفريقية.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19865

العدد 19865

الثلاثاء 02 سبتمبر 2025
العدد 19864

العدد 19864

الإثنين 01 سبتمبر 2025
العدد 19863

العدد 19863

الأحد 31 أوث 2025
العدد 19862

العدد 19862

السبت 30 أوث 2025