الرؤية الاستراتيجية للرئيس تجعل الجزائر رائدا إقليميا ودوليا للطاقة النظيفة
طموح لتوليد وتصدير ما بين 30 و40 تيراواط/ساعة بحلول 2040
نحو تغطية 10 بالمائة مـــن الطلب الأوروبي بمداخيـل تفوق 10 مليار دولار
في ظل التحولات الطاقوية العالمية المتسارعة، يبرز الهيدروجين الأخضر كأحد أهم البدائل النظيفة لضمان أمن الطاقة وتقليص الانبعاثات الكربونية، حيث تتجه الأنظار إلى الدول التي تملك مقومات طبيعية وتقنية لتطوير هذا المورد الحيوي، تبرز الجزائر بما تملكه من إمكانات شمسية وريحية هائلة، وشبكة طاقوية متطورة، وخبرة طويلة في مجال الغاز والبتروكيماويات، لتكون فاعلا رئيسيا في هذه السوق العالمية الناشئة، خصوصا مع تبني خارطة طريق وطنية لتطوير الهيدروجين الأخضر، وفق رؤية استراتيجية للدولة تهدف إلى جعل الجزائر رائدا إقليميا ودوليا في مجال إنتاج وتسويق الهيدروجين النظيف.
تسعى الجزائر إلى ترسيخ موقعها كمركز إقليمي، وفاعل محوري، في إنتاج وتصدير الطاقة المستقبلية النظيفة، وهو ما حرص عليه رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، بجعل الجزائر مؤهلة لتكون ضمن الدول الرائدة في سوق «الطاقة الخضراء»، وذلك «بالتوجه - وفق برنامج مدروس – نحو إنتاج الهيدروجين الأخضر والطاقة الشمسية»، ولقد أمر بـ»إعداد إستراتجية شاملة تواكب التطورات العلمية والتقنية التي يشهدها العالم في المجال، بالتعاون مع الدول ذات خبرة في هذا الحقل الحيوي».
وبفضل موارد الجزائر الهائلة من الطاقات المتجددة، خاصة الطاقة الشمسية، إلى جانب شبكة أنابيب الغاز الممتدة عبر البحر الأبيض المتوسط نحو أوروبا، تبرز اليوم في موقع متميز يتيح لها الانتقال بسلاسة نحو اقتصاد أخضر، وتكريس دورها كممون استراتيجي للطاقة الخضراء في أوروبا.
في قلب التحول الطاقوي العالمي
في الموضوع، أكدت الخبيرة في الطاقات المتجددة كريمة قادة لـ»الشعب»، أن الهيدروجين الأخضر يمثل حجر الزاوية في مسار التحول الطاقوي العالمي، باعتباره موردا متجددا ونظيفا، وقادرا على المساهمة في إزالة الكربون من قطاعات يصعب كهربتها على غرار النقل، الصناعة والقطاع السكني الذي يتسبب وحده في أكثر من 55 بالمائة من الانبعاثات.
وأوضحت محدثتنا أن الجزائر مطالبة أكثر من أي وقت مضى بتسريع انتقالها الطاقوي من خلال استغلال إمكاناتها الطبيعية الكبيرة في الطاقات المتجددة، والاستفادة من الفرص المتاحة إقليميا ودوليا في هذا المجال، حتى تضمن تموقعها كفاعل رئيسي في السوق الطاقوية الجديدة ذات الإمكانات الضخمة.
الهيدروجين..البديل الأمثل..
وقالت المختصة في الاقتصاد الأخضر، إن الطابع المتقطع للطاقات المتجددة يجعل من الهيدروجين الأخضر الحل الأمثل، لأنه يخزن بسهولة ويمكن ربطه بمصادر الطاقة الشمسية والريحية، وهو ما يفسر تبنيه كخيار استراتيجي داخل الاتحاد الأوروبي، خاصة في ألمانيا وإسبانيا والبرتغال التي شرعت في إنشاء محطات للتوزيع وتطوير مشاريع خلايا الوقود.
وشددت محدثتنا على أن السياسة الطاقوية الأوروبية التي تهدف إلى تحقيق الحياد الكربوني، تفرض تدريجيا استبدال الطاقات الأحفورية بالطاقات المتجددة والهيدروجين الأخضر، وهو ما يشكل فرصة حقيقية للجزائر من أجل تثمين قدراتها.
خارطة طريق للهيدروجين الأخضر
في هذا الإطار، أكدت تواتي أنه «لضمان مكانة مميزة في النظام الطاقوي العالمي الجديد، فإن الجزائر مدعوة اليوم أكثر من أي وقت مضى لتعزيز موقعها كمزود طاقوي استراتيجي لا يمكن الاستغناء عنه، خصوصا في السوق الأوروبية بفضل ما تملكه من قدرات وإمكانات قوية وحضورها البارز في سوق الغاز الطبيعي».
وفي السياق ذاته، أبرزت المختصة في الانتقال الطاقوي، أن الجزائر صادقت في ديسمبر 2022 على خارطة طريق وطنية للهيدروجين الأخضر، يتم تحيينها بانتظام وفق تطور الأسواق والتكنولوجيات. واعتبرت أن هذه الاستراتيجية تعكس إرادة الدولة في تسريع الانتقال الطاقوي وضمان مكانة ريادية للجزائر في النظام الطاقوي العالمي.
محاور أساسية
وأوضحت تواتي أن خارطة الطريق الجزائرية تعتمد على عدة محاور أساسية، أبرزها، وضع إطار تنظيمي ومؤسساتي ملائم، تطوير رأس المال البشري، إدماج النسيج الصناعي الوطني، إنشاء آليات تمويل وتدابير تحفيزية، تعزيز التعاون الدولي لنقل التكنولوجيا، ونشر شعبة الهيدروجين عبر مختلف القطاعات، وأبرزت أن الجزائر تحوز على إمكانات تطوير صناعة الهيدروجين، من خلال امتلاك حقول شمسية هي بين أضخم الحقول في العالم، مع مساحات شاسعة يمكن أن تحتضن منشآت شمسية ضخمة تضمن إنتاج الهيدروجين الأخضر بكلفة تنافسية، فضلا عن وجود شبكة كهربائية واسعة وقوية، إضافة إلى خبرة طويلة في صناعة الغاز الطبيعي خاصة في التسييل والنقل، إلى جانب خبرة كبيرة في الصناعات البتروكيماوية خاصة في صناعة الأمونياك، واحتياطي غازي هائل يمكن من التحكم في تكاليف إنتاج الهيدروجين الأزرق الذي سيساهم - في مرحلة أولى - في تعزيز القدرات.
أما عن المحاور الرئيسية لخارطة الطريق، فإن الخبيرة تواتي ترى ضرورة وضع إطار تنظيمي، معياري ومؤسساتي مناسب ينظم الأنشطة المتعلقة بالإنتاج، التخزين، النقل واستعمال الهيدروجين، إلى جانب تطوير رأس المال البشري، وركزت على ضرورة «وضع آليات لضمان الاندماج الصناعي، مع إنشاء آليات تمويل وتدابير تحفيزية مناسبة، إلى جانب تطوير التعاون الدولي في مجال نقل التكنولوجيا والمساعدة التقنية، ناهيك عن نشر وتوسيع شعبة الهيدروجين.»
رؤية 2040..الريادة
وسجّلت تواتي أن «الرؤية الاستراتيجية للجزائر للفترة الممتدة بين 2023-2040 تهدف إلى جعل الجزائر رائدا إقليميا ودوليا في مجال إنتاج وتسويق الهيدروجين النظيف، مع طموح لتوليد وتصدير ما بين 30 و40 تيراواط/ساعة بحلول 2040، بما يغطي 10 بالمائة من الطلب الأوروبي، وبمداخيل يمكن أن تبلغ 10 مليار دولار، بفضل كلفة إنتاج تنافسية تقدر بحوالي 2 دولار/كغ مقارنة بالهيدروجين الأحفوري.»
وختمت الخبيرة تصريحاتها بالتأكيد على أن الاستراتيجية الوطنية ستنفذ على ثلاث مراحل، أولا من 2023 إلى 2030: وهي مرحلة تجريبية لإطلاق المشاريع والتعلم، من 2030 إلى 2040 وهي مرحلة التوسع الكبير وإنشاء السوق، أما مرحلة الممتدة من 2040 إلى 2050، فهي مرحلة التصنيع والتصدير، بما يجعل الجزائر فاعلا رئيسيا في السوق العالمية للهيدروجين الأخضر.