خـبراء يقرأون لـ”الشعـب” آفاق ومستقبل القطاع وفق التعديـل:

الطاقة.. صلاحيات مضبوطة وأهداف مشتركة

فايزة بلعريبي

مندوش: وضع إطــار هيكلـي لاستثمـار الطاقات المتجـدّدة

بوطمـين: قــرار سديـد يستجيب للمتغيرات الجيو- طاقويـــة

شقنــان: هندسـة خارطــة طاقوية آمنة ونظيفة متكيّفة مع المستجدات

 حمل التغيير الحكومي الذي أقرّه رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، الأحد، تغييرا في هيكلة قطاع الطاقة الذي تمّ تقسيمه إلى وزارتين، المحروقات والمناجم ووزارة الطاقة والطاقات المتجدّدة، في تأكيد ـ وفق ما أكّد خبراء لـ “الشّعب” على تسخير الدولة الجزائرية لكافة الإمكانات اللوجيستية والتمويلية والتشريعية، من خلال قانوني المحرقات سنة 2019 والمناجم سنة 2025، والهيكلية باستحداث وزارتين.

 في قراءة لهذه الهيكلة الجديدة لقطاع المحروقات، الطاقة والمناجم والطاقات المتجدّدة، وبعد الفصل بين صلاحيات ومهام وزارتي المحروقات والمناجم، والطاقة والطاقات المتجدّدة،  يرى الخبير الدولي في الطاقة بغداد مندوش أنّ هذه الهيكلة الجديدة لقطاع الطاقة، تعكس الرؤية الإستشرافية لرئيس الجمهورية فيما يخص هذا القطاع الحيوي، ذي الأهمية الاستراتيجية بالنسبة للسوق المحلية، من خلال تلبية حاجياتها من الكهرباء والغاز عبر الشركة الوطنية للكهرباء والغاز “سونلغاز”، التي تعمل جاهدة على تغطية الاستهلاك الداخلي المتنامي سنويا، من جهة، ومن جهة أخرى ولوج أسواق خارجية، بدءا بدول الجوار أين تصدّر الجزائر اليوم، حجما معتبرا من الكهرباء إلى كل من تونس وليبيا وإلى أوربا، عبر الخط البحري الذي يصل الجزائر بتونس ومنها إلى إيطاليا، بطول 3400 كلم، مكتمل الدراسة وقيد الإنجاز، الذي سيجعل من الجزائر المموّن الأول لأوربا، من حيث احتياجاتها للكهرباء والغاز، ويعزّز من شراكات الجزائر في مجالات الطاقات المتجدّدة.

خارطـــة طاقويـــة متجــدّدة

 أوضح بغداد مندوش أنّ برنامج الحكومة للطاقات المتجدّدة آفاق 2035، يعتمد على الطاقة المنتجة من الطاقة الشمسية وطاقة المياه وطاقة الرياح، حيث ستمثل الطاقات المتجدّدة 27% من النسيج الطاقوي بالجزائري، ممّا يتطلّب حسبه، إعادة النظر في هيكلة الهيئة الوصية والمسؤولة مباشرة على تجسيد هذه الرؤية، خاصة في ظل طموحات الجزائر، التي باتت تسمى “ببطارية أوربا”، بتصدير الطاقة المنتجة من الطاقة الشمسية إلى أوربا. كما سطّرت الجزائر هدف إنتاج 15 ألف ميغاواط وإنجاز 5 محطّات لإنتاج الكهرباء انطلاقا من الطاقة الشمسية، الذي يندرج ضمن استراتيجية الانتقال الطاقوي للبلاد، وكذا توصيات ندوات الأمم المتحدة المتعلقة بالبيئة لتقليص البصمة الكربونية، والحفاظ على البيئة. ومن أجل تجسيد هذا المسعى، تعاقدت الجزائر مع شركة صينية رائدة لصناعة الألواح الشمسية “أوندي”، لإنجاز أكبر مصنع بإفريقيا لصناعة الألواح الشمسية.
في السياق، ذكر بغداد مندوش أنّ الجزائر عرفت خلال السنوات الخمس الأخيرة، تطورا كبيرا عبر شركتها الكبرى للمحروقات في مجال استكشاف واستخراج واستغلال البترول والغاز، على مستوى آبارها البترولية، بالجنوب الجزائري، حيث تمّ خلال هذه الفترة إبرام اتفاقيات شراكة مع كبرى الشركات العالمية في مجال المحروقات، على رأسها “إيني” الإيطالية، الشريك التقليدي للجزائر، شركتي “سينوباك” و«سي ان بي سي” الصينيّتين، و«شيفرون” و«ايكسو موبايل” الأمريكيّتين.
كما أشار المتحدث إلى أنّ هذه الشراكات قد تمت في إطار قانون المحروقات الجديد، الذي صدر سنة 2019، والذي جاء بتحفيزات كبيرة وإعفاءات ضريبية ونوعية العقود، حيث أقرّ هذا الأخير عقود “تقسيم الإنتاج” وهو النوع المستعمل في أكثر من 90% من دول العالم المنتجة للمحروقات، ما سيعزّز الإنتاج المحلي من المحروقات، ويوطّد مكانتها كمورد موثوق لشركائها وزبائنها من القارّتين الأوربية والأسيوية، بدءا بإيطاليا التي تستورد 27 مليار متر مكعب عبر أنبوب “أنريكو ماتيي”، تليها إسبانيا ثمّ تركيا.
من جهة أخرى، أشار المتحدث إلى مشاريع كبرى ستحول الجنوب الكبير إلى حقل طاقوي عالمي بامتياز، من خلال تقوية حقل حاسي رمل الذي يشكّل 50% من الإنتاج الوطني، عبر تقنية “البوست إين” وهي آخر تقنيات الإنتاج النفطي المتطورة.
وخلص الخبير الدولي إلى أنّ الفصل بين صلاحيات ومهام الوزارتين، يندرج في سياق جيو- طاقوي يفرض مواكبة التحول الطاقوي، من جهة والحفاظ على المكانة الرّيادية التي تمكّنت الجزائر من تبوئها كأول مورد للغاز الطبيعي بإفريقيا إلى أوروبا، متفوّقة على نيجيريا وعاشر منتج للغاز عالميا.

رهانــات عالميـــة للجزائـر

 من جانبه، أكّد الخبير الدولي في الطاقة، الدكتور شعيب بوطمين، أنّ قيام رئيس الجمهورية بفصل صلاحيات وزارتي المحروقات والمناجم والطاقة والطاقات المتجدّدة، قرار سديد يستجيب للمتغيرات الجيو- طاقوية، والتوجّه العالمي الجديد، مشيرا إلى المشروع الضخم الذي باشرته الجزائر، الذي يقتضي إنتاج 15 ميغاواط/2035 وتصدير الهيدروجين إلى القارّة الأوروبية، ما يستلزم مشاريع إضافية لتجسيد التزامها هذا.
واعتبر بوطمين الهيدروجين الأخضر هيكلا عالميا جديدا لإنتاج الكهرباء، انطلاقا من طاقات الرياح والمياه والشمسية، يستوجب وضع أطر وهياكل جديدة بصلاحيات أوسع لتسيير هذه المشاريع ذات البعد الاستراتيجي. وتطرّق بوطمين إلى تحديات الاستثمارات الطاقوية، التي تفرض تحكّما قويا في التكنولوجيات الحديثة، مستشهدا بالمفاوضات الجدّ متقدمة بين الجزائر وشركات أمريكية لتعزيز انتاج الطاقات الأحفورية، وفقا لتقنيات تكنولوجية عالية، ما يستلزم وضع هيئات بصلاحيات واسعة للتحرّر من مركزية القرار، واختصار الآجال المستغرقة لتجسيد مشاريع استكشاف وإنتاج واستغلال النفط والغاز، بالطريقتين التقليدية وغير التقليدية.
في السياق، شدّد بوطمين على ضرورة تكثيف الشراكات الدولية، في مجال إنتاج الطاقات المتجدّدة لتنويع المزيج الطاقوي، من أجل التقليل من استنزاف الطاقات الأحفورية المهدّدة، في ظل الثورة الصناعية التي تستهدف حجما أكبر من الطاقة.

طاقــات متجــدّدة وأحفوريـــة

 أما الخبير في الطاقات المتجدّدة والانتقال الطاقوي، البروفيسور علي شقنان، فقد اعتبر إنشاء وزارة الطاقة والطاقات المتجدّدة وكذا وزارة المحروقات والمناجم، بمثابة دليل قاطع على أنّ الجزائر قد خطت خطوة لا تراجع عنها، في مسار تحقيق الانتقال الطاقوي التدريجي، من خلال برامج طموحة قيد التجسيد.
 فالجزائر اليوم - يقول شقنان - عازمة على تحقيق الانتقال الطاقوي بنجاح، مع الحفاظ على مواردها الطبيعية التقليدية للأجيال القادمة، وبالتالي ضمان استقلالها في مجال الطاقة على الأمد الطويل. وأوضح المتحدث أنه ومنذ سنة 2021، مباشرة بعد التعافي الاقتصادي العالمي من جائحة كوفيد، سجّل الطلب على المحروقات، ارتفاعا غير مسبوق، في ظل محدودية العرض.
ورغم أنّ استهلاك الطاقة العالمي لا يزال يعتمد بشكل كبير على المحروقات أو الطاقات الأحفورية التقليدية، إلا أنه من الضروري ـ بحسبه ـ الأخذ بعين الاعتبار المشهد التكنولوجي الحالي، الذي يفرض هندسة جديدة للخارطة الطاقوية ما بعد المحروقات.
وأشار المتحدث إلى التحديات الرئيسية التي تمّ تحديدها لفترة ما بعد المحروقات، ملخّصة في القدرة على انتاج الطاقة انطلاقا من الطاقة الشمسية، حيث قدّر الخبراء، استنادا إلى الاستهلاك الحالي فإنّ احتياطات احتياطي الطاقات الأحفورية يكفي لأكثر من 40 سنة من استهلاك النفط، وأكثر من 60 سنة من استهلاك الغاز، مؤكّدا أنّ التوقّعات متوسّطة الأجل بشأن مستقبل المحروقات تعتمد على الاستراتيجية الطاقوية الحكومية، أكثر من اعتمادها على الاحتياطات العالمية لهذه الموارد الأحفورية.  
ويحظى الغاز الطبيعي بإشادة عالمية ضمن المعادلة الطاقوية العالمية، باعتباره موردا أساسيا في عملية الانتقال الطاقوي، حيث سيمثل 26% من إجمالي الطلب على الطاقة بحلول 2050، نظرا لمزاياه المتعدّدة، كأحد الأدوات البيئية لخفض الانبعاثات الكربونية، وبالتالي حلقة آمنة للانتقال الطاقوي.

استثمارات في البنــى التحتيــة

 في هذا السياق، أشار شقنان إلى أنّ الجزائر قد تبنّت برامج طموحة في مجال الكفاءة، من أجل انتقال طاقوي سلس بالمحافظة على الموارد الأحفورية وتطوير الطاقات المتجدّدة بالجزائر، بتعزيز إنتاج الهيدروجين الأخضر انطلاقا من الطاقة الشمسية والهيدروجين الأزرق انطلاقا من الغاز الطبيعي، لتلعب اليوم دورا رياديا على المستوى الإقليمي.
أضاف شقنان، أنّ الجزائر تسعى من خلال برامجها الطموحة في تطوير الطاقات المتجدّدة، إلى تسريع عملية الانتقال الطاقوي وتنفيذها بنجاح، بما في ذلك استخدام تقنية جديدة مرتبطة بالوقود الأحفوري منخفض الكربون، وتشجيع الاستثمار في البنية التحتية للطاقة. فهي تساهم عبر الشراكات مع الدول الرائدة في هذا المجال، من خلال شركتيها “سوناطراك” و«سونلغاز”، كفاعلين ومحرّكين أساسيّين لهذا التحول، إلى لعب دور محوري في صناعة الغاز الطبيعي والبتروكيماويات. حيث يتوقّع الخبير حسب الإحصائيات التي استند إليها، أن يصل إنتاج الجزائر من الهيدروجين الأخضر إلى 40 كيلوواط سنة 2040.

تجسيد الالتزامات البيئية

 تعكس خارطة الطريق التي تبنتها الجزائر لإنتاج الهيدروجين الأخضر أو كذلك الهيدروجين الأزرق، يتابع ذات المتحدث، إرادتها القوية لتسريع تحولها الطاقوي وتعزيز أمنها الطاقوي، ممّا سيمكّن الجزائر لا محالة من المشاركة في الجهود العالمية لمكافحة التغيرات المناخية، من خلال تبنيها لخيار الطاقات المتجدّدة كرافعة للنمو الاقتصادي. فتطوير الهيدروجين الأخضر لن يساهم فقط في الوفاء بالتزامات الجزائر المناخية من خلال تقليل البصمة الكربونية، يقول ذات المتحدث، بل سيمكّن أيضا من تجسيد الاستثمارات الخضراء.
وفي خضم حديثه عن الطاقات المتجدّدة، تطرّق الخبير إلى انضمام الجزائر خلال القمة الإفريقية للهيدروجين الأخضر المنعقدة بناميبيا، إلى منظمة الإتحاد الإفريقي للهيدروجين الأخضر، التي أنشئت سنة 2022، بجنوب إفريقيا، والتي تتولى رئاستها لحد الآن عبر وزيرها للكهرباء. ويتوقّع الخبير الاقتصادي أن تتعزّز قدرات الجزائر الاستثمارية، من خلال انضمامها لهذا التكتل الطاقوي، كإطار قوي للشراكات البينية الإفريقية في مجال الطاقات المتجدّدة، الذي رصدت له الجزائر من الإمكانيات اللوجيستية والتمويلية والتشريعية والهيكلية، آخرها التعديل الحكومي، أول أمس، الذي أقرّ الفصل في مهام وصلاحيات تسيير الطاقتين الأحفورية والمتجدّدة من خلال وزارتين، إحداها للمحروقات والمناجم والأخرى للطاقة والطاقات المتجدّدة.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19876

العدد 19876

الأحد 14 سبتمبر 2025
العدد 19875

العدد 19875

الأحد 14 سبتمبر 2025
العدد 19874

العدد 19874

السبت 13 سبتمبر 2025
العدد 19872

العدد 19872

الأربعاء 10 سبتمبر 2025