انتقال بنية التجارة الخارجية نحو سلع صناعية وخدمات لوجستية

ميناء الجزائر..سياسات التنويع تؤتـي ثمارهـا

علي مجالدي

 ارتفـاع حركة البضائـع المُفرَّغـة وتوسّـع  قاعدة المصدّرين خــارج المحروقـات

 سجّلت الصادرات انطلاقًا من ميناء الجزائر، ارتفاعًا يفوق 42% خلال الثلاثي الثاني من 2025 مقارنة بالفترة نفسها من 2024، في مؤشّر عملي على انتقال بنية التجارة الخارجية نحو سلع صناعية وخدمات لوجستية أكثر نجاعة، وتعكس هذه النتيجة، بحسب المؤسسة المينائية للجزائر، “تسريع وتيرة عمليات الشّحن والتفريغ من طرف فرقنا، وكذا حسن تسيير مواردنا البشرية والمادية، لا سيما منذ إطلاق العمل بنظام المناوبة المستمرة (24 ساعة/24 و7 أيام/7) في فيفري 2025، تنفيذا لتعليمات رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون.

 لا يمكن قراءة الأداء كظرف عابر، بل كترجمة متراكمة لسياسات تبنّتها الدولة خلال الأعوام الأخيرة لتوسيع قاعدة التصدير خارج المحروقات، مع هدف واضح هو بلوغ سقف 30 مليار دولار من الصادرات غير النفطية بحلول 2030.
تؤكّد المؤسّسة المينائية أنّ حجم البضائع المصدَّرة ارتفع من 307،823 طنًا بين مارس ويونيو 2024، إلى 438،668 طنًا في الفترة نفسها من 2025 بنسبة 42.51%، فيما سجّلت البضائع المشحونة في الحاويات بغرض التصدير نموًا بـ31.69% خلال الربع نفسه.
 بالموازاة، ارتفعت حركة البضائع المُفرَّغة بنسبة 15.99% من 1.703 مليون طنّ إلى 1.976 مليون طنّ، ليبلغ الحجم الإجمالي للبضائع المعالَجة على رصيف الميناء 2.414 مليون طنّ مقابل 2.011 مليون طنّ قبل عام، أي بزيادة قدرها 20%. وتعود قفزة التفريغ جزئيًا إلى استيراد أعداد كبيرة من الأغنام الموجّهة للذبح خلال عيد الأضحى، غير أنّ الاتجاه العام يبقى معزّزًا لتزايد الصادرات الصناعية وحدها.

دينامية مينائية تؤشــّر لتحــوّل هيكلـــي

 في نفس السياق، تعكس هذه المؤشّرات ثلاث تحولات متزامنة. أولًا، توسّع قاعدة المصدّرين خارج المحروقات في قطاعات المواد نصف المصنّعة ومواد البناء والصّناعات الغذائية والتجهيزات، ما يرفع الطلب على خدمات الحاويات ويقلّص كلفة الوحدة عبر استغلال أفضل للطاقة التشغيلية. ثانيًا، تحسّن نسق العمليات داخل الميناء من حيث زمن العبور وسلاسة مناولة البضائع، وهو ما يعزّز تنافسية السعر النهائي عند التصدير. ثالثًا، تنامي دفتر الطلبيات الخارجية نتيجة اتفاقات تجارية جديدة خرجت من تظاهرات اقتصادية قارّية احتضنتها الجزائر مؤخّرًا، بما فيها صفقات نهائية ونوايا مبرمة تنتظر الاستكمال.
اقتصاديًا، يمنح هذا الأداء المينائي إشارات واضحة بأنّ هدف 2030 قابل للتحقّق بفرضية استمرار ثلاثة مسارات، أهمها تثبيت مكاسب الكفاءة اللوجستية، وتوسيع تمويل وتأمين الصادرات للمؤسّسات الصغيرة والمتوسّطة، وتكثيف الترويج المنظم للولوج إلى أسواق إفريقية ومتوسطية قريبة. وتستند الجزائر هنا إلى ميزات نسبية ملموسة تتمثل في، طاقة محلية تنافسية، محور جغرافي يختصر المسافات نحو الضفة الشمالية والعمق الإفريقي ومنظومة موانئ وشبكات برية وسككية قيد التحديث، بالإضافة إلى قاعدة صناعية تتقدّم في حلقات التحويل وليس فقط في تصدير المواد الأولية.
تتوقّع دوائر الأعمال أن تتسارع وتيرة الشّحنات، مع بدء تنفيذ العقود التي حصلت عليها الشركات الجزائرية في معرض التجارة البينية الإفريقية بالجزائر، حيث أعلنت المنصات المنظمة عن صفقات إجمالية تجاوزت 48 مليار دولار، منها حصة معتبرة موجّهة لمشاريع وشركات جزائرية، فضلًا عن نوايا واتفاقات تفاوضية بقيمة مماثلة يرجَّح تحويلها إلى عقود نهائية خلال الأشهر المقبلة. ويعني ذلك فتح أسواق جديدة أمام المنتجات الجزائرية في مجالات مواد البناء، الصناعات الغذائية، التجهيزات والخدمات التقنية، وهو ما ينعكس على وتيرة الحجز المينائي وامتلاء الحاويات المتجهة نحو موانئ إفريقية ومتوسطية.
علاوة على ذلك، وعلى المدى المتوسّط، يتوقّع أن تضاعف المشاريع المنجمية والتحويلية تأثيرها على الميزان التصديري.
فمشروع غار جبيلات للحديد يسير وفق خارطة طريق تصاعدية، تنتهي بطاقة كبيرة لمعالجات محلية تمكّن من تعويض الواردات وخلق فائض للتصدير، عندما تستقر سلاسل التحويل والصلب. وبالمثل، يتقدّم مشروع الزنك في تالة حمزة بعقود EPC موقّعة ودخول إنتاج صناعي متوقّع ابتداءً من 2026، بطاقة من مركّزات الزنك والرّصاص توجَّه إلى السوق الدولية. وفي الفوسفات، انطلقت مرحلة التصميمات الأمامية لمجمّع متكامل للأسمدة بقيادة متعاقد دولي لصالح الطرف الجزائري، ما يزيد من قيمة الصادرات عبر مشتقات ذات مردودية أعلى.
استراتيجيًا، تراهن الجزائر على سلسلة بطاريات فوسفات الحديد-ليثيوم، عبر شراكات تقنية وصناعية لبناء حلقة إنتاج محلية تستفيد من المواد الأولية والطاقة الرخيصة والبنية اللوجستية، في ظل زيادة عالمية في الطلب على مكوّنات الانتقال الطاقوي.
تُبرز هذه الصورة الشاملة أنّ نمو الصادرات عبر ميناء الجزائر، بات مرآة لتحوّل هيكلي لا لدفعة ظرفية. فارتفاع 42.51% في الصادرات خلال ربع واحد، مع نمو 31.69% في البضائع المصدَّرة بالحاويات، و20% في إجمالي البضائع المعالَجة، يرسّخ اتجاهًا صاعدًا للصادرات خارج المحروقات، ويؤكّد أنّ السياسة المعتمدة بدأت تعطي أثراً تراكمياً. والمطلوب اليوم هو تعميق إصلاحات الموانئ لتقليل زمن الانتظار، وتوسيع أدوات تمويل وتأمين التصدير، وربط المشاريع المنجمية والتحويلية سريعًا بسلاسل القيمة العالمية. مع أسواق قريبة في إفريقيا وأوروبا وطلب متزايد على المواد المرتبطة بالصناعات الكهربائية، وتبدو نافذة الوصول إلى 30 مليار دولار بحلول 2030 مفتوحة لمن يواصل الاستثمار في السرعة، والجودة، والتنفيذ.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19876

العدد 19876

الأحد 14 سبتمبر 2025
العدد 19875

العدد 19875

الأحد 14 سبتمبر 2025
العدد 19874

العدد 19874

السبت 13 سبتمبر 2025
العدد 19872

العدد 19872

الأربعاء 10 سبتمبر 2025