الباحث المتخصّص في قانون الأعمال.. أحمد عبد الرحمان بن سالم لـ«الشّعب»:

تجريمُ العُمـلات الافتراضيـة.. تعزيز للسّيادة الماليّة الوطنيّة

سفيان حشيفة

حماية الاقتصاد الوطني مــن التدفّقـات مجهولــة المصدر والحركات المشبوهة

 يؤكّد الباحث المتخصّص في قانون الأعمال، بجامعة زيان عاشور في ولاية الجلفة، الدكتور بن سالم أحمد عبد الرحمان، أنّ حظر الأصول والعملات الافتراضية في الجزائر، يُشكّل خطوة قانونية حاسمة نحو تقويض أي نشاط رقمي غير مشروع، وتعزيز منظومة الرّقابة المالية، وحماية السيادة الاقتصادية للدولة من التدفقات المالية مجهولة المصدر.

 أوضح الدكتور بن سالم أحمد عبد الرحمان، في تحليل خصّ به «الشّعب»، أنّ المُشرِّع الجزائري وانطلاقًا من إدراكه العميق لما تشكّله الأصول والعملات الافتراضية من مخاطر أمنية واقتصادية، خاصة من حيث توظيفها في عمليات تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، أصدر القانون رقم 25 -10 المؤرّخ في 24 جويلية سنة 2025، المعدل والمتمّم للقانون رقم 05 -01 المؤرّخ في 06 فيفري 2005 والمتعلّق بالوقاية من تبييض الأموال وتمويل الإرهاب ومكافحتهما، والذي جاء في طياته نصًا صريحًا وفقا لأحكام المادة 05 منه، التي يُقرّ من خلالها بمنع وحظر إصدار الأصول الافتراضية أو شرائها أو بيعها أو استعمالها أو حيازتها أو الإتجار بها أو الترويج لها، أو إنشاء أو تشغيل منصّات لتداولها، أو أي قيمة معادلة أخرى تكون وسيلة دفع أو الاعتراف بها كعملة، أو كوسيلة للاستثمار بما في ذلك الأنشطة المتعلقة بتعدين العملات الافتراضية.
وأبرز بن سالم، أنّ المادة 31 مكرّر المستحدثة بموجب أحكام القانون رقم 25 – 10 تقضي بأنه دون الإخلال بالعقوبات الأشد، يُعاقب كل من يخالف أحكام المادة 6 مكرّر بالحبس من شهرين إلى سنة وبالغرامة من 200.000 دج إلى 1.000.000 دج أو بإحدى هاتين العقوبتين.
وفي خطوة تعكس بُعد نظر المشرّع الجزائري ويقظته المبكّرة تجاه المخاطر المرتبطة بالعملات الافتراضية، لم تكن جهود التجريم وليدة المرحلة الراهنة فقط، بل تعود إلى سنة 2017، حيث أقرّ آنذاك نصًا قانونيًا صريحًا يُحظر من خلاله التعامل بالأصول الرّقمية، وفقًا له.
وقد قضت المادة 117 من القانون رقم 17-11 المؤرّخ في 27 ديسمبر 2017، المتعلّق بقانون المالية لسنة 2018، بمنع شراء وبيع واستعمال وحيازة العملات الافتراضية، وهو ما يُعد أول ظهور تشريعي لموقف الدولة الجزائرية الرّسمي من هذه الظاهرة الناشئة، آنذاك.
يؤكّد هذا التوجّه المبكّر، مثلما أضاف بن سالم، أنّ المشرّع الجزائري لم يتعامل مع العملات الرّقمية كظاهرة تقنية محايدة، بل كأداة ذات بعد مالي وأمني خطير تستوجب التدخّل الوقائي الحازم، وهو ما مهّد لاحقًا لبلورة موقف أكثر شمولًا وصرامة في القانون رقم 25 – 10 الجديد ساري المفعول.
وبناءً على ذلك، يُمكن التأكيد أنّ المنظومة التشريعية الجزائرية تميّزت بمنهج استباقي واضح في مواجهة التحديات الرّقمية، من خلال غلق المنافذ أمام ممارسات قد تُوظَّف خارج الأطر المشروعة، وتُهدّد استقرار النظام الاقتصادي والاجتماعي في البلاد، بحسب قوله.

تقاطع الحذر التشريعي مع الرؤية الأمنية والمالية

 يرى الدكتور بن سالم أحمد عبد الرحمان، أنّ التجريم والحظر القانوني للعملات الرّقمية يعكس إرادة الدولة في حماية النظام المالي الوطني، من تغلغل أدوات غير خاضعة للرقابة، تمثل خطرًا على السيادة النقدية، والاستقرار الاقتصادي، والأمن الوطني، خاصة في ظل توثيق حالات عديدة دوليًا لاستخدام العملات الرّقمية في تمويل جماعات إرهابية، أو في عمليات غسيل أموال وفساد عابرة للحدود.
وعلى هذا الأساس، لا يُعد الحظر مجرّد إجراء تقني، بل هو ركيزة قانونية ضمن إستراتيجية أوسع لتعزيز الأمن السيبراني المالي القومي، وتحصين الاقتصاد الوطني ضدّ التدفقات المجهولة وغير المشروعة، وحركة الأموال المشبوهة.
وتابع بن سالم: «تُعد الجزائر من بين الدول السبّاقة التي انتهجت مقاربة قانونية واضحة وصارمة تجاه الأصول الافتراضية، حيث تبنّت خيار الحظر الشامل والصريح لجميع أشكال التعامل بها، سواء من حيث الإصدار أو التداول أو الحيازة أو الترويج، إذ يأتي هذا الموقف في سياق تباين السياسات الدولية حيال العملات الرّقمية، واختلاف الاستراتيجيات المتبعة بين التنظيم الجزئي أو التقييد بشروط أو المنع الكلي، تبعًا لمستوى المخاطر التي تُهدّد البنى المالية والرّقابية لكل دولة، ومن بين الدول التي فعّلت الحظر يوجد تونس الشقيقة، وإن كان حظرا فعليا غير مشرّع بالكامل، وأيضا المشرّع المصري من خلال القانون رقم 194 لسنة 2020 المتعلّق بالبنك المركزي والجهاز المصرفي، وجمهورية الصين الشعبية عبر البنك المركزي الصيني، الذي أعلن في ديسمبر 2013 بأنّ جميع المؤسّسات المالية وأنظمة المدفوعات المتواجدة في الصين قد مُنعت من التعامل بالعملات الافتراضية.
هذا ما أكّدته سنة 2025، من خلال ما ذهبت إليه دولة العراق بتطبيق قانون مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب رقم (39) لسنة 2015، بالإضافة إلى دول بنغلاديش وبوليفيا ونيبال، وكوسوفو التي قامت بمنع صارم لتعدين العملات الافتراضية بعد أزمة طاقة حادة في 2022، وكذلك سلطنة عُمان الشقيقة عبر البنك المركزي العُماني».
وقد عكست التجربة الجزائرية إرادة تشريعية حازمة هادفة إلى حماية المنظومة النقدية من التدفّقات المجهولة، والأنشطة غير المشروعة، في وقت لا تزال فيه العديد من الدول تتخبّط بين ضرورات الرّقابة وتحديات الانفتاح المالي الرّقمي، يذكر المختص ذاته.

عملة بلا رقابة وتمويل بلا قيود

 اعتبر الدكتور بن سالم، العملات الافتراضية موضوعا مثيرا للجدل في العالم المالي، فبعض صنّاع القرار يرونها مستقبلا للنظام المصرفي، في حين يراها آخرون أداة احتيالية أو أسلوبا لغسيل وتبييض الأموال، ولعلّ أخطر ما في هذه المعاملات أنها تُدار خارج إطار الدولة والقانون، وبمعزل عن الرّقابة، لذا فإنّ ما يبدو ربحًا قد يكون في حقيقته قنبلة مالية مؤجّلة، تنفجر في وجه من لا يدرك طبيعة هذا الوضع الغامض.
وبزمن التّحوّل الرّقمي المتسارع، أوضح الباحث، أنّ العملات الافتراضية تفرض نفسها كواقع اقتصادي موازٍ، لكنها في ذات الوقت تثير تساؤلات أمنية عميقة، جعلت العديد من الدول تُعيد النظر في التعامل معها ليس فقط كأداة مالية مشبوهة، بل كوسيلة محتملة لتمويل الإرهاب وتبييض الأموال، لافتا أنّ طابعها اللامركزي وسريّتها العالية جعل منها خارج الرقابة المؤسّساتية، وحوّلها في بعض الحالات إلى قناة مثالية للأنشطة غير المشروعة من تمويل جماعات إجرامية إلى تهريب رؤوس الأموال وعائدات الفساد عبر الحدود.
وفي ظلّ هذا الظروف، أتى خيار تجريم التعامل بالعملات الرّقمية كإجراء سيادي ضروري لحماية الاقتصاد الوطني، والحفاظ على أمن الدولة واستقرارها المالي والنقدي في مواجهة تحديات غير تقليدية تتجاوز الاقتصاد إلى عمق المنظومة الأمنية، يختم الباحث المتخصّص في قانون الأعمال بجامعة زيان عاشور في ولاية الجلفة، الدكتور بن سالم أحمد عبد الرحمان.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19878

العدد 19878

الأربعاء 17 سبتمبر 2025
العدد 19877

العدد 19877

الثلاثاء 16 سبتمبر 2025
العدد 19876

العدد 19876

الأحد 14 سبتمبر 2025
العدد 19875

العدد 19875

الأحد 14 سبتمبر 2025