البروفيسور نعيمة سعدية:

إسهام في فسيفسائية المشهد الثّقافي وليس فوضويته

باتنة: حمزة لموشي

اختيار لجان التّحكيم يضع مصداقية الجوائز  على المحك

تؤكّد الأستاذة الدكتورة نعيمة سعدية من كلية الآداب واللغات بجامعة محمد خيضر ببسكرة، أن تاريخ الأدب ارتبط فيه الإبداع بالنقد، وهو عملية عقلية وقلبية انقلابية، يستطيع الفرد من خلالها الوصول إلى أفكار أو نتاجات جديدة أو إعادة ربط أفكار ونتاجات موجودة بطريقة جديدة ومبتكرة، وهو ما يحتاج إلى عملية مقابلة تؤسسها مسابقات ثقافية في مجال الإبداع، ليتحقق التوازن بين الإبداع والنقد، في سبيل خلق مشهد ثقافي يسر الجميع بلا استثناء.

وأفادت البروفيسور سعدية أن المسابقات الأدبية هي من أهم المؤسسات النقدية التي ينتعش بها المشهد الثقافي، والتي يعول عليها في تحسين هذا المشهد لما فيها من تنافسية وعزم ليبرز الأفضل، وهنا وحده الإنتاج يصنع المشهد الثقافي، وهذا الإنتاج هو سبب ظهور مسابقات متخصصة تثمنه، تدفع الفائز إلى المزيد من الابتكار من جهة، ومن جهة ثانية تشجع الآخرين على الإبداع.
غير أن المختصة في الأدب واللسانيات ترى أنه عقب كل إعلان عن نتائج كل مسابقة أدبية أو ثقافية، يثور نقاش ‏حول اختيارات لجان التحكيم ومدى مصداقية تلك الجوائز الثقافية في العالَم العربي، ومن بينها ‏الجزائر ، حيث اعتبر الكثير من المثقفين أن «الجوائز الأدبية هي عبارة عن شراء للذمم والولاءات»، في حين ‏اعتبرها آخرون بحثا عن فعل ثقافي حقيقي، إذ يقال إن المحيط الثقافي الفاسد لا ينتج إلا جوائز فاسدة، بمعنى أن تلك الجوائز تدار في مناخ ‏فاسد، بداية بالمؤسسة التي تنظم المسابقة مرورا باختيار لجان التحكيم وصولا لاختيار الفائزين.
وبحكم تخصصها وكونها مؤلفة العديد من الكتب في الخطاب والتحليل السيميائي وإستراتيجية التلقي، ترى البروفيسور سعدية أنه «على الرغم من أن المشهد الثقافي ينتعش بالحراك الإبداعي على جميع الأصعدة والمستويات محليا ووطنيا، إلا أنه يعاني من قوة التكديس، ومسابقات جبر الخواطر، في كثير منها، فيهمش نص الاستحقاق ليظهر نص المجاملات، وتبرز تجاوزات لا تخدم المشهد الثقافي فيبدأ الانتقاد والتلاعن، وضرب هذه المؤسسة في الصميم».
وتقترح الأستاذة سعدية، من أجل تجاوز ذلك على المستوى المحلي، ضرورة تفعيل الآليات والإمكانات المتاحة من قبل مديريات الثقافة، وكذا المراكز الثقافية على مستوى الولايات وحتى البلديات، مع ضرورة التنسيق مع اللجنة الثقافية للمجلس الشعبي الولائي، ولجان الثقافة لمجالس البلديات، بالتنسيق مع أساتذة الاختصاص في جميع المجالات والفنون كالرواية، الشعر، المسرح، الموسيقى، ليتحقق الرقي الثقافي.

المسابقات الإلكترونية فرصة لخلق التّنافسية في مجال الإبداع

أما الجوائز الإلكترونية فتعتبرها البروفيسور سعدية حافزا، وهي بمثابة التعزيز في تحقيق هذا المشهد، تشجع وتحفز على الكتابة في المجال المطلوب، كما تحفز على التطوير الذاتي، لكنها لا ترقى إلى خدمة الإبداع، وكذلك الأمر بالنسبة للمسابقات الالكترونية، وهي من الوسائل التي تخلق الرغبة والدافعية، وتخلق جوا تنافسيا، إذ يعمد الناشئة في مجال الكتابة والإبداع، في ظل مسابقة منظمة من قبل هيئة ما، فيتنافسون على إظهار ما لديهم من قدرات، فتكون المسابقة الفضاء الذي سمح ببروز مبدع مغمور، وباستقطاب جمهور متذوق شغوف، ليبرز الأفضل، ويأخذ مكانه الصحيح تضيف الأستاذة نعيمة سعدية.
وتشير سعدية إلى أنه لا يجب أن تكون الجائزة غاية في حد ذاتها، بل الغاية هو فعل الإبداع ، كونه نشاطا إنسانيا ذهنيا راقيا ومتميزا ناتجا عن تفاعل عوامل عقلية وشخصية واجتماعية لدى الفرد بحيث يؤدي هذا التفاعل إلى نتاجات أو حلول جديدة مبتكرة للمواقف النظرية أو التطبيقية في مجال من المجالات العلمية أو الحياتية وتتصف هذه المجالات بالحداثة والأصالة والمرونة والقيمة الاجتماعية.
فالجائزة حسب سعدية يجب للجائزة أن تمنح لمن يستحق، وهذه مسؤولية لجنة التحكيم التي من الضروري أن تخضع لشرطي التنوع والاختلاف، من جهة والتمكن والفرادة والاختصاص من جهة ثانية. ليبقى هدفها التشجيع فحسب ولا تضيف الكثير إلى التفاعل الثقافي محليا ووطني، كما يجب التنسيق مع الجامعات والمعاهد على المستوى المحلي وذلك بالشراكة إما بنقل الأنشطة إلى الجامعات أو العكس،والعمل الجيد يولد نقدا جيدا، وإلا كانت الجائزة مكسبا ماديا وكفى.
وفي زمن الانترنيت والرقمنة، ومع التسهيلات المختلفة في عالم الطباعة، تتوارد أسئلة كثيرة توجزها سعدية في طبيعة المسابقات في عالم الإبداع، ومدى فاعليتها في صنع المشهد الثقافي في الجزائر، ما يقود حسبها إلى طرح مشكل المسابقات الالكترونية غير معروفة المصدر، والتي تراها الأستاذة سعدية تبنى على التنافس المغشوش، ومجالا للنهب، وعليه لا يمكن الوثوق بها ولا بقراراتها إذا جهل مصدرها تضيف المتحدثة.
وتختم سعدية حديثها بالقول: « إن الحال الثقافية عندنا تشكو من عديد من الأمراض ك التكديس بدل الإبداع، والجمع بدل البناء، والتقليد عوض الاجتهاد، والفوضى والعبثية والعشوائية وغير ذلك من المظاهر المرضية التي تعرقل سير المشهد الثقافي في بلادنا، والتي أسهمت بشكل فعال في فوضوية المشهد بدل فسيفسائيته على كل الأصعدة وفي كل المجالات والفنون، إلى حدّ تغييب الجيد وتهميشه، ما يستلزم التأسيس لمسابقات يشرف عليها أصحاب الخبرة والاختصاص، لإحداث التصالح مع الذات، وتحقيق نقطة نظام بناءة لمشهد ثقافي يليق بالجزائر».

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19448

العدد 19448

الأربعاء 17 أفريل 2024
العدد 19447

العدد 19447

الثلاثاء 16 أفريل 2024
العدد 19446

العدد 19446

الإثنين 15 أفريل 2024
العدد 19445

العدد 19445

الأحد 14 أفريل 2024