البروفسور باديس فوغالي:

للإعلام الثقافي دور كبير في النهوض بالنقد الأدبي والفني ببلادنا

باتنة: حمزة لموشي

يرى، البروفسور، باديس فوغالي، أستاذ الأدب العربي بجامعة العربي بن مهيدي بأم البواقي، أن النقد هو مطمح العمل الإبداعي في صورته الإنشائية، وأي عمل إبداعي سواء أكان سرديا أو شعريا أو مرئيا أو مسموعا، أي العمل الفني بكل أنواعه، وتجلياته، وفضاءاته، وأ‏دواته إن لم يحتذ بقراءات، أو إجراءات نقدية مع اختلاف الأدوات والمنهج والأسلوب المعتمد، فإنها تظلّ فاقدة قيمتها التي من أجلها أنشئت.

فالنقد يكشف الأستاذ فوغالي في تصريح لـ»الشعب»،  في وقتنا الحالي لم يعد مقصورا على الناقد المتخصّص الذي يرصد الأعمال الجديدة فيقدمها للقراء وفقا لإمكانات نقدية تسترفد منجزها من الرؤية الجمالية للعمل، واستمطار هذه الرؤية المحمولة بزاد ثقافي ثري ومتنوع تضيف للعمل الإبداعي قيمة تمكنه من أن يعيش فترة من الزمن قد تطول، وتقصر، وتتعمّق قيمة هذا العمل بتنوع المنهج المعتمد لدراسته أو نقده وتمكن الناقد يضف فوغالي من استنطاق مكنوناته، فإلى جانب الناقد المتخصّص يبرز القارئ المتخصص الذي يقرأ العمل الإبداعي وفقا لجملة من المكتسبات، بعضها جمالي، وبعضها الآخر ذوقي محمول على ذخيرة ثقافية مرجعية، وبهاتين المعادلتين تنهض القراءة الانطباعية المنتجة من خلال ثقافة مرجعية مترسّبة في أعماق الذاكرة القرائية أو ما يسمى المقروئية، من خلال هذين العاملين للعمل النقدي يحافظ المنتج الإبداعي على حيويته ويظلّ حيا لفترة من الزمن قد تطول أو تقصر كما أسلفت، تبعا لتواصل العمل النقدي في صورتيه، وأقصد أن النقد ليس توثيقا فحسب، بل هو متابعة متجدّدة للعمل الإبداعي بالوسائل الورقية والإليكترونية المتاحة أو الصوتية.
و حسب تصور فوغالي كي يصير  الفرد ناقدا ينبغي أن يعبّر جملة من المعابر والمسارات التي تجعل منه ناقدا فاعلا ومؤثرا، فالناقد ليس من يقف عند قوى النص أو مؤشرات ضعفه، إنما هو ـ حسبه ـ من يختزن تجارب متفاعلة تفاعلا عميقا يمكن أن ينتج ثقافة نوعية في إمكانية تفجير النص الإبداعي بما لا ينتبه إليه عامة القراء، ويضع بين أيديهم منجزا لا يزول بزوال عمر النص بل يستمر في مخزون القارئ أو المتلقي بما أضيف إليه من ثقافة جديدة ومعارف عارفة مستمدة من امتلاك عميق للتاريخ والواقع المتحوّل امتلاكا معرفيا فلسفيا وجماليا.

الهدف التجاري البحت لدور النشر أبعدها عن حركتها الحضارية والثقافية المأمولة

وبخصوص دور الإعلام في تعرية الواقع والتعريف بالكتاب والنقاد معا، فينبغي حسب مؤلف كتاب «الزمان والمكان في الشعر الجاهلي»، التفريق بين أنماط الإعلام والمقصود هنا الإعلام الثقافي، الخاص بالملاحق الثقافية والدوريات المتخصّصة في المجال الأدبي والنقدي، حيث أن هذا الإعلام الذي يعنى بمستجدات الساحة الثقافية يقدم دورا مهما ورائدا في تقديم الأعمال الإبداعية أو النقدية الجديدة، لكن ينبغي أن ينهض بهذا الدور متخصصون من يمتلكون إمكانات نقدية وإبداعية لتقديم هذه الأعمال، أما إذا اكتفى هذا الإعلام بالتنعيت وتقديم الجديد من الأعمال بصورة باردة، فإنه لا يقدّم شيئا جديدا للقارئ بقدر ما ينعت العمل المطبوع وفقا لنقل خبر النشر وكفى.
والواقع أن الساحة الإعلامية الجزائرية تفتقر إلى الإعلام الثقافي المتخصّص الذي يعنى بكل جديد تنعيتا ودراسة ومتابعة، وبعض التجارب الجزائرية في هذا المجال لم تعمر طويلا نتيجة غياب الدعم المادي المتمثل على الأقل في الإشهار، ويستدل فوغالي هنا بجسور أسبوعية ثقافية كانت تصدر بقسنطينة، دفاتر نسائية لزينب لعوج، الرواية لجيلالي خلاص، البيان والتبيين للجاحظية، مجلة آمال، والثقافة عن وزارة الثقافة وغيرها.
ويؤكد فوغالي أن دور النشر في الجزائر وبغير استثناء ذات طابع تجاري مربح وفقط، لذا تظلّ بعيدة عن حركتها الحضارية والثقافية المأمولة، نتيجة جملة من الأسباب والعوامل يلخصها في افتقار دور النشر الحالية إلى لجان قراءة متخصّصة، وتقرير لجنة القراءة يعطي مصداقية للعمل المطبوع، لأن الناشر سوف يذيل الكتاب الإبداعي أو النقدي بما أقره أحد أعضاء اللجنة مثلا، ومن ثمّ تصدق جدية المطبوع وتوكل هذه المهمة لذوي خبرة وشهرة ثقافية وحضور إعلامي بارز في الحقل الإبداعي والثقافي بوجه عام، إضافة إلى غياب حضور ومشاركة دور النشر الجزائرية في المسابقات العربية والعالمية والتي يمكن أن تصير عجلة لتحريك الراهن الثقافي وإخراجه من قمقم المحلية الضيقة، وكذا مشاركة الحصص الثقافية والتلفزيونية واجتهادها في الإشهار على الأقل لجديد المنشورات والمطبوعات بعيدا عن العلاقات الشخصية القائمة على المصلحة بكل أشكالها.

مسؤولية تطوير واقع النقد بالجزائر يتحمّلها الجميع

وعن سؤال «من يتحمل مسؤولية ما آل إليه واقع النقد الأدبي بالجزائر؟»، يجيب صاحب كتاب «التجربة القصصية النسائية في الجزائر»، بأن النقد عندنا بخير ويعرف تنوعا وثراء وحركية دينامية متنامية ومتساوقة مع الأبحاث العلمية المنجزة.. إلخ، غير أن النقد الذي يتابع الأعمال المنشورة الجديدة وعادة ما يرتبط بالإعلام فهذا ممكن نلاحظ تقصيرا وانحسارا في مساحته والسبب يعود ـ حسبه ـ إلى تقصير دور النشر وتخليها عن الدور المنوط بها وهو متابعة الأعمال وتكليف من يتولى تقديمها في صورة نقدية للمطبوع، إضافة إلى انحسار دائرة الإعلام الثقافي الذي كان يخصّص جانبا من هذا الاهتمام، والمسؤولية يتقاطع في تحمّلها كل الأطراف ابتداء من المبدع الذي يأبى أن يهدي بعض نسخه إلى نقاد معروفين أو دارسين متخصصين في اللون الإبداعي، مرورا بالناشر الذي لا يهمه سوى تسلم مبلغ أتعاب النشر والطباعة، وبعدها يتخلص من العمل نهائيا، لأن الناشرين الآن يتخلصون من تبعة التوزيع ومتابعة المنشور بعد طبعه، وانتهاء بالمشرفين على قطاع الثقافة الذين لا يبادرون إلى تنظيم ندوات أو أيام أدبية احتفاء بالأعمال المنشورة، فالمسؤولية يتقاسمها الجميع.
ويختم فوغالي بتوضيح الفرق بين النقد الاحترافي الذي يقدّم عادة في أطروحات ورسائل جامعية، والجهود التي تسعى إلى تقديم المنشورات الجديدة، وإذا كان الأول يعمد إلى تبني المناهج النقدية الصارمة، كي يخلص إلى جملة نتائج يترقبها من البدء، فإن الثاني يهدف إلى الكشف عن جماليات العمل المنشور بطغيان الانشغال الذاتي وتوظيف الخبرة المتراكمة، وكلاهما في واقع الأمر يقدم خدمة جليلة للحقل النقدي.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19448

العدد 19448

الأربعاء 17 أفريل 2024
العدد 19447

العدد 19447

الثلاثاء 16 أفريل 2024
العدد 19446

العدد 19446

الإثنين 15 أفريل 2024
العدد 19445

العدد 19445

الأحد 14 أفريل 2024