الأديب والكاتب محمد بوعزارة “للشعب”:

واقع يعيشه الأدباء والكتابة جينات إبداع لن تطاله أيادي اللصوص

قسنطينة: مفيدة طريفي

أكد الكاتب والصحفي والسياسي والأديب محمد بوعزارة، في حديثه لـ”الشعب”، حول موضوع السرقات الأدبية التي - للأسف - طالت المؤلفات والكتابات واستفحلت بقطاع الثقافة والأدب، حيث تناولها الكاتب، مؤكدا أنه وقبل عشرة أعوام مضت نشر مقالا في هذا الصدد
لصوصُ المستقبل”، وقد كان عنوان الكتاب الصادر عن دار الأمة عام 2007، “تأملات في الثقافة والحياة: لصوص التاريخ” مأخوذا من نفس المقال تقريبا، قائلا إنه “لقد شدَّني وقتها تهافتُ عشراتِ السيَّاح الأجانب على الصحراء الجزائرية بدعوى السياحة، رغم تلك الظروف الأمنية الصعبة، وعندما اختفى خمسةٌ من السياح الألمان في ظروف وُصِفت بالغامضة راحت الصحافة الغربية وقتها تتفنّـن في وصف الوضع الأمني بالجزائر بأنه خطير للغاية، وحاولت تحميل السلطات الجزائرية مسؤولية ذلك الاختفاء الغامض، لكنه سرعان ما ظهر أولئك السياح في منطقة الطاسيلي التي تُعْتبر لوحةً زيتية مرسومة على الطبيعة وبحوزتهم عدة آثار ومنحوتات جزائرية نادرة تحفل بها المنطقة ــ وقد كانوا يتأهبّون للهروب بتلك الآثار خارج الوطن بعد سرقتها ــ لبيعها بأغلى الأثمان تماما كما فعل الأمريكيون عندما غزوْا العراق وسرقوا الكثير من آثار حضارة بلاد الرافدين. وقد كتبتُ آنذاك، ألوم القاضي الجزائري الذي أصدر بحق أولئك اللصوص المتميزين حكما يقضي بسجنهم ثلاثة أشهر، رغم أنني كنتُ وقتها أحد المساهمين في وضع ذلك القانون المتعلق بجريمة سرقة الآثار، مشيرا أن تلك السرقة لم تكن عادية، لكنها كانت سرقة للتاريخ وللمستقبل كذلك، فمن يسرقُ تاريخك هو كَمَنْ يسرق هُويتك ومستقبلك.
كان المستعمرون الفرنسيون قد قاموا بنفس الفعلة المشينة عندما احتلوا بلادنا، حيث نهبوا كل ما وقعت عليه عيونهم، فقد حملت بواخرُهم ــ كما تذكر الوثائق ــ أطنانا من النقود والذهب والفضة وكذا التحف الجميلة والمنحوتات الجميلة والنادرة وذهبوا بها لما وراء البحر، وبذلك فقد سرقوا جزءاً من تاريخ شعبنا وبذلك سرقوا مستقبله.
أما السرقات الأخرى التي قال إنها لا تختلف عن هذا النوع من السرقات بما فيها السرقات الأدبية والسرقات العلمية والفكرية، فعندما يكتب أحدهم مقالا وينشره في هذه الصحيفة أو تلك ويأتي آخر وينسبه إليه أو يقتبس منه دون ذكر المصدر ولا التنصيص على الفقرات المنقولة، كما هو متداول في أبجديات الكتابة، فإن ذلك يعد سرقة موصوفة، سواء كان النص فكريا أو أدبيا أو علميا أو سياسيا.
يجلس أحدهم مع من يظن أنهم رفاقه في محفل فكري أو ندوة علمية، أو يجالس مجموعة من رجال العلم والأدب والثقافة، فيندفع وهو يتحدث بعفوية وتلقائية عن مشروع رواية أو كتاب أو حتى مقال أو تنظيم ندوة، ويعطي الفكرة العامة لمشروع لم يبلوره بعد في الواقع، فإذا به يُفَاجَأُ بعد فترة وجيزة أن الفكرة والعنوان والمحتوى قد تم تبنّيه من طرف أحد الحاضرين معه في ذلك اللقاء وأن وليده المنتظر أصبح مشكوكا في انتمائه له بعد أن أخرجه المتبني الجديد إن لم أقل السارق المفترض للوجود، قد يصدمه الأمر، لأن اللغة ليست واحدة والعمق في طرح الفكرة ليس واحدا، لكن السارق يبقى شاهد عيان لا يشهد بقول الحقيقة إن أحيلت القضية على المحكمة. وقد عشنا هذا التجاذب في العام الماضي، عندما تفاجأ الصديق واسيني الأعرج، صاحب رواية العربي” 2084 حكاية العربي الأخير..”، بأحد الكتاب الجزائريين بالفرنسية يصدر رواية بنفس المعنى تقريبا ولا أقول يسرق فكرة حتى لا أتحول إلى قاض وأتجنّى على الكاتب الآخر الذي تناولته بعض الأقلام بأنه سرق الفكرة قبل أن تولد. 
حيث يسهر الكاتب والصحفي ليالي عديدة ويعود لأكثر من مرجع ووثيقة باحثا ومنقبا، ويكتب عملا قد يكون الأجمل، فيأتي أحدهم ليأخذ منه وينسبه لنفسه دون خجل من أن النص ليس من بنات أفكاره، وينظم الشاعر أجمل قصيدة، فيأتي أحدهم ليأخذ القصيدة كاملة أو بعض أجزائها فينسبها لنفسه دون أن يشعر بأنه لص ومحتال فكري، ويبقى هذا الفنان أو ذاك ساهرا طوال الليالي، فيرسم أجمل اللوحات، ثم يأتي سارق متخصص يدّعي لنفسه الفن والرسم، فينسب تلك اللوحة التي هي من إبداع وريشة الفنان الأول ليتبناها الأخير دونما حشمة، موجها في ذات السياق رسالة مفادها “أيُّها اللصوص المتميزون، قد تسرقون فِكرةً، قد تسرقون لوحةً، قدْ تسرقون كتابا أو قصيدةً جميلة، وقد تحاولون سرقةَ كتابة وأفكار وإبداعاتِ غيركم لتصنعوا تاريخًا ليس لكم، لكنكم مع ذلك لن تسرقوا مستقبل غيركم، لأن جينات الإبداع والكتابة تبقى للمبدع الحقيقي حتى لو كان السارق فنانا بارعا في سرقة الأفكار الجميلة”.

 

 

 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19458

العدد 19458

الإثنين 29 أفريل 2024
العدد 19457

العدد 19457

الإثنين 29 أفريل 2024
العدد 19456

العدد 19456

الأحد 28 أفريل 2024
العدد 19455

العدد 19455

الجمعة 26 أفريل 2024