أسئلة الوجود والموت والعنف

قراءة في رواية أرخبيل الذباب لبشير مفتي

بقلم الاستاذة / فتيحة بولعرابي جامعة المسيلة

في ماهية  النص الروائي:  من المتعارف عليه أن الرواية هي أقرب الأجناس الأدبية للواقع ، وقد تشكل معادلا موضوعيا له ، فتلتحم به وتتداخل معه، وتنقل منه وتصوره.
فقد كانت دوما محايثة لفرات الوعي المدني، حيثما حلت وارتحلت(1).
ومما لا يخفى أن الكتابة الروائية ليست بالأمر الهين نظرا لطبيعة هذا الجنس الأدبي، وطريقة بنائه وما يحمل به من متفرقات ومتناقضات، وما يمكن أن تقوله هذه الرواية أو تلمح إليه بين ثناياها.
فروح الرواية هي روح التعقيد، كل رواية تقول للقارئ إن الأشياء أكثر تعقيدا مما تظن .برأي ميلان كونديرا .(2)كما أن نص الرواية يظل تجسيدا لافعال وعلاقات وقيم اجتماعية وتاريخية محددة، يتم تقديم هذا التجسيد من خلال بناء له استقلاله الذاتي عن البنية الاجتماعية من جهة ، وضمنها من خلال فعل الكتابة من جهة ثانية.
هذا النص عالم دلالات وبنيات  يتم انتاجها من ذات النص، كما تتجلى من خلال الكاتب والقارئ ، ينتج الكاتب نصه ضمن بنيات نصية أخرى كبرى أو سوسيونصية ، ويتلقى القارئ  النص ضمن البنية الكبرى نفسها ، وقد تتغير البنيات السوسيونصية  ؛ بتحول مجريات أو عناصر البيئة الاجتماعية، ينتج النص في زمن محدد ولكنه يتلقى في أزمنة  عديدة ، وكلما  توفر البعد  الانتاجي في النص ؛ كانت امكانية انتاجه  من خلال التلقي مفتوحة (3).
فالكتابة الروائية هي لعبة ممتعة طرفاها  مبدع وقارئ وأساسها  معان قد تتجلى وقد تتخلى عن الوضوح والبيان ، لتستفز هذا القارئ على إعمال الذهن واستحضار الموروثات والثقافة المكتسبة لتفكيك وتحليل وفهم هذا النص الذي يبقى مفتوحا أمام جيولوجيا الدلالة  بطبقاتها المختلفة ومستوياتها المتعددة(4).
الروايـــــة و آليات التجريب: تجاوزت الرواية في العقود الأخيرة  شكلها النمطي التقليدي، من خلال تلك التحديثات الظاهرة على متونه السردية ؛ سواء الفنية الجمالية أو الموضوعاتية  الجديدة  التي استطاعت أن تخرج عن نمط السرد الكلاسيكي
التقليدي إلى حداثة معاصرة متمردة ، تعبر عن هذا الواقع وتنزاح عنه وفق خطاب  تخييلي متجدد، يجنح للتجريب على مستويات عديدة ، ولما كانت الرواية العربية تمر بمرحلة تجريب غنية، سواء في مستوى الأبنية والسرود أو الرؤى والمتون واللغة ، وغير ذلك .فلا يمكن غلق نظم الصوغ فيها على عدد محدد من النظم ، هذا من ناحية ومن ناحية ثانية  فإن الحاجة تظل قائمة إلى استحداث  نظم صوغ جديدة تمنح الرواية امكانية أكبر، ليس لصوغ متونها فحسب بل للتعبير عن موضوعاتها وهذا جزء من مخاض التجريب والتجديد الملازمين للابداع  بصورة عامة (5).
بتحليل بسيط  لما يرمي إليه عبدالله ابراهيم يرى أن التجريب في الرواية العربية كان على مستويات عديدة : الأبنية والسرود والرؤى، والمتون واللغة ، هذا ما جعاه يدعو إلى عدم الاقتصار على نظم صوغ محددة لهذه الكتابات ؛ لأنها  إن حددت ستضيق من مجالات الانفتاح على الكتابة الروائية  بمختلف متطلباتها، ومناحيها ومراميها ، وهذا في حد ذاته يدخل في أبجديات التجريب ، التي تفرض نفسها كواقع لابد منه
بالنظر إلى التغيرات المتسارعة لسيرورة الحياة وما تقتضيه من تحديثات تمنح هذه النصوص جانبا لقول كل ماله علاقة بالحياة والوجود والواقع الانساني.نجد الكثير من الكتابات التي حاولت احتواء الواقع ،بكل متناقضاته و حيثياته ، كتبت عن الانسان في كل حالاته وكتبت عن الحياة والراهن والسياسة ،التطرف الديني والتاريخ والمجتمع والجنس والذات ، لا تعترف بالحدود والطابوهاتوالممنوع ، تتكلم  الدين الذي يسب السياسة ،والسياسة التي تحد من سلطة الدين ، والسلطة التي تمارس التعنيف ، تتكلم الجنس وتمارسه بواسطة حروفها ولا ترى حرجا في ذلك(6).
الملاحظ أن هذا النمط من السرد على اختلاف مواضيعه في روايات مابعد الحداثة يعتبر بنية ثقافية متعددة المعارف وبانوراما حقيقة  تمدنا بحقول ابستمولوجية ، معرفية في الاقتصاد والثقافة والسياسة والفن والتاريخ والاجتماع والعلاقات الانسانية والمباح والمحرم مما يتيح خاصية الانفتاح للنصوص الروائية ،  التي يعمد المبدع عند كتابتها إلى تحطيم القواعد الجاهزة و ذلك الخط الأفقي لعملية السرد من خلال عنصر المفاجأة  واللعب بأساليب اللغة واستظهار الفكر والتوجه .
لتصبح الرواية العربية من منظور الخطاب ، وفق منطلقات ومبادئ منهجية واضحة هي الرواية التي تفسح الأبواب لقراءتها من زوايا مختلفة (7).كما  أن  هذا الخطاب  الروائي العربي بات أكثر دينامية في ادماج حقول لغوية وسردية وتخييلية وهو ما يشكل ميسما بارزا في تطور الرواية العربية بصفتها عالما مفتوحا يؤجل اكتماله في غزو مستمر للتقنيات و التخييلات الممكنة وغير الممكنة (8).
إن التحول الذي طرأ على مفهوم الكتابة الروائية  الحديثة ؛ العربية والجزائرية منها على الخصوص ، فرض توظيف آليات وتقنيات جديدة على مستوياتها المتعددة ، وهذا بعد انفتاح آفاق هذه الكتابة.
3) مظاهر التجريب في الرواية الجزائرية المعاصرة:
- توظيف التراث والأسطورة
- اللعب ببنيات النص الروائي ، باستعمال تقنيات عديدة منها منها الاسترجاع والاستباق .
- نجد في بعض الروايات هدما للعلاقات بكسر التماسك واستبداله بمنطق التفكيك والتشتيت ، فضلا عن ذوبان الحدود الفاصلة بين الضمائر على المستويي السردي واللغوي.
- تنويع في لغة السرد واللعب على التراكيب وأنماط الجمل و أشكال التصوير.
- تبدو الكثافة الشعرية واضحة في مواقف تصاعد التذكر والهذيان على المستوى الصياغي.
- الرؤية الذاتية ( التعبير الذاتي): وهو منحى رؤيوي فكري جمالي فني
- توظيف الحوار الاعلامي ومقاطع من الصحف واحصاءات في كثير من الروايات
- الابتعاد عن الخطية في السرد وكسر النمطية الحكائية بوعي ناضج بأدوات الكتابة.
- دمج الايديولوجي بالجمالي والانفتاح على النصوص حوارا ومسائلة .
- التركيب بين الواقع المعيش والمتمثل وصهر هذه الثنائية ضمن رؤية متجددة.
- نلاحظ أن النص يشتغل على أكثر من بعد
- استعمال  اللغة الشعرية  في المتون السردية  الروائية
- خلق جمالية في السرد عبر التنويع  في الصور والايحاء والحركة.
- حضور المرأة في الرواية كهاجس للبطل .
- توظيف  مختلف العلوم الانسانية في الروايات .
- كسر الطابوهات بالحديث عن الدين والجنس والسياسة .- طرح التساؤلات عن الوجود والحياة .
- استعمال تيار  الوعي في السرد .

قراءة في مضمون الروايــــة :

ترصد الرواية واقعا تخييلياانبنى على وقائع مستقاة من فترة زمنية ، عاشتها الجزائر وهي العشرية الدامية
حيث تعالج أحداث الدم والدمار والخوف والرعب بأسلوب سردي ، تطرح أسئلة الوجود والحب والحياة و تخوض في دهاليز السياسة ، تنبش في ذاكرة الوطن وتستعيد جانبا من التاريخ ،تتساءل عما تبقى من الفنان والمثقف في تلك الفترة  الحرجة ، تبحث فييما عاناه  رجال الاعلام  من تضييق على الحريات  بلغ حد الرعب والتهجير والتقتيل، وضبابية الرؤى .
كما أراد الكاتب أن يصور لنا ذلك ، تجري هذا الأحداث بين العاصمة ووهران ، من خلال سرد تميز بكسر نمطية الحكي.
استهل الروائي بتقديم لمارتن هيدغر  يقول فيه : ( الإنسان يتيه ، إنه يتيه لا يسقط في التيه في لحظة معينة ، انه لا يتحرك إلا في التيه ، لأنه ينغلق وهو ينفتح وبذلك  يجد نفسه دوما في التيه).
هذا التقديم  يطرح أسئلة الوجود والمغزى من الحياة .بتفاصيل واضحة يكتنفها العبث.
شخصيات الرواية  دارت في فلك الثقافة ، الفن ، العبث والمغامرة .
- الكاتب (س) وهو نفسه الراوي الذي استعمل تقنية الاسترجاع  في متن السرد
- مصطفى الصحفي الذي روع واضطر للهجرة  خوفا من القتل .
- محمود البراني المثقف  الشغوف بالتهام الكتب والذي عاد الى أرض الوطن بعد هجرة طويلة .
- سمير الهادي الفنان الرسام الحساس الذي لم يتضح إن كان قد انتحر أم قتل  ولم تكتمل لوحته التي كان يحلم بإنهاء ملامحها.
- نادية الفتاة الجريئة المغامرة اللعوب ، وما يحيط بها من غموض.
إضافة الى شخصيات هامشية أشير إليها  في متن الرواية ، لينهي الروائي هذه الرواية كما بدأها  بنهاية مفتوحة  وتساؤلات  لم يجد لها اجابات .
وقد قسم الرواية إلى  ثلاثة فصول :
- مونولـــــــــــــــوغ: استهله الكاتب  بتساؤلاته حول الحرب ، رابطا بينها وبين الحب ، في حديث نفسي استعمل فيه الوصف  للأحداث ، والحوار  بين الشخصيات
صور فيه  مشاهد الخوف والقلق والاضطراب. وأنهاه  بتساؤل : (أي قدينتظرنا في كل خطوة)(9)
وكان الفصل الأطول في الرواية.
- كوابيـــــــــس: في مشهد درامي ووفق لغة يطغى عليها الوصف والحديث الداخلي ، تظل الضبابية ملازمة لرؤية السارد ، الذي يواصل سرد فصول الرواية ليقرر الانتحار ويبعث برسالة  للصحف يعلن فيها انتحاره وهي رسالة رمزية.
- محمود البرانـــــــــــــي : في آخر فصل أتقل الرواية من الكاتب (س) إلى محمود البراني الذيأتضح فيما بعد أنه لم يقتل بل هرب ، ليعود ليروي لنا  تلك المشاهد التي لم يرويها الكاتب (س)، ويعيد بعث الرواية من آخر الأحداث إلى بدايتها .ويظهر أنه  والد نادية الحقيقي. وهو يشعر بالتفاؤل  على الرغم مما حدث.

تشريح الروايـــــــــــــــــــــــــــــــــــة:

1-أسئلة الوجــــود:
في أسلوب هيمن عليه الخطاب الداخلي، نجد الساردالذي يروي عن نفسه وعن العالم  المحيط به، فيغدو الخطاب داخليا ينفتح على صور الكتابة الذاتية، يثير قضايا داخلية  في نفسيته وفكره، يستعير في كثير من الأحيان لغة شعرية  تتماثل وتتداخل مع الحكي والسرد.
نلاحظ ذلك الاضطراب وتلك الضبابية  في الرؤية للحياة وما يحدث فيها، في مقاطع عديدة من الرواية، أولها ذاك التصدير لمارتن هيدغر عن التيه في الحياة والوجود، يسترسل الكاتب في مساءلاته لهذا الزمن والوجود :» سأحفر من جديد في هذه الذاكرة البعيدة والموحشة وحتما لن أصل إلى نقطة السر سأفتح شهية قلبي ليقول حالاته ، أما الزمن  فهو مشكلتي الحقيقية «(10).
يستعير لغة شعرية  يكثف فيها المعاني ويضغطها مدعما  للرؤية التي يريد تقديمها، مصورا لذلك الصراع النفسي وفق طريقة التداعي الحر والمونولوغ الداخلي يضعنا الكاتب في الصورة، وعما يدور في فكر وخلد الرواي، يواصل تصوير معاناته باحثا عن معنى للحياة (أقول الجنون، وأنا أعلم أن تمة انهيار حقيقي حدث لي، انهيار أو أي شيئ من هذا القبيل، ثم ماالذي يهم شخصا مثلي، لم يعنه على الاطلاق معرفة إلى أين تتجه حياته وأي مصير مجهول ينتظرها في الخارج .(11)
ليستمر في وصف أفكاره ونظرته للحياة في مقطع آخر :( فوضى الحياة وقلق الذات أسئلة المتاهة التي أتخبط فيها لا أرى لها مقدمة وخاتمة، أشعر أنها بدأت في اللانهاية، وأنها تستمر في اللانهاية حيث لا أحد يعلم مصيره )(12).
فهو في رحلة دائمة عن معنى هذه الحياة، يلازمه القلق الدائم  الذي يحيله إلى مساءلات  لانهائية ( يطردني  الوعي  من حضرة الناموس إلى جمال التأمل  في خراب عالمنا، وانا وحيد قطعة خبز مرمية  يتهافت عليها النمل وأنا الذباب وحتى بعض الحشرات  الأليفة التي لا أحفظ أسماءها، جاء الغموض في كابوس ليوحدني بالوضوح .أتراني مثلهم ساج في ظلمة العزلة ووحدة الخوف لا أفقه معنى القتل وجنون الجريمة، أم هي حركة الكون التي تسير إلى هذا التدمير الكلي لكينونة البياض وشفافية الشمس .(13).
يستطيع القارئ من خلال عملية القراءة الواعية؛ أن يستخلص نظرة الكاتب للحياة وفلسفة الوجود ويضعها في خانة العبثية وذلك بتتبع هذه المقاطع المتفرقة في متن الرواية .
2- أسئلة المـــوت:
 من السيمات البارزة في هذا النص الروائي، تناول الكاتب لمفاهيم الوجود والموت والعنف والحب واللألم و والأمل، التي نجدها مبثوثة في ثنايا  هذا المتن السردي ، وهو إن عالج قضية  متشعبة  وفترة عصيبة  من فترات  التاريخ  التي مرت بها الجزائر وحدثا رهيبا و هو الارهاب  الذي رأى مخلوف عامر أنه :» ليس حدثا بسيطا في حياة المجتمع ، وقد لا يقاس بالمدة التي يستغرقها ولا بعدد الجرائم التي يقترفها ، بل بفضاعتها  ودرجة وحشيتها ، وعندما  يتعلق الأمر بالجزائر فإن الارهاب  تقاس خطورته  بتلك المقاييس جميعا ، اذ استغرق مدة غير قصيرة ، وارتكب جرائم كبيرة وارتكبها بفضاعة بلغت أقصى ما بلغته من الهمجية «(14).
فهذا الارهاب  فرض بقوة الدم والدمار والعنف والقتل والموت صيغا للمعاناة لا تحتمل  وصفها الكلمات والالفاظ والعبارات مهما كانت بليغة ، فمشاهد الموت ورائحته انتشرت في الارجاء و أصبحت  النفس البشرية  مجردة من  قيم الانسانية  ولا تستحق الحياة في قواميس هؤلاء  ، وهو ما حاول الروائي نقله الينا .( داخل الغرفة المغلقة  علي ان اشاهد جثتي  تسبح فوق دماء تحذفها الى أرض أخرى ، اتأمل موتي  الذي  يستفز الروح ملأ العين ، أبصر  مخاوفي كلها  وقت الوداع الأخير ، أحاول  التملص من المشهد )(15).
يصف الراوي هاجس الخوف والموت  اللذين سيطرا على الكاتب (س) وفق حديث نفسي داخلي  شحن عباراته بأحاسيس سيطر عليها الرعب والالم ، حتى لازمته الكوابيس و أصبح يعيش مشاهد  الموت في خيالاته ( فقدنا أعصابنا . ثم تدحرجنا الى التحت  سقطنا كأوراق الخريف على مساحة الدم المشتعل اصفرارا وقسوة ، لم يكن ليشاهد ذلك الا أنا  لم يكن هناك متهمون في قضية اغتيالنا السرية ، الكل  أجهز علينا والكل وقف  يشاهد في صمت وحشية هذا الهلاك المحتوم )(16).
3-أسئلة  العنــــف :
بما أن الرواية تقتبس أحداثها من فترة زمنية ساد فيها الارهاب  الذي اقترن  بكل مظاهر العنف والقتل  والخوف و الالم ، فمن الطبيعي  والمنطقي أن يعرض الكاتب فقرات  او مقاطع  تعبر عن هذا العنف  على مستوى  أصعدة عديدة  منها :
( عليك أن  تحمل دائما بطاقة  هويتك ، حذار أن لا تحمل  دائما بطاقة هويتك ، إن لم تحملها  فأنت مجنون ، سيضربونك  لن تكون واحدا منهم ، لن تكون عظيما أبدا ، إن لم تحمل  بطاقة سيسبونك  بأقذر الشتائم ، سيتهمونك بأنك لقيط  وكلب ، أما إذا ناقشت  فاللعنة عليك .سيرمون عليك كل قاذوراتهم  وحتى البول .... سيبولون عليك .) (17).
في هذا المقطع  تصوير  لمشاهد مختلفة  من العنف اللفظي إلى المادي الذي يتجاوز  الضرب ليصل الى التهديد بالقتل  أو القتل المباشر : ( ذات يوم طرق بابي  أناس  مجهولون  وهددوني و قالوا كلاما  مخيفا  وشتموني و أرغموني على أن  أحني رأسي  عندما  أرد عليهم ، ثم هددوني بالقتل إن أنا تفوهت بشيئ ...لحد الساعة  مازلت أجهل  من هؤلاء.) (18).
وما يلبث هذا  العنف أن  ينتقل إلى  الذات و الروح  ويسيطر عليها  ، وينبعث  منها في مشهد  درامي  نجح  الكاتب في تصويره  بلغة شاعرية ( أنا أعرف  بأنه ليس  من حقي  أن أهدر  حياتي بهذا الشكل ، عيون  القتلة  تحرس الباب  وتستمع لأصوات  الخوف ونداءات الروح  تكسر  الروح  أمام جبن اللحظة ) (19).
و ها هو يتحدث على لسان محفوظ  أحد شخوص  الرواية واصفا حال  سمير الهادي  الفنان الرسام الذي لم يعرف ان انتحر او قتل :(كانت  أخبار القتل تجعله  يرتعش ، يمرض ويقلق  يصاب  بحمى ساخنة
تتركه  أسير الفراش يتكلم  مع نفسه  ويدخن كثيرا  ويرفض أن آخذه الى المستشفى.) (20)
ليصور لنا  تصويرا دقيقا مشاهد العنف  في المجتمع  الذي اصبح من المألوف حد اللامبالاة ( تماما مثل  أفلام العنف ... بلا قتل كثير  لا يشعر المشاهد بأنه أمام  فيلم جميل  أو مهم . العنف ليتحول الى ضرورة  وحالة  مبهمة  تثير الرعب  والبهجة  في الان ذاته ، عندما انفجرت لأول مرة  أمامنا  أنا ومحفوظ  تلك القنبلة ، وقفنا ذاهلين شعرنا بالفزع  أمام الدخان  والنار وصوت الانفجار  والأجسام المفحمة  والدم ...... ثم ياللعبث  كدت انفجر ضاحكا  ومحفوظ يقول لي : هو هنا حتما ينظر الى جريمته .)(21)

نتـــــــــــــــــائج الدراســـــــة:

-ترصد الرواية واقعا تخييليا، انبنى  على وقائع  مستقاة من فترة زمنية  عاشتها الجزائر( الارهاب)
حيث عالجت  العنف والدم والدمار  والخوف والرعب  بأسلوب سردي ، طرحت أسئلة الوجود والحب والحياة .
-استعمل  الروائي  المونولوغ  الداخلي  في متن الرواية ، خصوصا  على لسان الكاتب (س)، ومسألة الأنا عنده.
-دارت الرواية  في فلك الفن (سمير الهادي )، الثقافة (محمود البراني )، الصحافة (مصطفى )، الحب (نادية) ، في محاولة لنبش  الذاكرة  والخوض في ماعناه  هؤلاء  في فترة  اغتيلت فيها الحرية والكلمة قبل اغتيال الروح.
-اقترنت لغة السرد  بلغة الصحافة  الوصفية عند بشير مفتي
-بدى واضحا  البحث الحثيث عن مفاهيم للحياة والوجود والموت وهي أسئلة  طرحها الروائي  عبر المتن السردي.
-تعرض للازمة السياسية وفق تلميحات  وما أفرزته من ارهاب  وهذا من المواضيع  في الرواية الجزائرية  المعاصرة.
-نزع الى تحطيم القوالب الجاهزة للسرد النمطي الخطي  الأفقي للزمن
-أخذت المرأة حيزا كبيرا  في متن الرواية مشخصة في نادية ، كسر من خلالها  احد  الطابوهات  في المجتمع وهو تحرر المرأة من الناحية الجسدية الجنسية .بوصفه لمغامراتها ومشاهد لتلك المغامرات من حين لاخر .
-وزع الرواية على  ثلاث فصول  طغى على أطول فصل فيها .تيار الوعي من خلال الحديث النفسي الداخلي  وفق لغة الوصف والحوار  الذاتي.
للدراسة مراجع

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19456

العدد 19456

الأحد 28 أفريل 2024
العدد 19455

العدد 19455

الجمعة 26 أفريل 2024
العدد 19454

العدد 19454

الخميس 25 أفريل 2024
العدد 19453

العدد 19453

الأربعاء 24 أفريل 2024