ميهوبي:

المعرفة والتعليم أساسا الإقلاع الثقافي

أسامة إفراح

اعتبر وزير الثقافة عز الدين ميهوبي، في كلمته خلال افتتاح دورة الأمانة العامة لاتحاد الكتاب والأدباء العرب بالجزائر، أن التعليم هو حجر الأساس لأي إقلاع ثقافي وحضاري، وأن المثقف، إلى جانب الإبداع، يجب أن يلعب دوره ويشارك أمته قضاياها المحورية. كما اقتبس الوزير من كلمة رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة، التي ألقاها أمام المشاركين في المؤتمر الـ22 لاتحاد الأدباء والكتاب العرب، الذي احتضنته الجزائر ذات 20 ديسمبر 2003، والتي تحدّث فيها رئيس الجمهورية عن علاقة المثقف بمسائل صارت اليوم قضايا الساعة.

في كلمته الافتتاحية، اقتبس وزير الثقافة من كلمة رئيس الجمهورية أمام المؤتمر 22 لاتحاد الكتاب والأدباء العرب سنة 2003:
«إن الترحيب بكم، أنتم القادمين من الوطن العربي، وأوروبا، وأمريكا، حاملين معكم أحلامكم، وأشواقكم، ليس لزيارة بلدكم الجزائر فحسب، ولكن لاختيارها، أيضا، فضاء، لعقد مؤتمركم هذا، بعد عشرين سنة من الغياب، تتفاعل فيه أفكاركم، وآراؤكم وتصوراتكم، وتطرحون فيه القضايا، التي توقظ الذاكرة، وتحفز الضمير، وتستنهض الهمة، وتفتح نوافذ، على أمل يبدو بعيدا، لكنه أقرب ما يكون، منا نحن الذين نؤمن، بأن مصائر الشعوب تصنع، اليوم، في مخابر الوعي بالحاضر، الذي يكون فيه الوعي بالذات، والوعي بالآخر، سبيلا للوعي بالمستقبل، إذ لا مستقبل لأمة لم تع وجودها، ولم تدرك مكانتها، ولم تتهيأ لمواجهة التحديات، التي يفرضها التحول المتسارع في عالم اليوم». انتهى الاقتباس.
 أضاف ميهوبي بأنه سنة 1954 التي شهدت اندلاع الثورة، تأسس اتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، في اتفاق على ضرورة تنظيم يجمع صوتهم، وبعد هذه الفترة الطويلة نجد أنفسنا مطالبين بأن نوفي حق ذلك الجيل.
«سعينا دائما إلى أن تكون الثقافة فوق السياسة»، يقول ميهوبي الذي استحضر الأسماء التي سبق وأن ترأست الاتحاد العربي، كما اعتبر هذا الاجتماع «مناسبة لأن لا نقيم قطيعة مع تاريخ هذا التنظيم الذي كانت له مواقف لتوحيد الثقافة العربية». وأكد بأن «التوقيت اليوم صعب والتحولات في الخارطة العربية تفرض علينا مراجعة الخطاب الثقافي العربي المحتاج إلى تجديد، ليس استبدال الكلمات وإنما الممارسات». وأضاف: «نحن بحاجة إلى اختراق عقل الآخر فنحن الآن أمة مستهدفة، والمفترض أن يقوم بها الاتحاد هو إقامة جسور مع مثقفي الأمم الأخرى»، لأننا اتهمنا بالتحجر والتطرف والتزمت، و»علينا أن نريد تحميض الصورة في عقل الآخر»، والحوار لا يكون عربيا عربيا فحسب بل عربيا مع الآخر.
 قال ميهوبي إن دورنا أيضا يجب أن يكون محاربة الفراغ لأنه يولد التطرف، مستشهدا بمقولة مالك بن نبي: «عندما تغيب الفكرة ينمو الصنم»، معتبرا بأن هنالك أصناما تدير المجتمعات بأفكار منتهية الصلاحية. وتساءل: لماذا ينبت التطرف؟ مجيبا بأن السبب هو وجود عجز في فك شفرة المستقبل يدفع الأجيال إلى البحث عن الحلول في الماضي، ولا يمكن الوصول إلى ذلك دون الاهتمام بالتعليم الذي هو الرهان الحقيقي لخروج الأمة من أزمتها. ولا يمكن ضمان نخبة فاعلة مؤثرة في مختلف المجالات خارج التعليم، لهذا فإن الدول التي راهنت على التعليم نجحت في فك شفرة المستقبل.
«علينا أن لا نفصل دور المثقف في ترقية التعليم وتحسين المناهج وأخذ الإيجابيات من بعضنا البعض»، يقول الوزير الذي أكد على ضرورة أن تخرج الأفكار الميتة والمميتة من المجتمعات، والمثقفون مطالبون بعمل كبير يتجاوز الإبداع، الذي هو مهم، ولكن يجب التصدي للمشكلات الأساسية.
 في حديثه عن دور المثقف، لجأ ميهوبي إلى كلمة رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، التي قال فيها إن المثقف يأخذ «موقع المتخندق ضد الإرهاب والتخلف باعتبار أن المهمة العاجلة للمثقف لا تختلف عما تسعى إليه الدولة حتى لو اختلف معها في النهج. وبرز جليا الدور الكبير الذي قام به أغلب الكتاب والمثقفين والإعلاميين الجزائريين في مواجهة الإرهاب وفكره التدميري، ودفعوا من أجل ذلك أرواحهم، دون أن يثنيهم ذلك عن مواصلة صمودهم في وجه هذه الآفة، وكشف ممارسات هذه الجماعات الدموية. ولا شك في أن هذا الموقف المبدئي من أولئك الكتاب والمثقفين مع بلدهم في محنته، نراه يتكرر اليوم في بلدان عربية وإسلامية أخرى تعرف أوضاعا صعبة في مواجهة الإرهاب، من خلال بروز أصوات وأقلام رافضة لمنطق القتل والترويع. فالكاتب من خلال تموقعه الإبداعي لا ينتج موقفا فقط، إنما ينتج سلطة المعرفة وهي سلطة ذات خصوصية متميزة ترتبط أساسا بالحرية، والخصوصية هنا تعني أن المثقف، أينما كان موقعه، فالإبداع هو الذي يشعره بالحرية ويميزه ويجعله قادرا على النجاح في المهمتين، الكونية والمحلية. إن قوة المعرفة هي سلطة أخرى، تتجلى في جملة من القيم والأدوات، كالحرية والاحترام. أو من خلال الوسائل المادية التي تجسد المعرفة العلمية والتكنولوجية، وهي في الوقت الحاضر معرفة نستوردها ولا نساهم في إنجازها، بل نقع تحت هيمنتها في أهون الحالات، ونعطي مثالا على ذلك بالعملية التعليمية التي تهمل تماما العلوم الإنسانية. وأما في ما يتعلق بالهوية، وما يكتنفها من مظاهر الوحدة و الانشطار، فعلينا مواجهة هذه المسألة، التي تعد مصدرا للنزاع، بما نستلهمه من أساليب تقاليدنا السمحة وحضارتنا العريقة، التي جعلت من الاختلاف، على مر القرون، مصدرا للتنوع الثقافي والثراء الفكري في وحدة متراصة متلاحمة، لا عنف فيها ولا صدام، كلا ولا كراهية ولا إقصاء». انتهى الاقتباس. هذا ما قاله رئيس الجمهورية قبل 14 سنة، قبل أن تظهر داعش وأخواتها، يلاحظ وزير الثقافة.
في هذا السياق، اعتبر ميهوبي بأن استقراء المستقبل مسألة حيوية بالنسبة لنا كمجتمعات مهددة في ثقافتها وهويتها، ومنها اللغة العربية التي تحتاج إلى عمل استثنائي من المثقفين، وإن كان لا خوف على العربية مستقبلا، فالصراع هو على المستوى المعرفي، واللغة تكبر بالمعرفة، والمجتمع المنتج للمعرفة تتطور معه اللغة. ودعا الوزير إلى تطوير الترجمة لأنها أساسية، كما دعا الاتحاد العربي إلى تعزيز هياكله بقسم للترجمة، ترجمة الأعمال العربية وإيصالها إلى الآخر.
عرّج الوزير على الدفاع عن القضية الفلسطينية، واصفا إياه بأنه أمر مركزي بالنسبة للجميع، ولا يعقل بعد هذا الوقت الطويل أن ننظر إلى القضية على أنها مستهلكة، بل هي تتجدد كل يوم، واستحضر مقولة البشير الإبراهيمي عام 1947: «إن غصن صهيون في فلسطين لا ينبت وإذا نبت فإنه لن يثبت».
لم يغفل الوزير ضرورة الاهتمام بالطفل الذي هو رأسمال هذه الأمة، يجب تفعيل الندوات المنظمة والاقتراب أكثر من الطفل.
دعا ميهوبي إلى تعزيز الحوار أكثر بين المثقفين، واعتمد مرة أخرى على اقتباس من كلمة رئيس الجمهورية:
«إن حاجتنا إلى السلم لا تمليها مسألة الاستقرار فحسب إنما هي جزء من ثقافة شعوبنا التي جبلت على المحبة واحترام الآخرين ولو كانوا خصوما. وإن حاجتنا إلى الحوار أيضا لا تمليها مسألة الحاجة إلى السلم والاستقرار والانسجام الاجتماعي فحسب، إنما لكون الحوار فضيلة إنسانية راقية لا يمكن الاستغناء عنها في بناء مجتمع منسجم ومترابط يجتاز كل احتقان بالحوار، وكل تشنج بالتشاور، وكل انسداد بتوظيف العقل توظيفا حكيما. وإذا كان الحوار الذاتي مسألة حيوية تفرض نفسها، فإن الحوار مع الآخر يشكل اليوم واحدة من القضايا التي تشغل بال العالم». انتهى الاقتباس. خلص ميهوبي إلى أن «الحوار مقرون بالاحترام والدفاع عن الحق في الاختلاف».


 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19448

العدد 19448

الأربعاء 17 أفريل 2024
العدد 19447

العدد 19447

الثلاثاء 16 أفريل 2024
العدد 19446

العدد 19446

الإثنين 15 أفريل 2024
العدد 19445

العدد 19445

الأحد 14 أفريل 2024