سليمة بن حمودة لـ “الشعب”

كرة اليد النّسوية عبّدت الطّريق لبـاقي الرّيـاضــات

حاورها: محمد فوزي بقاص

 ارتدت القميص الوطني من نهاية السبعينات إلى بداية الثمانينات، وكانت من بين أبرز لاعبات المنتخب الوطني لكرة اليد في تلك الفترة، بدليل أنّها لعبت مع أول منتخب نسوي تأهّل إلى مونديال الكرة الصغيرة. تحدّثت عن طفولتها وعن الصعوبات التي واجهتها وقتها لممارسة الرياضة، والتحديات الكبيرة التي قامت بها رفقة عائلتها لضرب عرض الحائط بكل ما كان يقال وقتها عن التي تمارس الرياضة. سليمة بن حمودة، الدولية السابقة تروي لنا جزءًا من تحدياتها، في هذا الحوار.
❊ الشعب: من هي سليمة بن حمودة؟
❊❊ سليمة بن حمودة: سليمة بن حمودة من مواليد 25 نوفمبر 1959 بالجزائر العاصمة، لاعبة سابقة في المنتخب الوطني لكرة اليد، نشأت وتربّت بحي المرادية بالعاصمة، متزوّجة وأمّ لثلاث أبناء.
❊ كيف بدأت قصّتك مع الرياضة وكرة اليد؟
❊❊ كنت أدرس في المتوسطة بالمرادية، وكانت لدينا حصص للتربية البدنية وقتها في البرنامج الدراسي، كنت أركض مع زميلتي “سيلات” في مضمار ألعاب القوى، وشاهدني يومها المدرب وهو أخ الزميلة، وبعد نهاية الحصة لاحظ بأنّي أركض جيدا ولديّ القامة الملائمة، فعرض عليّ لعب كرة اليد وكان ذلك سنة 1975، وكانت هناك الألعاب الجهوية أسبوع بعد ذلك في قسنطينة، فتعلّمت قوانين كرة اليد وتنقلت رفقة كل الذين تمّ انتقائهم، وخلال الألعاب كان هناك عديد المدربين لاكتشاف المواهب الشابة، وقتها كنت أبلغ من العمر 16 سنة، لاحظني المدربون وعلى رأسهم الألماني “هيبواك”، وعند نهاية الألعاب أخبروني بأنّي اخترت لأحمل القميص الوطني. وبدأنا نعمل، وما ساعدنا على النجاح مع المنتخب الوطني هو العمل الكبير الذي كنا نقوم به في الرياضة المدرسية وفي الفريق أين كان أول فريق لعبت له وقتها هو نادي “رياض أمل المرادية الجزائر” ما يسمى بـ “الرامة”، عملنا لمدة ثلاث سنوات دون انقطاع بعدها كان الموعد مع الألعاب الإفريقية لسنة 1978 هنا بالجزائر، أين تمكنا وقتها من نيل الميدالية الذهبية رغم كل الصعوبات التي كنا نعاني منها من نقص في الامكانيات والمشاكل مع العائلة خاصة الاخوة، لكن تشريف الجزائر والراية الوطنية وجعل جمهور قاعة حرشة حسان في قمة السعادة كان أحد أكبر أولوياتنا، وكان الجمهور وقتها حاضر بقوة ومشكّل من العائلات، وهو ما كان بمثابة الشيء الجديد والدخيل على المجتمع الجزائري. ويمكن القول أنّ كرة اليد النسوية هي التي عبّدت الطّريق للرّياضات النسوية بعدنا من أجل البروز، كما أنّها جعلت الجزائريين يحتضنون كرة اليد لتصبح لحد الآن الرياضة الثانية في الجزائر بعد كرة القدم مباشرة.
❊ عانيت الكثير في مشوارك الرياضي من نظرة المجتمع لك، كيف كنت تتجاوزين كل ذلك، خاصة مع الأهل؟
❊❊ من أصعب الأشياء التي عانينا منها وقتها هي رؤية الاحتقار للمجتمع للبنت التي كانت تمارس الرياضة، وحتى المحيط وفي العائلة، في السابق كانت هناك العديد من الموانع بالنسبة للمرأة، لكن ما ساعدنا على ممارسة كرة اليد هو أنها كانت تمارس في نطاق الدراسة، لأنّ الأهل بالنسبة لهم الدراسة هي الرقم واحد وكنا نمارس الرياضة باسم الدراسة، ففي المدارس كانت حصة التربية البدنية ضمن المقرر الدراسي. مع الفريق كانت الأمور سهلة لأن الحصص لم تكن تتعدى وقتا محددا وكان بإمكاننا تسيير الوقت، لكن كان لدينا مشكل واحد هي مباريات البطولة التي كانت تلعب يوم الجمعة، ووقتها كان شبه حرام أن تشاهد بنت يوم الجمعة في الشارع، وهنا سأفصح لكم عما كنت أقوم به، كنت أرتدي لباس الرياضة وفوقه أرتدي لباس المنزل أصعد إلى السطح وأقفز عند الجيران وأخرج من الجهة الخلفية من المنزل وأذهب لألعب المباريات في ملعب المرادية. وفي الكثير من الأحيان كنت أصل متأخرة، كنت أعشق كرة اليد وكانت عندي الإرادة. بعدها عندما تقدّمت في السنّ كان يجب عليّ أن أدخل في تربّص مع المنتخب الوطني، وهنا تطلّب الأمر تنقل المدرب إلى البيت للحديث مع أبي وجمعه لقاء مطول معه، وانتهى الحديث بشروط، “تلعبين في المنتخب الوطني بشرط تواصلين النتائج الجيدة في الدراسة”، وهنا ربحنا شيئين الدراسة والرياضة، لأنّي لعبت في المنتخب وكنت أدرس في الجامعة، فأنا مهندسة في الاحصاء والتخطيط.
❊ وكيف كان ردّ فعل العائلة في المرة الأولى التي ظهرت فيها على شاشة التلفزيون؟     
❊❊ أول مرة ظهرت في شاشة التلفزيون كان سنة 78 بمناسبة المباراة المؤهلة إلى الألعاب الإفريقية في قاعة حرشة أمام منتخب الكاميرون، الأب والأم كانا محرجين من كل ما سيقال بعد نهاية المباراة، لأن وقتها “عيب كبير ما كنت أقوم به، وكأني خرجت كما يقال عن الملّة”، وما زادني قوة هو أنّنا لما تمكنا من الفوز والتأهل إلى الألعاب، كان والدي يتحاشى كل ما يقال في الحي وفي المحيط العائلي، وهو ما جعلني أضحّي من أجل إسعاده لأنّي كنت أحب والدي كثيرا، وحتى هو ضحّى معي كثيرا، لكن بعدها بأشهر لما تمكنا من الفوز بالنهائي وجلب الميدالية الذهبية، كل الجيران تنقّلوا إلى البيت وقدِموا لتحية أبي وأمي لأنّهم أدركوا أني أمثّل الجزائر وشرّفت الألوان الوطنية رفقة زميلاتي، ومن هنا بدأ المجتمع يتقبّل أن تمارس الفتات الرياضة.
❊ وبعدها كانت المشاركة في كأس العالم، أليس كذلك؟
❊❊ سنة بعد ذلك كان الموعد مع كأس العالم بتشيكوسلوفاكيا، وكان أول فريق وطني للإناث يخرج من إفريقيا ليمثّل الجزائر في كأس العالم، لكن ما صدمنا هناك أنّهم كانوا يتوقّعون أنّنا نتواجد في إفريقيا فعاملونا بطريقة غريبة أين نصّبت لنا خيام في إحدى الغابات وهو ما رفضه الوفد الجزائري، فارتدينا البدلة الرياضة التي كانت تحمل اسم الجزائر رفعنا الراية الوطنية وبدأنا نمشي في شوارع تشيكوسلوفاكيا واحتجينا بقوة، وهو ما جعل المنظمون وقتها يقومون بكل شيء من أجل وضعنا في الفنادق مثلنا مثل الفرق الأوروبية الأخرى الحاضرة، ونفتخر بكوننا أول سفيرات للرياضة الجزائرية في العالم لأننا عرّفنا بالجزائر وبالمرأة الجزائرية، كنا نتحدث الإنجليزية ولعبنا جيدا رغم الاقصاء ووقتها كنت أصغر لاعبة في المنتخب.
❊ ما هو عدد المنافسات الافريقية التي لعبتها في الفريق وفي المنتخب؟
❊❊ لعبتُ 5 دورات للألعاب الإفريقية مع المنتخب الوطني، بطولتين إفريقيتين وبطولتين إفريقيتين مع مولودية الجزائر، لكن تبقى أحسن مكافأة لنا هو أنّه منذ 10 سنوات استدعانا وزير الشباب والرياضة آنذاك “برشيش” وقدّم لنا شهادة مدرب درجة ثالثة، عرفانا منه على الإنجاز الكبير الذي قمنا به بالتأهل إلى كأس العالم لأول سنة 1979 والتي كانت آخر مرة وقتها، إلى أن تمكّن المنتخب الوطني الحالي من لعب المونديال الثاني مؤخرا.
❊ متى توقّفت عن ممارسة كرة اليد؟
❊❊ بعدما تزوّجت بسنتين أي في 1986، وكانت ابنتي تبلغ من العمر سنة وكنت ألعب المبارايات وهي في المدرجات وكان الأنصار من يتكلّفون بمراقبتها، لكن نحن كنّا نتحلّى بالإرادة وحب الوطن والرغبة في تشريف الألوان الوطينة.
❊ حاليا ماذا تقوم سليمة بن حمودة؟
❊❊ في الوقت الحالي تخلّيت عن منصبي في وزارة المالية وأنا الآن امرأة أعمال لشركتي الخاصة للنسيج التي تحمل اسم “ليفوتيكس”.
❊ هل فكّرت في دخول عالم التدريب؟
❊❊ لم أكن أفكّر في هذا الأمر لأنّي تزوجت وأنجبت 3 أبناء وكنت أعمل بالوزارة، لم أفكر في دخول عالم الرياضة لكني لازلت دائما أتابع أخبار الرياضة الجزائرية بكل أنواعها وأنا على علم بكل ما يحدث، وتنقلت إلى قاعة حرشة لمناصرة المنتخب الوطني مؤخرا في كأس إفريقيا لكرة اليد. وما يمكنني أن أقوم به إذا طلبت منّي يد المساعدة أن أكون مستشارة رفقة زميلاتي لنفيد بخبرتنا، لكن للأسف عندما تتوقف عن ممارسة الرياضة في الجزائر ينسى الجميع أنك مثلت الجزائر وشرفت بلدك.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19453

العدد 19453

الأربعاء 24 أفريل 2024
العدد 19452

العدد 19452

الإثنين 22 أفريل 2024
العدد 19451

العدد 19451

الإثنين 22 أفريل 2024
العدد 19450

العدد 19450

السبت 20 أفريل 2024