محاولات يائسة للتّشويش على تقرير” روس”

المغالطات المكشوفة لدّبلوماسية المغربية

جمال أوكيلي

بعد الحملة السياسية الشّرسة التي شنّتها الأوساط الدبلوماسية المغربية ضد مسار السّلام في شمال مالي، فتحت خارجية هذا البلد جبهة أخرى هذه المرة، استهدفت الاتحاد الإفريقي ومحاولة إقصائه من مسؤولية تسوية القضية الصّحراوية، وهذا عشية التّقرير الذي سيعرضه روس أمام مجلس الأمن. وبالتّوازي مع ذلك، طلب القاضي الإسباني بابلو روز قوتيريز بإحالة ١١ مسؤولا عسكريا وسياسيا مغربيا على العدالة بتهمة ارتكاب أعمال إبادة ضد الصّحراويّين.

هذه التّطورات تأتي في ظروف خاصة، ألا وهي تزايد الأصوات الحرّة المطالبة بتقرير مصير الشّعب الصّحراوي، ودعوة القوة المحتلة المغرب الإنصياع لقرارات الشّرعية الدّولية، التي تؤكّد على حق الصّحراويّين في استقلال بلدهم. وقد دعّم هذه الاتجاه الثّابت والموقف الرّاسخ الاتحاد الإفريقي، الذي قرّر التحرك باتجاه الأمم المتّحدة لإخطارها بوضعية الشّعب الصّحراوي.
هذا المسعى الجديد للاتحاد الإفريقي أقلق مسؤولي الدبلوماسية في المغرب، الذين سارعوا إلى مراسلة بان كيمون لمحاولة الضّغط والتّأثير عليه قصد إبعاد الاتحاد من هذا العمل. ويتّضح من نصّ الرّسالة أنّ هناك تخبّطا وارتباكا لدى مزوار الذي تأثّر أيّـما تأثّر لمبادرة الاتحاد الافريقي في التكفل بالملف الصّحراوي  ومتابعته عن قرب، وإسناد هذه المهمّة النّبيلة إلى شخصية إفريقية محترمة ألا وهي جواكيم شيسانو، الذي له باع طويلة وتجربة رائدة في إدارة الملفات ذات الأبعاد التحررية مثل القضية الصّحراوية.
وليس من قبيل الصّدف أن يقع الاختيار على هذا الرجل، الذي يرفض المغاربة مهمّته حاليا، بل أنّ ذلك ترجمة حكيمة للقناعة التّامة السّائدة لدى مسؤولي الاتحاد الإفريقي بحتمية تسوية آخر مستعمرة في القارة السّمراء إن آجلا أو عاجلا.
ويتساءل الملاحظون عن هذا الرّفض القاطع الصّادر عن المغرب تجاه تكفل الاتحاد الإفريقي بالقضية الصّحراوية في الوقت الذي تهلّل جهات معيّنة لعودة هذا البلد إلى الحظيرة الإفريقية، كانت آخرها ما صرّحت به الوزيرة المنتدبة للشّؤون الخارجية والتّعاون المغربية السيدة امباركة بوعيدة بإثيوبيا، على أنّ بلادها بصدد دخول مؤسسات الاتحاد الإفريقي، لكن ما جاء في رسالة وزير الشّؤون الخارجية والتّعاون المغربية صلاح الدين مزوار يتناقض تماما مع هذه المحاولة. هناك مبادئ لا بديل عنها بالاتحاد الإفريقي، تتعلّق بأحقية الشّعوب التي ترزخ تحت نير الاستعمار منذ نيل استقلالها، وهذا الخيار قائم بذاته وهو سياسة عامة لا يمكن الحياد عنها، وما على هذا البلد إلا الإذعان لمثل هذا القرار القاضي بتقرير مصير الشّعب الصّحراوي.
وحاول المغرب في هذه الرّسالة تبرير ما لا يبرّر في ٥ نقاط نراها مجرّد تغليط الأمين العام للأمم المتّحدة، وهذا عندما يتحدّث في بدايتها عن فشل منظّمة الوحدة الإفريقية في تسيير هذا “الخلاف”. هذا غير صحيح من باب أنّ المغرب هو الذي رفض رفضا قاطعا آنذاك التّعامل مع هذه المنظّمة، واصفا إيّاها آنذاك بـ “تام تام”، أي أنّه لم يعترف بها كلية. والأكثر من هذا انسحب منها طيلة هذه المدة  منذ أن حصلت جبهة البوليزاريو على مقعد العضوية، كيف يعود اليوم وهو يحتل بلدا بأكمله وينهب ثراواته؟! عليه أن يكون تحت تصرّف الاتحاد الإفريقي، هذا هو السّبيل الوحيد للسّماح له بالعودة لأنّ الشّغل الشّاغل للأفارقة اليوم هو التحلي بالعزم والحزم تجاه قضية الشّعب الصّحراوي.
ونكتشف أنّ المغرب يستعمل لغة سياسية جديدة عندما قال: “الصّحراء مسألة أممية بحتة”، منذ متى هذا الكلام؟ لابد من التّأكيد في هذه المناورة أنّه استعمل أو ألصق بالإقليم مصطلح “مغربية”، وهذا مرفوض جملة وتفصيلا من زاوية أنّه يذر الرّماد في العيون، مادام الأمر هكذا لماذا يحيلها على الأمم المتّحدة؟ وماذا يريد من هذا المنتظم إلحاق الاقليم بـ “سيادته”؟ هذا غير مقبول..الأمم المتحدة وخاصة اللّجنة الرّابعة لا تزكّي الاحتلال أبدا، بل تطالبه بالإنسحاب الفوري. وبالتوازي مع ذلك فإنّ خطاب محمد السادس في ٤ نوفمبر ٢٠١٤ سار في اتجاه رفض الكل والجميع بما فيها الأمم المتحدة، ولا ينتظر المغاربة أي شيء من تداعيات المكالمة الهاتفية التي جرت بينه (الملك) وبان كيمون يوم ٢٢ جانفي ٢٠١٥، بخصوص إدراج آلية حماية حقوق الإنسان في مهمّة “المينورسو”.
فمنذ الـ ٧٠ والـ ٨٠ ما زال المغرب يجترّ نفس الطّروحات الرّامية إلى ضمّ الصّحراء الغربية، وهذا بمواصلة اتّهام الأفارقة بالانحياز إلى جهات معيّنة، متناسيا أنّ الأمر يتعلّق بتقرير مصير شعب تحت الاحتلال.
أما باقي النّقاط الأخرى وعددها ٤، فهي شكل من أشكال التّهديد المباشر لبان كيمون، وإملاءات واضحة على الأمم المتحدة. ومثل هذا الخطاب لا ولن يقبل به في التّعامل الدبلوماسي إلاّ في حالات الشّعور بالإحباط النّفسي والإنكسار الذاتي الذي ينتاب الدبلوماسية المغربية، لذلك فإنّ بان كيمون أو روس ينتميان إلى هيئة أممية يعملون وفق مبادئها، ومن الخطأ الإعتقاد بأن يوجهون من فلان أو علان، فالقضية الصّحراوية هي قضية تصفية استعمار لا أكثر ولا أقل، والأمم المتحدة تعمل في هذا الاتجاه لا تخضع لأهواء البعض أو تهديدات البعض الآخر.
11 جلاّدا مطلوبون للعدالة
وفي نفس الاتجاه أحدث قرار القاضي الإسباني بابلو روز قوتيريز لإحالة ١١ عسكريا وسياسيا مغربيا على العدالة هلعا في المغرب، جراء قيامهم بأعمال إجرامية في الصّحراء الغربية ما بين سنتي ١٩٧٥
و١٩٩٢، صنّفت في خانة الإبادة كانوا مسؤولين مباشرين على إلحاق الضّرر المادي بالصّحراويين، وهم عسكريون ورجال شرطة ودرك وحاكم السّمرا.
والتّهم الموجّهة لهؤلاء خطيرة جدا تكلّف مرتكبيها ثمنا باهضا، جرّاء ما اقترفوه من تقطيع لأطراف أسرى صحراويّين، من بينهم رضيع حديث الولادة، الحرق، القتل  بالصّدمات الكهربائية للاجئين في العيون، السمارا وأمغالا، وقد احتفظ القاضي ضدهم ٥٠ تهمة بالقتل، ٧٦ محاولة بالقتل و٢٠٢ اعتقال غير شرعي.
ويأتي هذا الطّلب للقاضي الإسباني عشية صدور التّقرير الأممي حول الصّحراء الغربية، الذي سيكون منصفا لصالح هذا الشّعب المكافح من خلال السّعي لتنظيم استفتاء عادل ونزيه، هذا ما أخلط أوراق المغاربة بعد أن استجاب أصحاب الضّمائر الحية  للنّداءات الصّادرة عن الصّحراويّين الأحرار في الأراضي المحتلة، الذين قدّروا اختفاء حوالي ٥٠٠ صحراوي.
ويكون لهذا العنصر الجديد تأثير قوي على مجرى التّقرير الأممي، وهذا عندما كشف القاضي الإسباني قائمة الأشخاص المتورّطين في هذه الأعمال الإجرامية تحت إشراف إدريس البصري، وبالأوامر المباشرة للملك الرّاحل الحسن الثاني، وكذلك التّهم المنسوبة إليهم.
هكذا يقف الرّأي العام العالمي على فصل جهنمي آخر من فصول الاحتلال المغربي للصّحراء الغربية منذ مسيرة العار، والأكثر من هذا فإنّ كل الطّروحات الوهمية أي ما يسمى “بالحكم الذّاتي” و«الأقاليم الجنوبية” سقطت سقوطا حرّا هذه المرة، بدليل أنّ الوجود المغربي في الصّحراء الغربية كان أسودا، ولا يمكن لهذا البلد أن يتهرّب من هذه اللّعنة التي تلاحقه يوميا. وفي مقابل ذلك تتلاشى تلك الإدّعاءات الباطلة  بخصوص ما يقوله هؤلاء عن الصّحراء الغربية لدى الآخر، ونعني الذين ذهبوا ضحية التّلاعبات مثل ما حدث في مهزلة منتدى كرانس مونتانا في الدخلة المحتلة أو التّصريحات المغرضة الصّادرة عن السياسي المريض جيل بارنيو البرلماني الأوروبي، الذي يتفوّه بأشياء لا يقدّر مداها وأبعادها بحكم تقاسمه الأدوار مع زميلته إينج قرايسي، الأول اقترح عقد ندوة حول الأمن بهذا البلد خلال الأشهر القادمة، والثانية ما تزال تثير مناورة المساعدات الإنسانية. هؤلاء نسيوا بأنّ هناك شعبا مقاوما لا يرضخ أبدا لكل أشكال الضّغوط من هنا وهناك، والتي تحاول  إفشاله وتثبيط عزائمه، هذا لن يكون أبدا لأنّ الأمر يتعلّق بقضية عادلة أصحابها عازمون على استراد حقوقهم بكل الوسائل المتاحة.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19432

العدد 19432

الأربعاء 27 مارس 2024
العدد 19431

العدد 19431

الثلاثاء 26 مارس 2024
العدد 19430

العدد 19430

الإثنين 25 مارس 2024
العدد 19429

العدد 19429

الأحد 24 مارس 2024