من شأنه أن ينقذ العملية السياسية ويسرّع الانتقال الديمقراطي

الفرقاء في جمهورية إفريقيا الوسطى يتوصّلون إلى اتّفاق سلام

أمين بلعمري

أخذت بشائر انفراج يلوح في أفق أزمة جمهورية إفريقيا الوسطى، أزمة عصفت  بهذا البلد ولا تزال منذ سنتين، وذلك عقب الإطاحة بالرئيس فرانسوا بوزيزي على يد حركة “سيليكا” شهر مارس 2013 قبل أن تنسحب من الحكم لصالح سلطة انتقالية برئاسة كاثرين بانزا سامبا وفق أجندة محدّدة، وهي القضاء على العنف والمواجهات الطائفية.

وتنظيم انتخابات كان من المزمع أن تجرى نهاية السنة الماضية إلاّ أنّ الأوضاع التي تعيشها البلاد حالت دون تنفيذ خارطة الطريق تلك، حيث تمّ تأجيل موعد الانتخابات بعد أن تبين أنّها تستلزم توفير ظروف أكثر ملائمة لعقد هذه الاستحقاقات التي يعلّق عليها آمال كبيرة في إنهاء المرحلة الانتقالية، وانتشال البلد من دوامة العنف والفوضى.
هل بدأ مسار المصالحة  ؟
لقد نجحت الأطراف المتنازعة خلال منتدى السلام الذي عقد بين الرابع والحادي عشر ماي الجاري في العاصمة بانغي، في التوصل إلى اتفاق سلام وقّعه كل من الجيش  والجماعات المسلّحة الأحد الماضي، وكانت من بين أهم البنود الذي تضمنّها هذا الاتفاق، نزع سلاح تلك الجماعات والتزامها بعدم اللجوء إلى السلاح  العنف كوسيلة للوصول إلى السلطة أو لتحقيق مآربها السياسية، بالإضافة إلى انسحاب القوات الأجنبية من البلاد، في حين ستدعّم الأمم المتّحدة هذا المسار بتوفير 10 آلاف جندي سيتم نشرها في البلاد.
هذا ومن شأن هذا الاتفاق أن يفكّك كل القنابل الموقوتة التي تفخّخ العملية السياسية في هذا البلد، خاصة بعد أن شهدت جمهورية إفريقيا الوسطى مواجهات طائفية أدّت إلى وقوع عملية تصفية عرقية غير مسبوقة في حق الأقلية المسلمة ــ التي تشكل نسبة 15 % من السكان ــ وذلك على يد عصابات “آنتي بالاكا” على مرأى ومسمع قوات “سنغاريس” التي كان قد اتّهمها تحالف “سيليكا”  بالتساهل مع تلك الجماعة المسيحية، وكذا بالانتقائية في عملية نزع سلاح الميلشيات ما أدّى إلى اختلال التوازن لصالح الطائفة المسيحية، وحوّل الأقليّة المسلمة إلى فريسة سهلة لعناصر تنظيم “انتي بالاكا” بعد أن تمّ تجريدهم من سلاحهم وتركهم دون أدنى دفاع، ما أدّى إلى عملية نزوح جماعي لمسلمي جمهورية إفريقيا الوسطى نحو الدول المجاورة هربا من القتل والاعتداءات المتزايدة في حقّهم، إلى درجة أنّ الأمين العام الأممي بان كي مون خرج عن صمته وندّد بتلك المجازر الشّنيعة.
قوات “سنغاريس” غير مرغوب فيها
إنّ لعنة الفضائح لا تزال تلاحق القوات الفرنسية وممارساتها في القارة الإفريقية، فبعد اتّهامها خلال المجازر الرواندية سنة 1994 بالتواطؤ مع المجرمين والسماح لهم بالفرار والإفلات من العقاب، تعرّضت قوات سنغاريس الفرنسية في إفريقيا الوسطى لانتقادات لاذعة فيما يخص الانتقائية في نزع أسلحة الجماعات المسلحة، وكذا بسبب فشلها في استعادة الأمن والقضاء على الفوضى في هذا البلد، حيث وعلى عكس ما كان متوقّعا شهدت وتيرة العنف ارتفاعا منذ تدخل العساكر الفرنسيين في جمهورية إفريقيا الوسطى، كما ازدادت حدة العنف والاقتتال بين الجماعات المسلّحة. ولم يقتصر الأمر على ذلك فقط حيث تمّ مؤخرا إماطة اللثام عن فضيحة أخلاقية جديدة هزّت أركان الجيش الفرنسي، وقد تسرّع في سحب فرنسا لقواتها من هذا البلد، ويتعلق الأمر هذه المرة باعتداء عساكر فرنسيين جنسيا ــ أثناء أداء مهامهم ــ على أطفال قصّر في جمهورية إفريقيا الوسطى، في حين لا تزال سياسة التّسويف
والمماطلة تكتنف هذا الملف الحساس، ممّا قد يزيد من الاحتقان الشعبي ضد بقاء هذه القوات التي واجهت بتنظيم الكثير من المظاهرات الاحتجاجية ضدها في العديد من المدن في جمهورية إفريقيا الوسطى منذ وصولها إلى هذا البلد، خاصة وأنّ الإدراك الجماعي في القارة الإفريقية لا يزال يرى في الجيش الفرنسي صورة المستعمر القديم الذي يريد العودة من جديد.
امتحان صعب
إنّ توصّل الأطراف المتنازعة في جمهورية إفريقيا الوسطى إلى اتفاق سلام سوف لن يترك للمجتمع الدولي أيّة حجة للتملص من مسؤولياته القانونية والأخلاقية اتجاه شعب هذه الجمهورية الإفريقية، الذي يرى في هذا الاتفاق طوق نجاة سينقذه من الغرق أخيرا،
وذلك بعد سنتين من المعاناة خلّفت أرقاما مخيفة من القتلى والنّازحين، وانتشارا كبيرا للأوبئة والمجاعة التي ازدادت بسبب تراجع المساعدات الإنسانية لهذا البلد الفقير، وذلك جرّاء شح التمويل.
وإذا كان هذا تعاطي المجتمع الدولي مع الوضع الإنساني في هذا البلد، فإنّه لا يمكن لهذا السيناريو أن يتكرّر في جانبه السياسي،  إذ لا يجب على المجتمع الدولي ترك هذه الجمهورية وشأنها خاصة وأنّ التوصّل إلى هذا الاتفاق يعتبر عربونا ثمينا يقدّمه شعب جمهورية إفريقيا الوسطى إلى المجتمع الدولي، الذي ليس عليه أكثر من مرافقة هذه العملية السياسية ودعمها بقوة لإنهاء أزمة أثقلت كاهل الأمم المتحدة، وأعيت شعبا بأكمله أصبح يفتقد إلى أبسط شروط العيش الكريم كإنسان مواطن.   

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19452

العدد 19452

الإثنين 22 أفريل 2024
العدد 19451

العدد 19451

الإثنين 22 أفريل 2024
العدد 19450

العدد 19450

السبت 20 أفريل 2024
العدد 19449

العدد 19449

الجمعة 19 أفريل 2024