الاتفاق النووي الإيراني والتطبيع الأمريكي- الكوبي

نهايــة آخــر فصــول الحرب الباردة

فضيلة دفوس

من أبرز الأحداث التي سجلتها السنة 2015 المودعة، والتي طوي من خلالها العالم ملفين معقّدين، طالما أرّقا العالم وتسبّبا في توترات بلغت في بعض الأحيان درجة التهديد بإشعال حروب ساخنة، هما الاتفاق النووي الإيراني وتطبيع العلاقات بين امريكا وكوبا.
أما بخصوص الاتفاق النووي الإيراني فقد وقع في 14 جويلية 2015، بعد مفاوضات ماراطونية بدأت عام 2006 بين الجمهورية الاسلامية الايرانية والقوى الدولية (مجموعة 5 + 1) التي تضم  الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، (الولايات المتحدة الامريكية، بريطانيا، فرنسا، روسيا والصين)، إلى جانب ألمانيا.
وقد وصف الاتفاق بالتاريخي وهو كذلك لأنه استطاع حل الأزمة التي كانت تعصف بمنطقة الخليج بسبب برنامج إيران النووي الذي كان الغرب يصرّ على أنه موجه لأغراض عسكرية، في حين أن نظام الملالي ظلّ دائما يؤكد بأنه سلمي.
  وقد شمل الاتفاق الذي احتضنت فيينا أطوار توقيعه تقليص النشاطات النووية الإيرانية ووضع المراقبة عليها مقابل رفع العقوبات الاقتصادية الدولية المفروضة عليها بصفة تدريجية.
وقد نصّ الاتفاق على أن العقوبات الأمريكية والأوروبية ذات الصلة بالبرنامج النووي الإيراني، والتي تستهدف قطاعات المالية والطاقة - خاصة الغاز والنفط والنقل - سترفع فور تطبيق طهران لالتزاماتها النووية التي يفترض أن يؤكدها تقرير للوكالة الدولية للطاقة الذرية..
أما العقوبات التي تفرضها الأمم المتحدة على الأسلحة، فستبقى خلال خمس سنوات لكن يمكن لمجلس الأمن الدولي أن يمنح بعض الاستثناءات. وتبقى أي تجارة مرتبطة بصواريخ بالستية يمكن شحنها برؤوس نووية محظورة لفترة غير محددة.
التعاليق على هذا الاتفاق التاريخي، أسالت الكثير من الحبر، وقد تباينت من جهة إلى أخرى، لكن من المهم الثناء على هذا الحدث أوّلا لأنه أتبث أهمية وإمكانية حلحلة الأزمات وتفكيك عقد القضايا عن طريق الحوار والمفاوضات، وثانيا لأنه أبعد شبح التوتر الذي كان يخيّم على الخليج، وثالثا لأنه أعاد إيران إلى العالم بعد عزلة دامت عقودا ورابعا وهو المهم لأنه بدأ يضفي بعض الانفراج على الأزمات المتفجرة بالمنطقة العربية المجاورة، حيث نسجل تحرّكا نحو حل الأزمتين السورية واليمنية عبر المفاوضات.
إنهاء قطيعة نصف قرن
وفي أقصى الطرف الآخر من العالم سجل العام المودّع حدثا لا يقل أهمية وصف هو الآخر بالاستثنائي وتمثل في إنهاء نصف قرن من  القطيعة بين كوبا والولايات المتحدة الأمريكية وطوى آخر فصول الحرب الباردة.
 ففي جويلية الماضي استأنفت الولايات المتحدة الأمريكية وكوبا علاقاتهما الدبلوماسية بعد قطيعة دامت 54 عاما في خطوة هامة نحو تطبيع العلاقات بين البلدين.
وقدّ مثل يوم 14 أوت 2015، يوما تاريخيا هاما لكوبا، فلأول مرة منذ عام 1945، وطأ وزير خارجية أمريكي أراضي آخر قلعة شيوعية وأشرف على فتح السفارة الأمريكية من جديد، لتكون مرحلة العد العكسي لإنهاء مسلسل التوترات السياسية التي تلت قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في جانفي 1961.
ففي عام 1961، وخلال الحرب الباردة، توترت العلاقات بشدة بين واشنطن وهافانا، التي كان يحكمها الثوريون الشيوعيون بقيادة فيدل كاسترو، وبعد محاولة يائسة لقلب نظام حكم القائد الكوبي، قام الرئيس الأمريكي جون كينيدي بقطع جميع العلاقات وإعلان الحصار الاقتصادي على دولة أمريكا الجنوبية التي ظلّت توصف بالمارقة.
الإنفراج
وعلى الرغم من الحصار الاقتصادي والقطيعة الدبلوماسية، التي أقرتها واشنطن على هافانا، فإن الدولتين قررتا بعد عدة أعوام عودة بعض التمثيل الدبلوماسي بينهما، ففي عام 1977، اتفقت الدولتان على تطبيع علاقتهما بفتح أقسام تتولى خدمة المصالح في العاصمتين، لكن تحت إدارة مكلف بأعمال يعمل من خلال سفارات دول أخرى.
وقد بدأت الانفراجة الحقيقية بين الدولتين في 17 ديسمبر 2014، بعد أن أعلنت الدولتان في وقت واحد عودة العلاقات الدبلوماسية، كما أكد الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، على تخفيف الحصار الاقتصادي المفروض، حيث أن إلغاءه بشكل نهائي يتطلب تصويت الكونغرس، الذي أبدى معارضة قوية لعملية التطبيع.
وفي 20 جويلية الماضي، منحت المباني التي كانت تستخدم كأقسام مصالح في العاصمتين صفة السفارة.
بالتأكيد سيظل طيّ الملف النووي الإيراني، واستئناف العلاقات الأمريكية - الكوبية، الحدثان السعيدان الأبرز اللذان شهدهما العالم في سنة 2015، وقد استطاعا فعلا أن يمنحا المجتمع الدولي بعض الغبطة والأمل في عالم تسكنه الأزمات والحروب والتوترات، وأكّدا بما لا يدع مجالا للشك بأن الخيارات السلمية هي الحلّ لكل المشاكل وليس السلاح كما يتوهّم المعتوهون.

 

 

 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19459

العدد 19459

الأربعاء 01 ماي 2024
العدد 19458

العدد 19458

الإثنين 29 أفريل 2024
العدد 19457

العدد 19457

الإثنين 29 أفريل 2024
العدد 19456

العدد 19456

الأحد 28 أفريل 2024