الدبلوماسية أكثر فاعلية في حلّ الأزمات

التقارب الأمريكي - الكوبي نموذج للمصالحة الدولية

س / ناصر

تأكيدا لمبدإ العلاقات الدولية القائل «لا صداقة دائمة ولا عداوة دائمة إنما هناك مصلحة دائمة» تبرز العلاقات الدبلوماسية بين كوبا والولايات المتحدة جلية بعد قطيعة دامت أكثر من نصف قرن أي منذ سنة 1961، وذلك بعد أن تدهورت العلاقات بين البلدين سنة 1959، بعد اندلاع الثورة الكوبية وقد عانى طيلة تلك السنوات الشعب الكوبي من أثر الحظر الاقتصادي الذي فرضته عليه الولايات المتحدة.
تعدّ عملية استئناف العلاقات الأمريكية الكوبية نقطة تحول في السياسة الأمريكية والتي انتهجها أوباما في سياسته الخارجية حيث ترى إدارته أن العقوبات الاقتصادية لا تجدي نفعا وأن العزل السياسي كذلك لا يتطلّع للآمال التي ترجوها أمريكا من علاقاتها مع الدول، فيما يتعلّق بحقوق الإنسان والإصلاحات السياسية خاصة بالنسبة للنظم الشمولية.
فقد كانت أمريكا تعتبر كوبا من الدول الداعمة للإرهاب منذ عام 1982، وترى في النظام الشيوعي تناقضا للاديولوجية التي تنادي بها الولايات المتحدة إلى أن جاء ت إدارة اوباما التي عزمت على التقارب، حيث نادت بالحوار مع الخصوم بدلا من مهاجمتهم معتبرة الدبلوماسية أكثر فاعلية في حلّ الأزمات من إبقاء العداوات القديمة، وبذلك أصبح التقارب بين البلدين نجاحا لكليهما وخاصة بالنسبة لأوباما لأن التاريخ في نهاية عهدته سيسجل بأنه استأنف العلاقات مع إيران بالاتفاق النووي وأرجع العلاقات المنقطعة مع كوبا مدة 53 سنة بالرغم من الخلافات الإيديولوجية بين البلدين (امريكا / إيران، أمريكا / كوبا).
غير أن هذا التقارب يواجه عقبات يفرضها الكونغرس الأمريكي الذي يتحكمّ فيه الحزب الجمهوري الذي يهاجم سياسة الانفتاح لإدارة اوباما ويعتبرها هزيمة للسياسة الأمريكية وضعفا للرئيس أوباما، حيث لم يجز رفع الحظر الاقتصادي كاملا ورفض سفر الأمريكيين إلى كوبا، ويرى الجمهوريون أن خطوة أوباما لإعادة العلاقات لن تعدل النظام الشيوعي الكوبي عن القيام بأي إصلاحات وكذا الوضع بالنسبة لإيران، ويبقى نجاح أوباما في هذا الانفتاح مرتبطا بمدى التزام الدولتين بتحقيق الإصلاحات المرجوة.
 اعتبر الكثير من دارسي العلاقات الدولية وبعض قادة الدول التقارب الأمريكي الكوبي بادرة حسنة وبداية انفراج ونهاية لخلافات دامت أمدا طويلا لم يستفد منها أي منهما بل كانت في غير صالح البلدين وشعبيهما، كما دعا بابا الفاتيكان «فرانسيس» في تصريح له بمطار هافانا أثناء استقباله من قبل الرئيس كاسترو كوبا والولايات المتحدة إلى مواصلة تحسين العلاقات بينهما، معتبرا ذلك نموذجا للمصالحة في العالم لاسيما بالمناطق والدول التي تعرف صراعات مسلحة الرابح فيها خاسرا.
وأعرب الفاتيكان عن أمله في أن يرفع الحظر المفروض عن كوبا منذ 53 سنة وتحسين حالة حقوق الإنسان بعد أن افتتحت السفارتين بالبلدين.
وشكّل إعلان أوباما رفع الحصار الإقتصادي والمالي على كوبا أحد التحولات الكبرى في العلاقات بين البلدين، خاصة أنه اعترف في أحد خطبه أن سياسة العزل المتبعة ضد كوبا لم تأت بنتائج ايجابية معلنا فتح صفحة جديدة بين البلدين.
جذور الخلاف
لقد شهدت العلاقات بين الولايات المتحدة وكوبا قطيعة دبلوماسية بعد تولي «فيدال كاسترو» وحكومته الشيوعية حكم البلاد، وبعد أن أدرجت أمريكا الحكومة الكوبية في قائمة الدول الراعية للإرهاب عام 1982، حيث اتهمت بحماية متمردين كولومبيين ومناضلين من الباسك وأمريكيين هاربين والتي قال «جون كيري» بشأنها أنه سيتم مراجعة الأمر ومن المقرر أن يرفع اسم كوبا من قائمة الراعين للإرهاب. كما أن تدهور العلاقات بشكل جذري كان عقب الثورة الكوبية عام 1959، وفرض حظر اقتصادي على كوبا، وكان قد تمّ تعليق عضوية كوبا في المنظمة عام 1962، ولم تشارك في قمة الأمريكيتين التي عقدت لأول مرة عام 1994 كتجمع لمنظمة الدول الأمريكية.  وكان التدخل الأمريكي في كوبا متواصلا، لأن هافانا تقع على مسافة 90 ميلا فقط من الجزر، وغوانتانامو كقاعدة بحرية أكدت أمريكا بخصوصها على حقّها في التدخل في كوبا، حيث احتل مشاة البحرية الأمريكية كوبا بشكل متكرر وسرعان ما استولى الأمريكيون على ملكية أغلب مزارع قصب السكر المربحة وهو الهدف الإقتصادي من التدخل الأمريكي وكان الجنرال «باتيستا»الذي أطاح به «كاسترو» آخر حلقة في سلسلة طويلة من الحكام القمعيين الذين نصبتهم الولايات المتحدة وكانت ثورة «كاسترو» تهدف إلى خلق اقتصاد حديث ومتنوع.
وكان في إصلاحات «كاسترو» الزراعية وعمليات التأميم التي بدأت عام 1959، إزعاجا شديدا لمصالح السكر الأمريكية وبفرض قيود تجارية جديدة وخفض صادرات السكر الكوبية المسموح بها إلى الولايات المتحدة وفرض الحظر على الصادرات الأمريكية من النفط والغذاء إلى كوبا تحول «كاسترو» باتجاه الاتحاد السوفياتي لسدّ الفجوة أصدر رئيس الإستخبارات المركزية بإسقاط النظام الجديد الأمر الذي أدى إلى غزو خليج الخنازير الكارثي عام 1961 وأعطي الضوء الأخضر لأغتيال «كاسترو» في عام 1962، ولقنت روسيا الولايات المتحدة درسا بإقامة صواريخ نووية في كوبا خلسة ما أثار أزمة ولكن ولحسن الحظ أنقذت الإنسانية من دمار محقّق بفضل ضبط النفس من قبل «كينيدي وخروشوف» فسحبت الصواريخ الروسية وتعهدت الولايات المتحدة بعدم شن غزو جديد.
ورفعت منظمة الدول الأمريكية تعليق عضوية كوبا عام 2009، إلاّ أنّ هافانا لم تطلب رسميا عودتها على الرغم من أن جميع دول أمريكا اللاتينية تقريبا طلبت حضور كوبا للقمة.
الآثار الايجابية للتقارب وتخفيف الحصار
لقد تمّ الإعلان عن التقارب بين البلدين بعد أن توصلا إلى اتفاق لمبادلة سجناء وتخفيف الحظر الاقتصادي وفتح السفارات خلال خطابين متزامنين بين الرئيسين الأمريكي والكوبي، حيث سارعت دول عدة بالترحيب بهذا التقارب معتبرة أياه تصحيح تاريخي وتطبيع العلاقات يرمز إلى انتصار الأخلاق والقيم الانسانية، لكن بعض الدول القليلة والنواب الجمهوريون اعتبروه ضعفا وهزيمة للرئيس أوباما. إن السياسة الجديدة رفعت من قيمة المبالغ المسموح بتحويلها من الولايات المتحدة إلى كوبا، حيث يعتمد أغلبية الكوبيين على المال الذي يرسله أقاربهم المقيمون في الولايات المتحدة، حيث أصبحت ألفي دولار في مدة ثلاثة أشهر بعد أن كانت لا تتجاوز 500 دولار في نفس الفترة الزمنية، كما يمكن للشركات الأمريكية أن تبيع لكوبا بضائع تشمل معدات البناء ومستلزمات المزارع وبضائع المقاولين، كما يسمح للأمريكيين المسافرين لكوبا بجلب بضائع معهم بقيمة 400 دولار.

 

 

 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19457

العدد 19457

الإثنين 29 أفريل 2024
العدد 19456

العدد 19456

الأحد 28 أفريل 2024
العدد 19455

العدد 19455

الجمعة 26 أفريل 2024
العدد 19454

العدد 19454

الخميس 25 أفريل 2024