عاش ورحل بنفس القناعة

فيدال كاسترو..الثّائر الوفي لمبادئه

سعيد بن عياد

عاش الثّائر فيدال كاسترو وفيّا لمبادئه، ورحل بنفس الصّورة الأصلية لمناضل لم يخضع للضغوطات والابتزاز الذي تحمّلته كوبا لعقود طويلة جراء حصار ظالم لم ينل من شعبه الطيّب.

كانت للرجل منذ أن أسقط الدكتاتورية وتصدّى للمرتزقة، الذين حاولوا قلب نظامه مواقف لا غبار عليها سطّرها بإرادة فولاذية، بحيث وقف الند للند مسلّحا بالموقف الثابت في وجه خصومه غير مبال لجبروتهم، وغطرستهم مصمّما على المضي بمثله العليا والدفاع عن قناعته الثورية المتضمنة للقيم والمبادئ العالمية السامية.
لم يكن غريبا عن كاسترو المتشبّع بقيم العدالة والحريص على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية وحرية الإنسان مهما كان فقيرا أو معوزا أو مهمّشا أن يكون من أبرز أصدقاء الجزائر منذ كانت الثورة التحريرية تحقّق آخر مراحل دحر الاستعمار ووقوف الشّعب الجزائري على قدميه يتطلّع لمستقبل رسمت ثورة التحرير معالمه.
وارتفعت على مرّ السّنوات أسهم فيدال لما بقي ثابتا في خندقه حتى بعد سقوط جدار برلين وانهيار الثّنائية القطبية، بل اشتد صلابة أمام كل ما انجر عن الحصار، الذي ألحق أضرارا بشعبه الصبور ليقوده إلى أن تحّول إلى رقم صعب في معادلة العلاقات الدولية فيحسب له ألف حساب، خاصة بعد أن تحقّقت ثمار المسيرة على صعيد التعليم النوعي والتحكم في قطاعات ترتبط بالإنسان على غرار الطب والأدوية.
لم يكن الزعيم الكوبي الذي قد يتّفق معه البعض ويختلف معه البعض الآخر مغامرا أو متهوّرا، بل كان يقود ثورة ضد الظلم والاستغلال والاحتقار للجنس البشري، منطلقا من أرضية تكوينه القانوني وممارسته للمحاماة التي لم يحقّق من خلاله حلمه بأن يرى شعبه حرا شريفا لا يتسلّل إليه الضعف أو الشك مهما كانت تحديات الظرف.
أكثر من هذا كان للراحل فيدال دور بارز في المشهد العالمي، حيث لم يكن يتلاعب أبدا بالكلمات أو يراوغ لمّا يتعلق الأمر بالقضايا العادلة، فيقول الحقيقة صراحة في الوجه غير آبه بمناورات الخصوم ومشاريعهم الهدّامة بما في ذلك محاولات عديدة لاغتياله، لكن احتضانه من طرف شعبه «الفقير» ماديا والغني أخلاقيا، أعطاه ذلك الزخم ليكون في صدارة المتصدّين للعولمة المتوحّشة.
وبالفعل واصل فيدال طريق الثورة بكل تناقضاتها ونجاحاتها وانكساراتها ليكون مثل الشّوكة في حلق قوى الطغيان العالمي، وشركاتها المهيمنة على ثروات الشعوب، فلم يتراجع خطوة ولم يقايض موقفا، ولم يتنصّل من مسؤولياته الدولية تجاه الشّعوب المستضعفة، الأمر الذي منحه التقدير حتى من بعض خصومه التقليديين معترفين ولو في صمت بفشل مشروع تركيع كوبا التي تجاوز شعبها مرحلة الجوع بعد أن أمسك بخيوط العلوم والتكنولوجيا.
وليس غريبا أن يكون رحيله خسارة للجزائر التي تقاسمت مع كوبا منذ البداية مبادئ التضامن العالمي من أجل كرامة الإنسان وحق الشعوب في التنمية والازدهار من خلال امتلاك مفاتيح العلوم والتطور التي ترفض قوى عالمية نافذة وشركات عابرة للحدود منحها لبلدان العالم الثالث، التي وإن فقدت صديقا بهذا الثقل فإنّها لم تفقد بلده كوبا، التي تواصل مسيرتها بانفتاح هادئ لكن بتصميم قوي، على أن تبقى الرقم الثابت في الصراع بين حرية الشعوب وحقوقها في التنمية وطغيان الرأسمالية المتوحشة التي لا غرابة أن يقيم قادتها المتعجرفون مآدب سوف يحضر فيها ظل الرجل فتتحوّل أحلامهم إلى كوابيس.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19448

العدد 19448

الأربعاء 17 أفريل 2024
العدد 19447

العدد 19447

الثلاثاء 16 أفريل 2024
العدد 19446

العدد 19446

الإثنين 15 أفريل 2024
العدد 19445

العدد 19445

الأحد 14 أفريل 2024