بين قرارات الرّوس وحسابات الأمريكيّين

حلب تفرض وجهة النّزاع سياسيا

جمال أوكيلي

بمجرد أن أعلن الرّوس توقيف القصف الجهنّمي على حلب، قفز الأمريكيّون على هذه الفرصة بأخذ زمام المبادرة فورا وتغيير المشهد الإعلامي باتجاه اللّعب على حبل قرار توريد الأسلحة إلى المعارضة السّورية، واضعا الأطراف الفاعلة في إدارة هذا الملف أمام قراءات لا بداية ولا نهاية لها. وبالتّوازي مع ذلك فإنّ الدّعوات المطالبة باستئناف الحوار بين المنازعين تزداد تجذّرا عقب أن سئم الجميع من مأساة الحرب التي طال أمدها.

هذا التحوّل في الأحداث خلّفته الغارات الرّوسية المتواصلة على حلب، والتي أدّت إلى سحق الإنسان والعمران من أجل إخراج المسلحّين من تحصيناتهم وإعلان المدينة محرّرة بشكل رسمي، إلاّ أنه وإلى غاية اليوم فإنّ الخيار يتوجّه إلى الفعل السياسي، لعلّ وعسى يغطّي كل ما جرى إلى غاية اليوم.
الأمريكيّون التزموا الصّمت المطبّق عندما كانت حلب تحت القصف الرّوسي، ولم نطّلع على أي تصريح في هذا الشّأن ممّا أثار استغراب المتتبّعين لهذا الموقف، وخلال هذه الأثناء نطق دي ميستورا باقتراح «الإدارة الذّاتية» للمدينة، غير أنّها جاءت في سياق موازين قوى كان لصالح روسيا، لذلك رفضه السوريون بصفة قطعية، هذه الفكرة لم تمر عندما تغلّب عليها الميدان، وقد أخطأ المبعوث الأممي في ذلك.
وأمام هذا الفراغ تفاجأ الرّأي العام  لما أقدم عليه أوباما من رفع الحظر المفروض على توريد الأسلحة لحلفاء واشنطن في مجال مكافحة الإرهاب في سوريا، وأنّ مذكّرة أرسلت إلى كتابة الدولة ووزارة الدفاع تبرّر بأن ذلك له أهمية قوية لمصلحة الأمن القومي الأمريكي.
مباشرة سجّلت مواقف صارمة من روسيا، التي رأت في مثل هذا العمل تشويشا واضحا وصريحا تجاه المساعي الرّامية إلى إحلال السّلام في هذا البلد.
ولم يتوان المتحدّث باسم الكرملين السيد ديميتري بيسكوف بالقول أنّ حصول الإرهابيّين على الصّواريخ المضادّة للجو، المحمولة على الكتف يشكّل خطرا على القوات الرّوسية العاملة في سوريا والدول الأخرى، لذلك علينا أن ندرك ما هو الهدف الرّئيسي من وراء هذا القرار وفهم نواياه وتفاصيله؟
هذا الرد الرّوسي السّريع بدّد مخاوفه وزير الخارجية لافروف عندما أوضح أمام نظيره الألماني بهاسبورغ بأنّه لن يؤثّر على الوضع في حلب كثيرا بسبب حصار المجموعات المسلّحة وصعوبة حصولها على تعزيزات عسكرية، مؤكّدا في هذا الإطار بأنّ إعادة تسليح المعارضة السّورية خطرا كبيرا للغاية، وأنّ الغالبية العظمى من الأسلحة التي تصل ستقع في يد الإرهابيّين تنظيمي داعش أو النصرة.
وتلك الإشارات الأولية الأمريكية فهمها الرّوس جيدا، وهذا عندما استطاعوا جرّهم إلى طاولة التّفاهم للاتّفاق على حلول ثنائية غايتها إخلاء حلب الشّرقية، ونقل المقاتلين إلى نقاط أخرى، وهذا ما يبحث عنه الرّوس في الوقت الراهن، وهذا في حد ذاته حرص على أنّ ما فعله هؤلاء في حلب لا يذهب سدى، ولابد من استرجاعها إلى حاضنة من استمر في قصفها إلى غاية إعلانه وقف التدمير والمفاوضات تجري على الجزئيات أي إبعاد المسلّحين خارج المدينة، الذين لم يخرجوا خلال إلقاء عليهم أطنان من القنابل.
وضمن هذا السياق، أورد المتحدّث باسم الخارجية الأمريكية مارك تونر أنّه ليس هناك أي حل عسكري للصّراع في سوريا، مضيفا حتى ولو تمكّن النّظام السوري بمساعدة روسيا من استعادة حلب، فهذا لا يعني أنّ النّزاع سيتوقّف، مؤكّدا بأنّ المعارضة لن تلقي سلاحها ولكنها ستستمر في القتال، وأنّ بلاده على اتّصال مع المعارضة المعتدلة في حلب.
هذا التّصريح يبين أنّ أي تسوية في الأفق تتطلّب أن تكون مرجعيتها طاولة الحوار، لتسليم المدينة مقابل ضمان خروج المسلّحين.
وإن كان الرّوس والأمريكان يحوزان على أرضية تفاهم على مستوى معين في إطار حسابات إقليمية للدخول في منطق «لا حرب ولا سلم»، فإنّ أصوات أخرى ارتفعت معلنة فتح باب الحوار والعودة إلى جنيف.
وهكذا أعربت الخارجية السّورية عن استعدادها لاستئناف الحوار، مع الجماعات المعارضة، دون تدخّل خارجي أو شروط مسبقة، ومن جهة صرّح دي ميستورا أنّه حان الوقت للنّظر بجدية في إمكانية إحياء محادثات سياسية لتسوية الأزمة السّورية، معتبرا أنّ الانتصارات العسكرية ليست انتصارا للسّلام.
من هنا تبرز الإرادة السياسية الأولية في الذّهاب إلى آفاق أحسن، ألا وهي التوصل إلى حل يكون في مستوى طموحات لافروف، كيري ودي ميستورا.
فما هو مضمون هذا الحوار في حالة إجرائه؟ ما وقع على الأرض سيغيّر الاتّجاهات ويحدّد مكان كل واحد، وحتى وزنه، والرّوس هم الأقوى اليوم، وسيملون شروطهم على الذين هم في درجة أقل من حيث المواجهة، لذلك فإنّ ما كان من مطالب كالمرحلة الانتقالية وإجراء الانتخابات لن تطرح مرة أخرى لأنّ أصحاب هذه الأفكار ليسوا في مرتبة تسمح لهم بذلك من حيث الحضور في الميدان، فعلى ماذا سيتحدّث هؤلاء؟ هل بخصوص إعاداة إعمار المنطقة؟ فهذا ليس من صلاحياتهم ما دامت أنّها خرجت عن سيطرتهم، وما معنى حوار بدون شروط مسبقة؟ هذا ما يعني أنّ المرحلة القادمة ستكون صعبة ومعقّدة في جانبها السياسي، أما العسكري فإنّه في وضع يأمل الجميع أن يراه منتهيا في أقرب وقت.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19454

العدد 19454

الخميس 25 أفريل 2024
العدد 19453

العدد 19453

الأربعاء 24 أفريل 2024
العدد 19452

العدد 19452

الإثنين 22 أفريل 2024
العدد 19451

العدد 19451

الإثنين 22 أفريل 2024