التغيير لم يكن غير عسل مسموم

6 سنوات على «الربيع الدموي» ولا بوادر انفراج في الأفق

فضيلة دفوس

تمر السّنوات مثقلة بالهموم والأزمات، تجرّ بعهضها البعض باحثة عن مخرج من المأزق الذي دخلته بلدان «الرّبيع الدموي»، لكن دون جدوى، فأبواب الانفراج والأمن لا زالت موجدة، ومفاتيحها تخفيها جهات همّها أن يبقى العنف والموت يلتهمان أبناء الوطن العربي، لا لذنب اقترفوه، سوى لأنهم نشدوا التغيير، فإذا بهم يجدون أنفسهم يساقون إلى هاوية الحرب المدمّرة.
 ما يقارب الست سنوات تمرّ على اندلاع وإشغال الحروب والاضطرابات والفوضى الأمنية في بعض البلدان العربية يلهب «البوعزيزي» المحترف، ولا تظهر في الأفق بوادر انفراج على الأقل في الوقت الراهن، ليبقى الصّراع الدموي سيّد الموقف في سوريا تغذيه التدخّلات الخارجية والتعنت الداخلي لهذا الطرف وذاك دون مبالاة بما يكابده الشعب الشقيق هناك من مآسي مروّعة فمن سلم من الموت أو الاصابة الجسدية والنفسية تحوّل إلى نازح في الداخل أوالجئ في الخارج يركب مخاطر البحار، وإن ساعفه الحظ ووصل إلى الضفّة الأخرى سالما، فهناك تضيع كرامته وتهدر إنسانيته التي تتقاذفها الدول المستقبِلة الرافضة لوجوده، والتي تصرّ دائما على اعتباره خطرا على أمنها حتى إشعار آخر.
بين بلاد الشّام والرّافدين..المأساة واحدة
المأساة لا ترسمها الصّورة القاتمة للأزمة السّورية فقط، ففي الجوار لازال العراق تائها يبحث من مخرج  للوضع الأمني المزري الذي يعيشه منذ ١٣ سنة، ولا يبدو جليّا بأنّ القنابل الموقوتة التي تركها الاحتلال قبل انسحابه، من طائفية وعنف وانقسام وانهيار اقتصادي وتدخّل إقليمي مؤجّح ومدمّر، ستفكّك قريبا، بل على العكس فهي مستمرّة في تحويل أيام بلاد الرّافدين الجريح الى مسلسل لامتناهي من الدم والموت والدّمار، وقد زادها تنظيم «داعش» الدّموي مأساوية وفظاعة.
حرب بالوكالة في اليمن
وغير بعيد يعيش اليمن حالة شادّة، إذ تحوّلت أزمته من أزمة تغيير نظام إلى حرب بالوكالة ساحتها الأراضي اليمنية ووقودها أبناؤها لكنّها في الواقع تقوم ببثّ أطراف إقليمية فضّلت أن تصفى حساباتها على حساب اليمنيّين الذين  يجدون أنفسهم يدفعون الثّمن الغالي في حرب فرضت عليهم كأمر واقع دون أن يتمكّنوا من تغيير هذا الواقع.
بوصلة النّجاة مفقودة في ليبيا
وبينما يهزم الوضع اللّبناني كل النّظريات السياسية ليؤكّد بأنّه بإمكان أي دولة أن تعيش بدون رئيس، ولا تنزلق إلى العنف والفوضى، فإنّ ليبيا لازالت تبحث عن بوصلة النّجاة وطريق  الخلاص بعدما وجدت نفسها تدخل متاهة العنف والفوضى والانقسام.
الوضع اللّيبي يشكّل حالة استثنائية مقارنة بباقي بلدان «الرّبيع المريع»، فهي تخلّصت من النّظام السّابق بتدخّل
«الناتو»، وكان الاعتقاد حينها بأنّ الانتقال سيكون سهلا، لكن الذي حصل أنّ الوضع كان أصعب ممّا تصوّره الجميع، فليبيا كانت تفتقر إلى المؤسّسات السياسية وما كان موجودا تمّ تدميره، فانهارت الدولة تماما وكان لزاما إعادة بنائها مؤسسة تلو الأخرى.
وقبل وضع اللّبنة الأولى ظهر جليّا بأنّ عملية التّهديم أسهل بكثير من عملية البناء، وبرزت في الطّريق مطبّات وعراقيل يضعها هذا الطّرف وذاك، إذ انقسمت ليبيا إلى مناطق وقبائل وجماعات سياسية كل واحدة يتبعها تنظيم مسلّح، واحتلّت لغة العنف والسّلاح مكان لغة الحوار، واختلط الحابل بالنّابل بعد أن استباحت أطراف خارجية لاهتة وراء النّفط، التدخل كل طرف يدعّم جهة داخلية ما صعّد العنف ووسّع الشّرخ وبات في ليبيا أكثر من حكومة وأكثر من برلمان وأكثر من جيش، وفي خضم هذا الانزلاق الخطير نجحت جهود الأمم المتحدة مدفوعة بتحرّكات دول الجوار تتقدّمها الجزائر، في تشكيل حكومة وفاق وطني تسلّمت مهامها بصعوبة ومشقّة قبل أشهر، لكنّها لم تستطع إلى حد الآن الحصول على ثقة البرلمان، وهي مازالت تبحث عن الاجماع الوطني الذي يعتبر طريق الخلاص الوحيد.
إنهاء الانقسام ضرورة حتمية لوضع قطار السّلام والاستقرار اللّيبي على سكّته الصّحيحة، كما أنّه السّبيل الوحيد لإنجاح الحرب على الارهاب التي تشكّل التحدي الأكبر بالنّسبة لأبناء وأحفاد شيخ الشّهداء عمر المختار ليتوجّهوا بعد ذلك إلى إعادة بناء ما دمّرته الفوضى الأمنية وترسيخ الديمقراطية الحقّة، وبناء مؤسّسات الدّولة التي لا تزول بزوال الرّجال.
ورغم الصّعاب، فالأمل كبير بأن يدرك الأشقّاء اللّيبيّون بأنّ الوقت حان لوقف سياسة جلد الذّات التي أدمت الوطن وباتت تهدّد الجوار.
بلدان «الرّبيع الدّموي» تدخل قريبا عامها السّادس من اللاّأمن وعدم الاستقرار، والمؤكّد اليوم أنّ الجميع يدرك بأنّ التّغيير لم يكن إلا عسلا مسموما قدّم للشّعوب العربية نهاية ٢٠١٠ وبداية ٢٠١١، والعلاج لن يخرج عن إطار الجنوح إلى السّلام والبحث عن مخارج وتسويات سلمية يلتف حولها الجميع لإخراج المركب إلى برّ الأمان.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19454

العدد 19454

الخميس 25 أفريل 2024
العدد 19453

العدد 19453

الأربعاء 24 أفريل 2024
العدد 19452

العدد 19452

الإثنين 22 أفريل 2024
العدد 19451

العدد 19451

الإثنين 22 أفريل 2024