تسارع وتيرة الجهود الدبلوماسية للتّسوية

بواعث التّفاؤل ومكامن الصّعوبات في الأزمة اللّيبية

حمزة محصول

تزايد التّفاؤل بانفراج قريب للأزمة في ليبيا، منذ مطلع الشهر الجاري، واعتبرت اللّقاءات الثّنائية لقادة الأطراف البارزة في المشهد مؤشّرات قوية على ذلك. وبين التفاؤل ومعطيات الواقع الميداني، يتّضح أنّ طريق الانفراج تملؤه عقبات داخلية وخارجية لا تحتاج لتخطّيها سوى لإرادة الليبيين وحدهم.
في 24 أفريل الماضي، ودون تسريب مسبق للمعلومة، ظهر رئيس المجلس الأعلى للدولة الليبية عبد الرحمان السويحلي ورئيس مجلس النواب (برلمان طبرق) جنبا إلى جنب، في جلسة ثنائية بالعاصمة الايطالية روما، كان ذلك أوّل لقاء مباشر بين مسؤولين بارزين لمؤسستين بارزتين تختلفان في كثير من الأمور بشأن حل الأزمة السياسية الليبية.
لم تمض سوى أيام قليلة على هذا اللقاء، حتى أقلعت طائرتا رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني فائز السراج والقائد العام للجيش الليبي اللواء خليفة حفتر، من ليبيا نحو العاصمة الإماراتية أبوظبي، أين اجتمعا لأول مرة وكان ذلك في 02 ماي الجاري.
استبشرت قوى داخلية وخارجية بما أطلقت عليه «اللقاءات بين المسؤولين الليبيين»، واعتبرت أنّها خطوة جريئة في الاتجاه الصحيح، وتنتظر بترقّب شديد ما سينتج عنها كخطوات فعلية تدفع عجلة الحل نحو الأمام.
ومن الواضح أنّ حالة التوتر الشّديد التي سبقت لقائي روما وأبوظبي انخفضت بشكل كبير، وشهدت الأسابيع الأخيرة كثافة معتبرة للجهود الدبلوماسية الداعمة لحل سياسي، وتسريع وتيرة التنسيق والتواصل بين كافة الأطراف.
دواعي التّفاؤل
على الرغم من عدم إحراز تقدّم واضح واستمرار حديث الجميع على «أهمية حل سياسي توافقي بين الليبيين وبناء مؤسسة واحدة للجيش الليبي والأجهزة الأمنية ومحاربة الإرهاب، والتكفل السريع بالمطالب الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين»، دون أن يظهر لذلك أثر في الميدان، يمكن رصد مؤشرات قوية جدا على مستقبل أفضل لليبيا.
أولى هذه المؤشّرات تكمن في تمسّك كافة الليبيين بالوحدة الترابية والوطنية للدولة وسيادتها، ورفض كل محاولات التقسيم التي لاحت كشبح مخيف في الأشهر الماضية.
وشدّدت دول الجوار في اجتماع وزراء خارجيتها الـ 11 بالجزائر على وحدة ليبيا، واعتبرتها من الثوابت غير القابلة للتنازل أو التفاوض أو المساومة، مقدّمة دعما كبيرا في هذا المجال للشّعب اللّيبي.
وبعد اجتهادات دبلوماسيّين غربيّين في طرح حلول تقوم على تجزئة البلاد الغنية بالنفط إلى 3 دويلات، رفضت المجموعة الدولية كل هذه المقترحات جملة وتفصيلا، وأكّد المبعوث الشخصي للأمم المتحدة إلى ليبيا مارتن كوبلر على وحدة ليبيا، واستثنى هذه الأفكار المدمّرة من خارطة الطريق التي طرحها بالجزائر خلال اجتماع دول الجوار.
ودعّم وزير خارجية بريطانيا بوريس جونسن، خلال زيارته الأخيرة في الـ 4 ماي الجاري إلى العاصمة طرابلس، الأطراف الليبية وشجّعها على تخطّي العقبات التي تحول دون التوصل إلى توافق سلمي يحافظ على وحدة البلاد وبناء المؤسّسات، وظهر من خلال تصريحاته أنّ بريطانيا وبصفتها أبرز الفاعلين في الساحة الدولية لا يقلقها سوى الدور الروسي، واحتمال تناميه في صناعة مستقبل الحل.
إنّ اعتبار وحدة ليبيا وسيادتها خطّا أحمرا، يعتبر مؤشّرا قويا للتفاؤل بمستقبل الحل في ليبيا، لأنّ التّوافق على بنود اتفاق شامل ومتكامل يمكن تحقيقه مهما بلغت الصّعاب والعقبات ومهما طال أمد الأزمة.
ومن أبرز المؤشّرات التي تبعث الارتياح في نفوس الليبيّين، هي عودة الاتصالات بين مؤسّستي المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني ومجلس النواب، فبعد القطيعة التي حدثت بسبب رفض الأخير ولأكثر من مرة منح موافقته على تركيبة الحكومة، استؤنفت الاتصالات وبشكل مكثّف.
وعقد فائز السراج اجتماعات مطوّلة مع وفدين من مجلس النواب نهاية الأسبوع المنقضي.
وجرى تشكيل لجنة متساوية الأعضاء بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، تتولّى مهمّة دراسة التعديلات المقرر إدخالها على الاتفاق السياسي الذي رعته الأمم المتحدة في 2015، والذي كان محل خلاف بين الأطراف الليبية.
ولا شك أنّ تجدّد الاتصالات واستمرارها سيؤدي إلى تقريب وجهات النظر، والتوصل مع الوقت إلى نتيجة مفيدة تخدم المصلحة العليا للبلاد.
المصالحة المحلية..النّموذج
وفي سياق التحركات السّلمية لتجاوز الأزمة في ليبيا، أعلن المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني عن تشكيل لجنة خاصة لصياغة مشروع للمصالحة الوطنية الشاملة في البلاد.
وتعتبر المصالحة مرحلة أساسية من مراحل تسوية الخلافات ورأب الانقسامات بين الليبيين بالنظر لدورها الحاسم في طي الصفحات الأليمة من تاريخ الشعوب، ويملك الليبيون أمثلة عديدة على نجاح التجربة في دول إفريقيا أبرزها الجزائر.
وفي انتظار التقاء الفرقاء تحت قبّة واحدة في مؤتمر شامل للمصالحة الوطنية، نجحت مختلف المدن الليبية ومجالسها المحلية في تجاوز خلافاتها عبر الحوار والمصالحة، وتمكّن قادة القبائل والأعيان من تضميد الجراح بعد تغليب الحكمة وصوت العقل.
وقال وزير الشؤون المغاربية الاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية، عبد القادر مساهل، الذي ترأّس الأسبوع الماضي الاجتماعي الـ 11 لوزراء خارجية دول جوار ليبيا، أن مختلف المدن الليبية تغلّبت على خصوماتها بالحوار والمصالحة، مؤكّدا تحقيق نجاحات باهرة على الصعيد المحلي، معتبرا ذلك دليلا قاطعا على رغبة كافة الليبيين في التوصل إلى حل توافقي باعتماد الطرق السلسلة والأخوية.
وتشارك كافة مكوّنات المجتمع الليبي في مسار التسوية، فإلى جانب مدن الشمال، تعمل قبائل الجنوب (التبو والطوارق)، لصالح الحل السلمي الذي يحفظ وحدة البلاد وتماسك المجتمع.
 عقبة انتشار السّلاح
الانتشار الكبير للسلاح في ليبيا وسيطرة المليشيات المسلّحة على مختلف المناطق والأحياء، لم يكن وليد الصّدفة، فمنذ الوهلة الأولى للتدخل العسكري لحلف الناتو سنة 2011، كان هذا السيناريو منتظر حدوثه.
اليوم وبعد 6 سنوات كاملة، فرضت هذه المليشيات المنضوية تحت مختلف الأجنحة في المشهد، وتصدر في كل مرة بيانات تعبر فيها عن مواقف وآراء، وتلجأ للسلاح كلما حاولت فرض منطقها، مثلما وقع مؤخرا على خلفية تصريحات وزير خارجية الوفاق محمد طاهر سيالة بشأن خليفة حفتر والضجة الكبيرة التي أثارها.
وتشكّل المليشيات المسلّحة وانتماءاتها السياسية أو الايديولوجية عقبة أمام بناء سلم دائم، وكذلك أمام بناء مؤسّسة للجيش الوطني الليبي بشكل محترف مثلما هو معمول به في كافة الدول.
ومن الواضح، أنّ بناء مؤسّسة الجيش، سيمر هو الآخر بشدّ وجذب خاصة ما تعلق بمسألة القيادة، وإيجاد الشخصية الأقوى والأنسب التي تحقق أكبر قدر من الإجماع، وكذا تجميع المقاتلين وإدماجهم في صفوف تخضع لسلطة قيادة الأركان الموحدة.
وما الأحداث الأخيرة التي وقعت في العاصمة طرابلس ومحاولة اقتحام البعض لوزارة الخارجية التابعة لحكومة الوفاق، إلا دليل على صعوبة كبح جماح هذه المليشيات وإقناعها بوضع السلاح جانبا.
هذا الرّهان وعند النّجاح في كسبه سيكون أمام تحدي مكافحة الإرهاب والسيطرة على الحدود، وتمكين الدولة من القيام بأدوارها الأمنية المنوطة بها، ومهما بلغت الصعاب والعقبات لا شيء يحول دون وصول الليبيين وبأنفسهم إلى إنهاء هذه الصفحة المؤلمة من تاريخ البلاد.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19432

العدد 19432

الأربعاء 27 مارس 2024
العدد 19431

العدد 19431

الثلاثاء 26 مارس 2024
العدد 19430

العدد 19430

الإثنين 25 مارس 2024
العدد 19429

العدد 19429

الأحد 24 مارس 2024