انشغال سياسي وأمني جزائري دائم بمنطقة الساحل

تجربة نموذجية في مكافحة الإرهاب إقليميا ودوليا

جمال أوكيلي

رسالة «أخوة وتقدير» لدول الميدان

انشغال الجزائر الدائم بالأمن في الساحل، ترجمة لقناعتها السياسية العميقة، بأن الأولوية كل الأولوية هوالارتكاز على التحرّك الاستباقي الذي لا يترك الفرصة للآخر قصد التجوال في المنطقة كما يحلو له الأمر.. أو محاولة فرض «حضوره» بأساليب اعتاد على استعمالها في نقاط يعتبرها أو يصنّفها في مجاله الحيوي.

هذه المعاينة الأمنية نابعة من إدراك عميق، ودقيق لمستجدات الأوضاع من قبل الجزائر في كل هذه الدائرة الاستراتيجية، ومتابعتها عن كثب في منحنياتها أي عند الذروة أوالتراجع، والمعنى هنا هو تنقلات الجماعات المسلحة، خاصة من المنطلق إلى الوصول، وهذا هو لب هذا الرصد النشيط، المبني على المعلومة الواردة.
وتضع الجزائر نصب أعينها مسارات حركة المسلحين الذين انتهت مهمتهم في العراق وسوريا، وليبيا بحثا عن ملاذ آمن لهم يقيهم المزيد من الخسائر في الأرواح، ولا توجد محطة استقبال إلا في الجهة التي يرونها مساعدة لهم من نواحي التكفل خاصة.. والمكوث هناك ريثما تصلهم الأوامر.. لذلك فالأرقام المذهلة التي تقدّمها بعض المصادر عن عودة الآلاف المؤلفة من المسلحين إلى بلدانهم الأصلية تثير الكثير من القلق. كيف استطاع هؤلاء الذهاب إلى أوطانهم وهم في حالة لا قانونية من ناحية الإقامة، أي أنهم مطلوبون لدى العدالة؟ ومن سمح لهم بالدخول هكذا، كأنهم سياح! هناك الكثير من نقاط الظل تستدعي الكثير من اليقظة والحذر.
لا نعتقد بأن هؤلاء كانت وجهتهم الأماكن التي غادروها في أول الأمر هذا تضليل مفضوح إذا ربطنا ذلك بوضعيتهم، لا يتبادر إلى ذهنهم مثل هذا الاحتمال وإنما أعيد توزيعهم على العديد من الجهات هنا وهناك بغية تأجيج الأوضاع في أصقاع معينة مدرجة في مخططاتهم الجهنمية.
لابد أن نتفطن لما يقال أو يصرّح به هؤلاء بالتوازي مع السماح لهم بمغادرة سوريا ومطاردتهم في العراق وليبيا لأن الصيغ المتبعة في سوريا من طرف روسيا لاستعادة المدن هو مطالبة المسلحين بمغادرة المكان عبر الحافلات إلى مناطق أخرى من حلب إلى إدلب وغيرها من التفاهات التي فعلا لها تداعيات فيما بعد، لأن ما هو راسخ في أذهان قادة هذه الفصائل الإرهابية مفهوم «الولاية» التي ليس لها حدود ممتدة من ألف إلى باء، وأي طارئ يلحق بهم يتحركون في هذا الاتجاه.
لذلك، فإن الجزائر على علم بالتجاذبات الأمنية في منطقة الساحل، ورسائلها واضحة في هذا الشأن كي يكون كل الشركاء في مستوى هذه التحديات، وهذا من خلال التحلي بالحذر اللازم والحزم الضروري في مراقبة هذا الفضاء الممتد على مساحة شاسعة يسعى البعض لأن يجعلها ورقة ضغط على فلان وعلان.. مدعيا محاربة الإرهاب وهوللأسف يحرك البعض من هذه الجماعات المسلحة، ثم يطالب أويدعو للتنسيق في هذا الجانب.
وتماشيا مع الحرص الكبير للجزائر وإيمانا منها باستتباب الأمن في كامل المنطقة، والبقاء في حالة التأهب الدائمة نظرا لحساسية الوضع في الساحل، عزّزت تواصلها مع جيرانها في كل مرة يقتضي الأمر ذلك لتبادل الآراء ووجهات النظر مع ذلك البلد.. وكذلك اطلاعها على حقيقة ما يجري من محاولات تمديد الحدود.
لابد أن نشيد في هذا الصدد بعمل الجزائر الدبلوماسي في هذا الاتجاه المتعلّق بمحاربة الإرهاب بدون هوادة وفق نظرة هادئة ورؤية حكيمة بعيدة كل البعد عن تلك الثارة المجانية التي نسّجلها يوميا، لطرف يدعي بأن مفتاح هذه «المحنة» في يده.. عندما يسوّق لطروحات لا أساس لها من الصحة، وباطلة خلال أحداث أوروبا ..لا يحوز على أي تجربة في مكافحة الإرهاب.. ولا يعتبر نموذجا في ذلك.. الأمر واضح في هذا الشأن والإدعاء بأنه اكتشف خلايا نائمة في بلده مجرد ذر الرماد في العيون، والتأثير على الآخر إعلاميا.

مساهل في عواصم بلدان الساحل وبروكسل

فالشهر أكتوبر المنصرم أي ابتداء من ١٢ إلى ٢٥ منه كان للسيد عبد القادر مساهل وزير الشؤون الخارجية نشاطات سياسية مكثفة تندرج في إطار توطيد العلاقات الثنائية مع بلدان المنطقة ومحاربة الإرهاب في الساحل، وهكذا تنقّل مساهل إلى كل من موريتانيا، التشاد، المالي والنيجر.
في موريتانيا سلّم مساهل رسالة أخوة وتقدير من رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة لنظيره الموريتاني محمد ولد عبد العزيز، واستنادا إلى بيان الخارجية الجزائرية، أن الرسالة تتمحور حول الوضع في المنطقة لا سيما التحدّيات التي تواجهها دول الجوار جراء الإرهاب والجريمة المنظمة والهجرة غير الشرعية.
وخلال هذه المناسبة جدّد مساهل التزام الجزائر بمواصلة التشاور والتنسيق بين البلدين لمواجهة التحديات.
وفي التشاد أكد مساهل أن الوضع الصعب الذي تشهده المنطقة بفعل الإرهاب وعلاقاته الخطيرة بالجريمة المنظمة يستدعي تشاورا عميقا حول مسائل الأمن الإقليمي.
 كما توجّه مساهل إلى العاصمة المالية باماكو في زيارة تندرج في نفس الإطار.. كما شارك في أشغال الندوة الإقليمية حول الأمن في مالي والساحل وتداعياته على غرب إفريقيا، لتقييم الوضع الأمني في مالي والمنطقة وتحديد الإجراءات الممكن اتخاذها.
وفي نيامي بالنيجر أشار مساهل إلى مختلف التهديدات التي تواجه دول المنطقة، لا سيما الإرهاب والجريمة المنظمة والهجرة غير الشرعية والتي تتطلّب تشاورا منتظما لمواجهتها جماعيا وبفعالية.
ولتعميق هذا التوجّه كان للسيد مساهل حضور قوي في بروكسل من خلال أشغال الدورة الأولى للحوار الرفيع المستوى بين الجزائر والاتحاد الأوربي في مجال الأمن الإقليمي.
وشدّد مساهل في تدخله أن تجربة الجزائر في مجال التصدي للتطرّف تحظى باهتمام واسع من قبل الأوروبيين فهم بحاجة لمعرفة مناهج عملنا، ونحن مستعدون لتقديم المساعدة وتقاسم هذه التجربة، وقد تركز البحث خلال هذه الورشة على عودة المقاتلين الأجانب كذلك، ومكافحة الهجرة غير الشرعية، وستواصل العمل على مستوى الخبراء لاحقا.
ومواصلة لهذا المجهود الفائق القائم على توجه واضح في الإلمام بظاهرة الإرهاب والتطرّف العنيف كانت الجزائر على موعد مع الاجتماع الإقليمي الأول للمنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب، حول المبادرة المعنية بالصلة بين الجريمة المنظمة العابرة للحدود والإرهاب، المنظم من قبل الجزائر وهولندا قصد إعداد مذكرة للأعمال الجيدة في مجال محاربة الظاهرة، لعرضها في اللقاء القادم في سبتمبر ٢٠١٨.
ودعا مساهل خلال هذا الاجتماع إلى وضع تعريف مشترك للإرهاب وتعزيز الأدوات الوطنية والإقليمية والدولية الخاصة بمكافحة هذه الآفة والجريمة العابرة للأوطان.
كون هناك ترسانة قانونية متينة تتطلّب تبادل المعلومات.. وأن المنطقة التي تنتمي إليها الجزائر تعرف الإرهاب، والجريمة المنظمة العابرة للأوطان، وأن شريطي الساحل والصحراء، مهددان جراء نشاط هذه المجموعات الإرهابية، التي تشغل كل ما بحوزتها من مصدر ثراء.. خاصة التهريب.. ومن جهته نوّه المبعوث الخاص لهولندا السيد دورهوتي بالدور الذي تلعبه الجزائر في مجال مكافحة الإرهاب.. ونشير إلى أن اجتماعا مماثلا ترأسته الجزائر يومي ٢٣ و٢٤ أكتوبر مناصفة مع كندا وهو اللقاء الأول لمجموعة العمل للمنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب حول غرب إفريقيا.
هذا النشاط السياسي والأمني للجزائر، يهدف إلى تحسيس كافة الأطراف إقليميا أو دوليا بمخاطر الظاهرة وفق رؤية سديدة قائمة على آليات ملموسة ذكرت في لقاءات الجزائر، وكل هذه الأطراف تقدّر ما تقوم به الجزائر لذلك انخرطت في كل مقاربتها في هذا الشأن.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19452

العدد 19452

الإثنين 22 أفريل 2024
العدد 19451

العدد 19451

الإثنين 22 أفريل 2024
العدد 19450

العدد 19450

السبت 20 أفريل 2024
العدد 19449

العدد 19449

الجمعة 19 أفريل 2024