استحداث 117 حاضنة أعمال..107 مراكز لتطوير المقاولاتية و55 دارا للذكاء الاصطناعي
سبق الدخول الجامعي لموسم 2025-2026 استعدادات مكثفة أشرف عليها وزير التعليم العالي والبحث العلمي كمال بداري، منذ شهر جويلية الماضي، خاصة وأن الدخول الجامعي الجديد يشهد التحاق 1.812.656 طالبا بالمؤسسات الجامعية الجزائرية، يتوزعون على 54 جامعة، 40 مدرسة عليا، 13 مدرسة عليا للأساتذة، و13 مركزا جامعيا، بالإضافة إلى جامعة التكوين المتواصل، وهو عدد هائل اقتضى مضاعفة الجهود لضمان جاهزية المؤسسات التعليمية، وتنويع الهياكل التعليمية، لتوفير خيارات أوسع للطلاب في مختلف التخصصات.
حرص وزير القطاع على ضمان جاهزية الهياكل التعليمية والخدماتية، حيث ترأس عدة اجتماعات وعقد عدة لقاءات تنسيقية وقام بزيارات ميدانية شملت الجامعات والكليات والمطاعم والإقامات الجامعية، لاستقبال الطلبة في ظروف تليق بمستوى التطلعات، وضمان بذلك انطلاقة سلسة وفعالة للموسم الجامعي.
وفي هذا السياق، أنجزت عمليات واسعة لتهيئة قاعات التدريس والمدرجات والمخابر، إلى جانب استلام 30 ألف مقعد بيداغوجي جديد، ليرتفع بذلك عدد المقاعد المسلمة، خلال 5 سنوات الأخيرة، إلى 160 ألف مقعد، وهو رقم يعكس حجم الاستثمار الذي وجهته الدولة لهذا القطاع.
ولم يقتصر تعزيز البنية التحتية على المقاعد البيداغوجية فحسب، بل امتد ليشمل جانب الإيواء الطلابي، الذي يعد من أهم الخدمات التي تؤثر بشكل مباشر على استقرار الطالب وتركيزه على دراسته، وتعزز القطاع بـ 12 ألف سرير جديد، ليصل بذلك عدد الأسرة التي تم استلامها خلال السنوات الخمس الأخيرة إلى 80 ألف سرير.
وتهدف هذه الجهود إلى وضع الطلاب في أريحية تامة، وتخفيف العبء عن كاهلهم، مما يمكنهم من التركيز على تحصيلهم العلمي دون القلق بشأن السكن، فتوفير الإيواء اللائق يساهم في خلق بيئة اجتماعية وأكاديمية متكاملة، تدعم التطور الشخصي والأكاديمي للطلاب، وتؤكد على حرص الدولة على توفير كافة الظروف المواتية لنجاحهم.
توجهات بيداغوجية حديثة
ومن أجل تكييف الأولويات التعليمية مع متطلبات سوق العمل والتطورات التكنولوجية المتسارعة، شهد الجانب البيداغوجي بدوره ديناميكية ملحوظة، حيث واصل القطاع رهانه على توجيه النسبة الأكبر من الطلبة الجدد نحو ميدان العلوم والتكنولوجيا، الذي استقطب هذه السنة أكثر من 65 بالمائة من مجموع المسجلين الجدد، في حين نالت العلوم الإنسانية والاجتماعية نسبة قرابة 35 بالمائة، حسب أرقام ومعطيات الوزارة الوصية.
هذا التوجه لم يأت من فراغ، بل يعكس حرص مسؤولي القطاع على تنفيذ توجيهات الرئيس بتوفير حاجيات الاقتصاد الوطني من كفاءات علمية وتكنولوجية قادرة على مواكبة التحولات الدولية المتسارعة في مجالات البحث والابتكار والتصنيع والذكاء الاصطناعي، وعلوم البيانات، والطاقات المتجددة، وغيرها من التخصصات التي تشكل عصب الاقتصاد المعرفي الحديث.
بالموازاة مع ذلك، شهدت العلوم الطبية ارتفاعا معتبرا في عدد الطلبة الموجهين إليها، حيث بلغ عددهم أكثر من 20 ألف طالب مقابل 14 ألف فقط في السنة الماضية، وهو ما يعكس الاهتمام المتزايد بالقطاع الصحي، وتكوين كوادر طبية مؤهلة، خاصة في ظل التحديات الصحية العالمية والمحلية، كما يدل على جاذبية هذه التخصصات للطلاب الجزائريين، وثقتهم في جودة التعليم الطبي المقدم في الجامعات الجزائرية التي لا تركز فقط على التكنولوجيا، بل تولي اهتماما متوازنا لتطوير جميع القطاعات الحيوية التي تخدم الإنسان والمجتمع.
تعتبر الجزائر من الدول الرائدة في المنطقة التي تتبنى مفهوم «جامعات الجيل الرابع»، والذي يمثل نقلة نوعية في منظومة التعليم العالي، فهذا المفهوم يتجاوز الدور التقليدي للجامعة كمركز للتعليم والبحث، ليركز على الابتكار، وريادة الأعمال، والبحث العلمي التطبيقي الذي يخدم احتياجات المجتمع والصناعة، وتنفيذ بذلك التزام رئيس الجمهورية المتعلق بجعل الجامعة إطارا للتعليم والتنمية والإبداع بسواعد فواعلها من طلبة وعمال وأساتذة ومكلفين بالتسيير.
ومن أبرز معالم هذا التحول، تحويل 23 مؤسسة جامعية إلى جامعات من الجيل الرابع، تتوزع على 15 جامعة و8 مدارس وطنية عليا، وهي جامعات مجهزة بخدمات رقمية متكاملة وتعمل وفق مقاييس جديدة للتسيير البيداغوجي والإداري، ما يعكس بوضوح الانتقال من نموذج الجامعة الكلاسيكية إلى نموذج أكثر عصرية وفاعلية، يقدم خدمات رقمية متطورة لمختلف منتسبي القطاع، مما يعزز من كفاءة العملية التعليمية والإدارية، ومن الأمثلة البارزة على هذا التوجه، معهد التربية البدنية والرياضية بجامعة الجزائر 3 الذي يعتبر أول معهد رقمي في الجزائر، مما يدل على التزام الدولة بتطبيق هذا المفهوم على نطاق واسع.
وما يميز الدخول الجامعي لهذا الموسم ليس الأرقام فقط، بل طبيعة الإصلاحات المرافقة له، وفي مقدمتها التوجه نحو الرقمنة التي أصبحت رافعة أساسية للتسيير البيداغوجي والخدماتي، فقد تم إطلاق 60 منصة رقمية تشمل التدريس والخدمات، كما تمت المصادقة على إنشاء لجنة وطنية لتجويد التعليم الرقمي من خلال استحداث وسم خاص بالجودة البيداغوجية، وتوحيد المستهدفات المعرفية للوثائق الرقمية وتحسينها بشكل مستمر.
هذه المنصات والأنظمة الرقمية تساهم بشكل كبير في ترشيد النفقات، وتحسين جودة الخدمات الجامعية، وتبسيط الإجراءات الإدارية والأكاديمية، مما يوفر بيئة تعليمية أكثر مرونة وفعالية.
علاوة على ذلك، تشمل تطبيقات الجيل الرابع استخدام تقنيات متطورة مثل كاميرات المراقبة الذكية التي تعمل بتقنيات الذكاء الاصطناعي لمراقبة دخول وخروج الطلاب، مما يعزز الأمن والانضباط داخل الحرم الجامعي.
كما تم إطلاق منصات متخصصة مثل «أدرس بالجزائر» لدعم إدماج الطلاب الدوليين، والدليل الإلكتروني لمختبرات البحث (DALILAB) الذي يوفر بيانات حول المعامل البحثية، وهذه الجهود المتكاملة في مجال الرقمنة وجامعات الجيل الرابع تؤكد عزم الجزائر على بناء نظام تعليم عال حديث، قادر على المنافسة عالميا وتلبية متطلبات التنمية المستدامة.
وفي خطوة نوعية، جرى إدماج اللغة الإنجليزية تدريجيا كلغة تدريس في عدد من التخصصات، بما يعزز انفتاح الجامعة الجزائرية على المحيط الدولي ويمنح خريجيها فرصا أوسع للاندماج في سوق العمل العالمية.
الجامعة محرك للتنمية الاقتصادية
وعلى الصعيد الاقتصادي، لم تعد الجامعة الجزائرية فضاء لإنتاج المعرفة فقط، بل تحولت إلى ورشة حقيقية لصناعة الثروة وتكوين جيل من رواد الأعمال، وتؤكد الأرقام الرسمية تكوين أكثر من 200 ألف طالب في مجال المقاولاتية خلال الموسم الماضي، مع استحداث 117 حاضنة أعمال، و107 مراكز لتطوير المقاولاتية، إضافة إلى 55 دارا للذكاء الاصطناعي، كما جرى إدراج تخصصات دقيقة تتعلق بالأمن السيبراني والأنظمة المضادة للمسيرات، وهو ما يترجم انسجام الجامعة مع حاجيات الوطن الأمنية والتكنولوجية.
وتلعب حاضنات الأعمال دورا حيويا في توفير البيئة المناسبة للمشاريع الناشئة، من خلال تقديم الدعم اللوجستي، والاستشارات الفنية، والتوجيه الاستراتيجي، أما مراكز تطوير المقاولاتية، فتعمل على صقل مهارات الطلاب وتزويدهم بالمعرفة اللازمة لبدء وإدارة مشاريعهم الخاصة، وتعكس دور الذكاء الاصطناعي التزام الجزائر بمواكبة التطورات التكنولوجية الحديثة، وتوجيه الابتكار نحو المجالات ذات القيمة المضافة العالية.وتساهم هذه المبادرات المتكاملة في جعل الجامعة الجزائرية مؤثرة في محيطها المحلي والوطني، وتقدم قيمة مضافة للاقتصاد الوطني، فالجامعة لم تعد مجرد مكان لتلقي العلم، بل أصبحت مركزا للإبداع، والابتكار، وتوليد الأفكار التي تستجيب لمتطلبات التنمية وتساهم في بناء اقتصاد متنوع ومستدام.وتأتي هذه الديناميكية الشاملة التي يعيشها قطاع التعليم العالي، في إطار تنفيذ برنامج رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، الذي أكد في أكثر من مناسبة على ضرورة بناء «جامعة عصرية» تكون قادرة على تصدير الكفاءات والإبداع، خاصة نحو القارة الإفريقية التي تراهن الجزائر على أن تكون فضاء استراتيجيا لتجسيد التعاون جنوب – جنوب.