حث على العمل خارج نطاق المنفعة والمقابل

العمل التَّطوعيّ في الإسـلام

الدِّين الإسلاميّ دِينٌ لا يقوم على الفرديّة أوالأنانيّة؛ وإنّما هو دِين اجتماعيٌّ أفراده يشدُّون من أزر بعضهم البعض كالبُنيان المرصوص؛ لذلك حثَّ الإسلام على العمل خارج نِطاق المنفعة والمقابل وهو العمل التَّطوعيّ الذي يبتغي به فاعله وجه الله تعالى، والمثوبة والأجر منه، ثُمّ مساعدة مجتمعه ومساندة أهله، أوغير أهله ممّن احتاج المساعدة من مسلمين وغيرهم. قال الله تعالى:{لاَ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيمًا}[النساء:114].

ولقد حثّ الإسلام على العمل التَّطوعيّ في الكتاب والسُّنة، وضرب النَّبي صلى الله عليه وسلم العديد من الأمثلة بأفعاله التَّطوعيّة ليكون قُدوةً لأمته، ومنها: قبل البعثة شارك النّبي صلى الله عليه وسلم قُريش في وضع الحجر الأسود في مكانه عندما طلبوا منه ذلك، ومشاركة النّبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في وضع حجر الأساس للمسجد النَّبويّ ومساعدتهم في أعمال البناء، كما أنّه نزل في قبر أحد الصَّحابة وشارك في دفنه وهو ذي البجادين رضي الله عنه.
إن العمل التطوعي من الأعمال التي حث عليها الإسلام ودعا إليها النبي عليه الصلاة والسلام، فالعمل التطوعي ظاهرة اجتماعية تحقق الترابط والتاَلف والتآخي بين أفراد المجتمع حتى يكون كما وصفه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: (مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) رواه مسلم، والعمل التطوعي من أهم الأعمال التي يجب أن يعتنى بها، فكل إنسان ذكراً كان أو أنثى مطالب بعمل الخير بما يتناسب مع قدراته انطلاقاً من قوله تعالى:{ََوتعاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} المائدة:2، وقال تعالى: {لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} سورة النساء:114، فالأمر في هذه الآية الكريمة عمل تطوعي بدني سواء كان أمراً بصدقة أو أمراً بمعروف، والسعي بالإصلاح بين الناس عمل تطوعي بدني.
ويقول الحسن البصري رحمه الله:(لأن أقضي حاجة لأخ أحب إلى من أن أصلي ألف ركعة ولأن أقضي حاجة لأخ أحب إلي من أن أعتكف شهرين)، وكان ابن عباس رضي الله عنهما يقول:(لأن أعول أهل بيت من المسلمين شهراً أوجمعة أوما شاء الله أحب إلي من حجه ولطبق بدرهم أهديه إلى أخ لي في الله أحب إلي من دينار أنفقه في سبيل الله).
وقد بيّن لنا المصطفى صلى الله عليه وسلم مكانة العمل التطوعي في الإسلام في أحاديث كثيرة منها قوله صلى الله عليه وسلم:(كل سلامي من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس تعدل بين أثنين صدقة، تعين الرجل على دابته فتحمله عليها أوترفع عليها متاعه صدقة، والكلمة الطيبة صدقة وبكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة، وتميط الأذى عن الطريق صدقة) متفق عليه، وقال صلى الله عليه وسلم ( لقد رأيت رجلأً يتقلب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذي المسلمين) رواه مسلم، وقال صلى الله عليه وسلم:(المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة) متفق عليه، وقال صلى الله عليه وسلم: (الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله أوالقائم الليل الصائم النهار) (متفق عليه)، وقال صلى الله عليه وسلم:(من مشى في حاجة أخيه كان خيراً له من اعتكاف عشر سنوات)، وانظر كيف وضح لنا النبي صلى الله عليه وسلم أن إعانة ذوي الاحتياجات الخاصة من أفضل الأعمال وكف الشر عن الناس درجة عليا من درجات العمل التطوعي، وذلك فيما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن أبي ذر رضي الله عنه قال قلت يا رسول الله أي الأعمال أفضل؟ قال : الإيمان بالله والجهاد في سبيله. قلت : أي الرقاب أفضل ؟ قال أنفسها عند أهلها وأكثرها ثمناً. قال قلت : فإن لم أفعل ؟ قال : تعين صانعاً أوتصنع لأخرق قال : قلت يا رسول الله إن ضعفت عن بعض العمل ؟ قال : تكف شرك عن الناس فإنها صدقة منك على نفسك»، والضائع هنا: هو ذو الضياع من فقر أوعيال كثير.
ففي هذه الأحاديث النبوية السابقة وغيرها حث النبي صلى الله عليه وسلم أمته على فعل الخير والمشاركة فيه بكل ما يستطيع الإنسان وبكل ما يملك من قوة وقدرة، وأن في هذه الأعمال التطوعية الخالصة لله تعالى الأجر العظيم والثواب الجزيل في الدنيا وفي الآخرة.
إن الإسلام حث على التَّطوع بل وندَب إليه؛ كشُكرٍ على النِعَم التي منحها الله للإنسان فعليه أنْ يستعملها في خدمة الإسلام والإنسانيّة. وعليه فإنّه لا يجوز أخذ أجرٍ ماديٍّ على أيّ عملٍ تطوعيٍّ؛ لأنّ أجره وقع على الله. وهنا علينا أن نؤكد ضرورة تفعيل العمل التَّطوعيّ من خلال: إعادة العمل التَّطوعيّ إلى مكانته التي كان عليها منذ عهد النّبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه؛ فهو خُلُق العظماء والنُّبلاء، وتشجيع الشَّباب على الانخراط فيه ومساعدة مجتمعاتهم. الحثّ على العمل التَّطوعيّ وتحفيز الشَّباب على ملء أوقات فراغهم ما يعود بالنَّفع عليهم وعلى من حولهم عبر وسائل الإعلام المرئيّة والمسموعة والمقروءة. توسيع دائرة العمل التَّطوعيّ إلى نطاقات أوسع ولا تقتصر على مجالاتٍ محصورةٍ في العناية بالمساجد ودور العبادة ودور الأيتام والمسنيين. غرس مفهوم العمل التَّطوعيّ في الأطفال منذ نعومة أظافرهم، وأنّ النّبي صلى الله عليه وسلم سبقنا جميعًا إلى هذه الأعمال.
وخلاصة القول أن الشريعة الإسلامية بينت لنا أن مفهوم العمل التطوعي واسع لا حد له، وذلك حين لا يجد المسلم أي عمل خير يمكن أن يقدمه إلى مجتمعه وأمته بالفعل فإنه يمكن لكل أحد أن يقدم عملاً صالحاً لمجتمعه وأمته ولنفسه بالترك بحيث إذا عجز عن ذلك أجمع فإنه يكف شره عن الناس فإنها صدقة منه على نفسه وعلى الناس، ولا يعجز ولو أن يكون كأبي ضمضم فيتصدق بعرضه على من شتمه.
فما أحوج المسلمين اليوم إلى معرفة قيمة العمل التطوعي في الإسلام والقيام به خير قيام كما أمر ربنا جل وعلا ونبينا صلى الله عليه وسلم حتى تحقق السعادة والسكينة والطمأنينة للفرد والمجتمع.
والله من وراء القصد وهوحسبنا ونعم الوكيل.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19449

العدد 19449

الجمعة 19 أفريل 2024
العدد 19448

العدد 19448

الأربعاء 17 أفريل 2024
العدد 19447

العدد 19447

الثلاثاء 16 أفريل 2024
العدد 19446

العدد 19446

الإثنين 15 أفريل 2024