كانــت حصنا منيعا ومركز عبـور المجاهديـن بعـين الحمام

قريــة بودافـال.. معقـل زعمــاء وقـادة ثــورة التحريـر

نيليا.م

قرية بودافال القابعة على أعالي قمم جبال عين الحمام بتيزي وزو، أين تعانق الصخور السماء وسط غطاء نباتي كثيف أهلّها لتكون حصنا منيعا ومأوى آمن للمجاهدين إبان ثورة التحرير ومركز عبور الى تونس من أجل تمويل ثورة التحرير بالسلاح والمؤونة، جدّدت العهد مع التاريخ في الذكرى 63 لاستقلال الجزائر وتحريرها من أيدي الاستعمار الغاشم، وذلك من خلال إعادة دفن رفاة ثمانية شهداء سقطوا في ميدان الشرف إبان ثورة التحرير.

كان يوم لا يشبه الأيام الأخرى من السنة، حيث سطعت شمس الصباح وانتشرت ألوان الاستقلال التي تجسدت في تلك الطبيعة الخلابة ليزاوج الأبيض الأخضر المخضب باللون الأحمر، كأنه يجسد صورة العلم الوطني بتقاسيم الطبيعة التي ما تزال تشهد على تلك المعارك الضارمة التي استشهد فيها خيرة أبناء هذه المنطقة التي سجلت اسمها من ذهب في تاريخ ثورة التحرير ليولد فجر الاستقلال والحرية، مستبشرا بميلاد عهد جديد للجزائر في كنف الأمان والسلم والاستقرار.
سكان قرية بودافال ما كانوا ليمرروا هذا الحدث التاريخي مرور الكرام، كيف لا وهو يعيد التاريخ ليلتقي الأحبة بمن غادروهم دون عودة في الذكرى 63 لعيد الاستقلال والشباب، هذا المشهد الذي تقشعر له الابدان وسط زغاريد النسوة اللائي عدن بذاكرتهن الى احداث ثورة التحرير والمعارك التي حدثت في مختلف مناطق الجزائر، أين كنا يحملن الأجساد الطاهرة للشهداء فوق ظهورهن، ليزفوا عرسانا الى السماء وسط زغاريدهن المختلطة بدموع تصل عنان السماء، وهذا كي لا تنبش الكلاب والذئاب أجسادهم الطاهرة، طهارة ونبل قضيتهم السامية في تحرير الجزائر وضمان حياة كريمة للشعب الجزائري في كنف الحرية والاستقلال حتى لو دفعوا حياتهم ثمنا لذلك.
ساد الصمت وانتهت الكلمات أمام مشهد الصناديق التي تحتضن رفاة الشهداء الثمانية المغطاة بالرايات الوطنية، وسط أفراد جيش التحرير الوطني الذين كانوا في أبهى صورة، لأداء مراسم مهمتهم السامية في خشوع تام، كيف لا، وكل الأنظار متجهة الى ذلك المشهد الحي الذي تقشعر له الابدان، لتبدأ المراسيم بنشيد “قسما” الذي دوى ووصل عنان السماء والذي زادت من روعته زغاريد النسوة ووقوف الجميع وقفة اجلال واحترام لتلك الأرواح الطاهرة، التي استشهدت من اجل الجزائر، ليضربوا موعدا جديدا للتاريخ بعودتهم الى أحضان قريتهم وسط اهاليهم الذين التقوا بهم مجددا في صورة يعجز الكلام عن وصفها، على حد تعبير افراد من عائلات الشهداء “اليوم التقيت بوالدي أو أخي”، وتمكنت من توديعه الى مثواه الأخير، وسأتمكن من زيارته لأنني أعرف قبره.
سار الجميع وراء الصناديق المحملة بالرفاة وسط خشوع كبير، وهذا لتوديعهم لآخر مرة ولسان حالهم يقول ناموا قريري الاعين فالجزائر أمانة في أعناقنا وسنحافظ عليها كما أوصيتمونا، “أنتم ضحيتم بأنفسكم لتحرير الجزائر... ونحن سنواصل مسيرة البناء والإنجازات في كنف السلم والأمان.

مـأوى المجاهديــن الآمن

عاد المجاهد “ايت محند محمد واعمر”  الملقب بسي واعمر إبان ثورة التحرير، شاهد عيان على معركة استشهاد ايت عبد المالك بلقاسم، أحد الشهداء الثمانية الذين تم إعادة دفن رفاتهم بالقرية في الذكرى 63 للاستقلال، ليعود بذاكرته الى الوراء وتفيض جعبته بكل تلك الذكريات التي ماتزال تحمل تفاصيل نضال وكفاح أهل هذه القرية والذين قدموا الكثير لثورة نوفمبر المجيدة، حيث صرح انه بتاريخ 22 مارس 1957، وقع اشتباك بين مجموعة من المجاهدين الذين كان ضمنهم، وبين الجنود الفرنسيين الذين اكتشفوا وجود كريم بلقاسم وبن خدة بالمنطقة والذين قدموا إليها من أجل العبور الى تونس، مشيرا الى أنهم قد تلقوا أمرا بقطع الطرقات في الليلة التي سبقت الاشتباك، أين وضع الجنود الفرنسيون كمينا على مستوى “اث فراوسن” بمقلع لإلقاء القبض عليهما، إلا أنهم اشتبكوا معهم من أجل تفادي ذلك، ليستشهد ايت عبد المالك بلقاسم بعدما تلقى رصاصة في رأسه.
محدثنا صرّح ان قرية بودافال كانت مأوى آمن وقد قدمت الكثير لثورة التحرير ولاستقلال الجزائر، وهذا نظرا لطبيعتها الجغرافية وموقعها حيث كانت تمتد الى حدود اث صدقا حتى تيزي ايشلاضن، فهي منطقة عبور وطريق لإيصال المساعدات الى مختلف مناطق الولاية خاصة المؤونة، أين كانت الشاحنات تفرغ المؤونة على الطريق ويقوم السكان بجمعها واخفائها عن أعين الجنود الفرنسيين، مشيرا الى انه نظرا للتنظيم المحكم بالمنطقة، كان الجنود الفرنسيون يضطرون الى استعمال الطائرات للتزود بالمؤونة.
المجاهد المجاهد “ايت محند محمد واعمر اكد ان ثورة التحرير ما كانت لتنجح، لو لم يحتضنها ويتقبلها الشعب الجزائري الذي التف حولها وكان الحصن المنيع للمجاهدين الذين قدّموا تضحيات جسام من أجل استقلال الجزائر، مشيرا الى انهم لم يهابوا الموت يوما، وإنما كانوا يذهبون إليه بأنفسهم، وهذا ليس لتقلد الأوسمة أو احتلال المكانة الرفيعة، وإنما من أجل تحرير الجزائر والعيش بكرامة وشرف، وتوريث جيل ما بعد الاستقلال جزائر منتصرة وحرة، داعيا الشباب الى ضرورة الحفاظ على امانة الشهداء وحمل المشعل لبناء جزائر جديدة والعيش في كنف الكرامة والامن والاستقرار، لأن ضريبة الاستقلال كانت غالية.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19814

العدد 19814

السبت 05 جويلية 2025
العدد 19813

العدد 19813

الخميس 03 جويلية 2025
العدد 19812

العدد 19812

الأربعاء 02 جويلية 2025
العدد 19811

العدد 19811

الثلاثاء 01 جويلية 2025