كل حدائق الورود ذبلت وانطفأ رحيقها مع اشتعال الحرائق المروعة في مدرسة الجرجاوي في حي الدرج وسط قطاع غزّة، والتي قصفها الاحتلال الصهيوني بصاروخ يوم الاثنين الموافق 26/05/2025، مخلفا 36 شهيدا من بينهم ستة هم والدة وأشقاء الطفلة “ورد جلال الشيخ خليل” التي نجت من المحرقة بأعجوبة.
هذه الطفلة التي استصرخت العالم لإنقاذ لحمها الطري وروحها البريئة من لهيب الطائرات الأمريكية التي يقاتل فيها الكيان شعبا أعزل في قطاع غزّة النازف من قمة الرأس حتى أخمص القدم...
يا لهول المشهد، أي كلمات تعبر عن الفاجعة التي راحت ضحيتها “أم ورد” وأبنائها الخمسة فيما الوالد مازال يئن من جراحه التي اثخنت جسده والحروق التي شوت قلبه، فهو يصارع الموت رغم إرادة البقاء ولا نعرف ما تخبؤه الساعات القادمة لمصيره . “ورد” التي شوهدت وهي تصرخ وتبكي وتركض هاربة من “جهنم المستعرة” لم تهز ضمير العالم البائس ولم تحرك قلوب الزعماء الغارقين في الملذات وفي تلبية شروط الوالي المتغطرس للبقاء على كرسي الحكم.
نعم هم في عالم آخر غير عالم فلسطين المكلومة الذبيحة..هم في حالة من الثمالة الأبدية التي من غير المأمول الصحو منها حتى لو سكبت مياه البحار كلها فوق رؤوسهم.
“ورد” أشعلت ببكائها وصراخها كل الحرائق في ضمائر الشعوب الحية إلا ضمائرهم، وأعلنت أن الراحل الكبير توفيق زياد عندما قال “وأعطي نصف عمري للذي يجعل طفلا باكيا يضحك” كان يرمي إلى هذا اليوم الذي توقعه، انطلاقا من معرفته الجدية والعميقة بـ«شعب الله المختار” !!. يا أيتها الضمائر الحية فلتعلني بأعلى الصوت أن شعب فلسطين يذبح بلا رحمة ويقتل أطفاله بهدف القتل فقط وليس من أجل الأمن كما يكذبون.
يا أيتها الشعوب الحرة آن أوان الانتفاض على حكومات الذل والعار ولتكن “ورد” هي الشرارة التي تشعل نارا لا تنطفئ في وجه من أعطوا الكيان الصهيوني صك الغفران والضوء الأخضر لارتكاب أبشع المجازر بحق أطفال أبرياء ونساء مسالمات يتم تصفيتهنّ على الملأ وكل ذلك لإبادة الشعب الفلسطيني وإفناء نسله. يا “ورد” لقد اقتلعت من حدائق قلوبنا كل الورود المنتعشة وأنت تبكين وتصرخين وتهربين من النيران التي لاحقت جسدك الغض وقد نجوت بأعجوبة من لهيب المحرقة التي أكلت لحوم 36 بريئا، بينهم أفراد عائلتك المغفور لها. كيف سيكون مصير هذه الطفلة البريئة بعد أن فقدت كل أفراد أسرتها حرقا أمام عينيها، ولم يكن لديها أي حول أو قوة لإنقاذهم من هول المحرقة سوى الصراخ والبكاء الذي أدمى القلوب وأوجع الضمائر ؟
لقد صدق ماركس عندما قال : إذا أردت أن تكون تافها فما عليك إلا أن تدير ظهرك لهموم الآخرين..فكيف سيكون وصفكم إذا علم ماركس “مجازا” أنكم تديرون ظهوركم للمحرقة بل وتغذون نيرانها بتواطئكم مع دولة الاحتلال التي فاقت كل أنظمة الاستبداد والظلم في العالم. إن السلام الغائب عن أرض السلام لا يمكن أن يتحقق بدون الحرية. وحرية الشعب الفلسطيني تكون فقط بالانعتاق من الاحتلال الذي يمارس أبشع وأقذر أشكال الظلم والقمع والاضطهاد بحق شعب أعزل لا يملك إلا إرادته باستمرار الكفاح من أجل الحصول على الحقوق المشروعة والعيش بأمن وسلام في كنف دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشريف. إن الكرامة تساوي الحياة فحافظوا عليها حتى لا تموتوا مرتين “ تشي جيفارا” مخاطبا كل المرجفين والمهزوزين والمتواطئين في العالم. فاستيقظوا لعله يتبقى لكم بعض كرامة.