في فلسطين، لا يدخل الطالب قاعة الامتحان كأي طالب في العالم. فهو لا يحمل فقط قلمه ودفتره، بل يحمل على كتفيه تاريخًا مثقلًا بالدم، ووصايا الشهداء، وآهات الأسرى، وحلم وطن ما زال يواجه حرب الإبادة بلا توقف. اليوم، يتقدّم طلابنا لامتحان الثانوية العامة تحت الرماد والدخان، في ظل حرب دمرت كل شيء، ولم تترك حتى التعليم بمنأى عن الاستهداف.
منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، استشهد 16، 607 طالبًا من غزّة والضفة، وسُجل دمار واسع في القطاع التعليمي، وارتقى 914 معلمًا وإداريًا، وأصيب 4، 363، فيما اعتُقل أكثر من 196 موظفًا تعليميًا في الضفة الغربية. هؤلاء لم يكونوا سوى أبناء الحلم الفلسطيني، الذي قرر الاحتلال أن يغتاله مع كل فجر. وفي هذا الصباح، يُحرم 67 طالبًا من تقديم امتحان الثانوية العامة، لأنهم قيد الاعتقال في سجون الاحتلال، دون تهمة إلا حبهم للحياة والحرية.
لكننا في فلسطين تعودنا أن نعيد تعريف الحياة. هنا، لا يكون التعليم مجرد حق، بل معركة. والنجاح لا يعني عبور مرحلة دراسية فقط، بل انتصار على القيد، والجدار، والموت المتربص في كل زاوية. إلى طلابنا الأعزاء الذين يتقدمون اليوم للامتحان، نقول: أنتم لا تمتحنون وحدكم، فهناك من سبقكم إلى الشهادة وكان حلمه أن يكون في مكانكم، وهناك من يقبع خلف القضبان يحمل كتبَه في الزنازين، ويتمنى أن يكتب اسمه يومًا على ورقة الامتحان. أنتم اليوم تمثلون هذا الشعب الذي أبقاه التعليم حيًا رغم القتل، حيًا بلغته العربية، وبتراثه الوطني، وبصموده العابر للأجيال.
أنتم أحفاد الذين استشهدوا من أجل أن تبقى الكلمة حرة، ومن أجل أن تبقى فلسطين منارة للعزة لا تنطفئ. كل سؤال تجيبون عليه هو ردٌّ على صاروخ، وكل علامة تنالونها هي طلقة في وجه الجهل والاحتلال. تقدموا إلى امتحانكم وكأنكم تدخلون ساحة معركة، فأنتم تقاتلون من أجل المستقبل، وتكتبون اليوم بدم القلب لا بالحبر فقط. أنتم الذين كتب لهم القدر أن يُكملوا الطريق، فاحملوا وصايا الشهداء، وآلام الأسرى، وأحلام الأطفال الذين نُسفوا قبل أن يفتحوا كتبهم الأولى. أنتم الأمل. أنتم الجواب على سؤال: كيف يبقى شعب حيًّا رغم أنه محاصر من كل الجهات؟ نحن اليوم، برغم القتل والاعتقال والدمار، نقول: سنكمل المشوار...فالتعليم هو سلاحنا، وصمودنا، وانتصارنا.