حفيف الذاكرة

زيادي هاجر/ تبسة

أثرت أن آخذ قسطا من النسيان، أردت أن أرتاح فحملت بجسدي الذي نغزه الوهن قبل أوانه وارتمى فيه وجع مروع على سريري الحديدي الذي شاركته الوحدة الموحشة في هذا البيت الذي كان جامدًا فيه قبلَ وُصُولِي وتمددت على طُولِي آخِذًا نَفسًا مُفْخَم بالهُمُوم، آثرْتُ على قراءَة رِوَايَة «الحَصْن الرقْمي» لمؤلِّفي المفضل «دان براون» لكن شيء مَا رَشَقَني بالملَلِ فوَضَعْته جانباً لعله يتَسنى لي الأَخْذ فيِ صفحَاتِه مرةً ما غير هذه المرَّة فهكذَا كنتُ دوماً أنْصَاع للمللِ في كلِّ شيءٍ إلاَّ أنتِ لا يفيد معكِ مللٌ ولا كللٌ حتى رفاهيةَ النوم ذرَّتْني وسَمَحَت لحَفيفِ ذِكْرَاكَ أنْ يدَاهِم معتقلَ ذاتِي فأعقَبَني أرقًا وعطًل النُعاس من نشرِ نفسه في فوهاتِ روحي المُرهقَة التي ما ضارها سوى غيابكِ المضْني، أغمضتُ عينَاي فإذاَ بشعركِ يتجهُ نحوي نافرًا من الرياح التي تتغزلُ به راضيا أن يلتصق بقسماتي على أن تأخذ به الريح يمنى ويسرى، عنيد  هومثلك أيضا.آه يا حلوة قلبي ما المانع يا ترى لوتأتين بغتة من دون  موعد على روحي في صباح جنيوري ممطر دائرة نفسك في معطفك الأسود والريش يحجب ملامحك من قصف البرد وأنفك تصبغه الحمرة كعادتك،  تنقرين بعض النقراتِ على بابي الخشبي المنسي الذي لا يأخذ اعتبارا لأحد سوى تلك الجارة العجوز الكندية المقابلة «إيمرسن» التي جلّ ما تتفضل علي ببعض الأكل، فأفتح لك الباب وروحي في تثاؤب وكأنها تقول لي هل من مزيد من النوم وستفاجئ أنا بقدومك المباغت فتبتسمين لي كعادتك:
- مفاجأة
إنها ليست مفاجأة إنما هي إنعاش لروح تحتضر ثم أستقبلك بحبور المشتاق فتدنين على بيتي ثم تنزعين معطفك فتزيدين لأناقة باريس أناقةً بثوبك الجمبري وشعرك الكيرلي النتدلي على كتفك، آخذ منك معطفك واضعًا إيَّاه على حافة أريكتي البلية ثم نتبادل حديثًا روتينيًا يلجأ له الكثير من الناس عادةً ثُمَّ أنظركِ لبعض الوقت تختلين بنفسك مع قيثارتي التي مرَّ عليها زمن مذ آخر مرة لامست فيها أناملك خيوطها العتيقة، ومع هذا الحبور المتسكع في قلبي الناقب عن الجروح منكؤوة فيه أختار أن أحضر لنا فنجاني شاي أخضر لأنني لا أنسى مقتك لا لقهوة في بهى اللقاء برشفِ بعضٍ منه وببقايا هدوءٍ مسْتخلص من صمتكِ الدائمِ الذي ما يزيد إلاَّ من ارتباكي أرتاح ويزاح عني كل همٍّ حلَّ بِي.
   - قولي لي ما رأيك؟
وسنضفي له صوت فيروز  لتتسنى لنا أن نعيش لحظة أبدية لا تنسى وتنسيني ما فات وكأنه ما أتى، نخلدها وكأنها أجمل ما مرَّ علي إلى حدِّ الآن، ولكنكِ لن تأتي ففي الأخير أنتِ هي أنتِ، لا تشبهينني في الخذلان، لا تشبهينني في الخيانة، ستظلين عنده حتى لوبلغ شوقك لي عتيا هذا إن سمحت لقلبك أن يخونه ويشتاقُ لوغد يستحق أن يحدث معه كل هذا...

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19432

العدد 19432

الأربعاء 27 مارس 2024
العدد 19431

العدد 19431

الثلاثاء 26 مارس 2024
العدد 19430

العدد 19430

الإثنين 25 مارس 2024
العدد 19429

العدد 19429

الأحد 24 مارس 2024