خاطرة

«الطبيبة المريضة»

بوزيان الميلي

قضت هناك عامين...نست فيهما كل شيء وحفظت كل شيء! نست أيام ماضيها السعيد على ضفاف النهر الخصيب وهي تتبختر وتتباهى في جبتها الفضفاضة..!
ألقت عليّ تحية فاترة.. وأخرجت سيجارة فاخرة وبدأت الحديث بدون مقدمات.... تصور لقد عشت هناك أزهى أيام حياتي..! هناك تحررت من قيود التعاسة والاستعباد.. و...و...! حاولت أن أقطع حديثها لكنها استرسلت..! كضمتُ غيضي وعزمت الصفح عن زلاتها..! فقالت: هل من فتى ظريف معاشر لطيف يسمع من مقالي..؟ إن نبتغ الكرامة فعلينا بترك أشلاء الندامة..! ترك ما عاش عليه آباؤنا وأجدادنا.. فالمرء ابن يومه فأين نحن من هؤلاء..!
لم أصبر على حماقاتها فصرختُ: ما هذا التحامل ..؟!. كيف تسمين عباد الشهوات ومحترفي الرقص والمجون أحرارا..! لله ذرك من فتاة..! أين أنت من أخلاق أسلافنا..! وشيم ساداتنا..! كيف تتنصلين من جلدتك ولا تبالي..!؟ كيف تخلعين ثوب الحياء في وضح النهار.. ؟! آه من زمن صار فيه النذل حراً.. والحر عبيد..! لم تطق سماع كلامي وانصرفت وهي تلثم الثرى بكعبها الماسي..! وتردد أغانيها الجديدة: حُرة..حُرة..ولا أبالي ..! لن أعود إلى زمن الإنسداد..! سأشق طريقي نحو الجوزاء..! ويقيني أني سأخلصكم من الإندثار..! ثم أنسيت ماذا فعلتم بعدما عبرتم المضيق إلى هناك..! شربتم حتى الثمالة! وغنيتم على ظهور السفن وفي أزقة الحارة..! ابتكرتم موسيقى جديدة..! وبعد ثمانية قرون ونيف طُردتم وعدتم بخفي حنين تحملون ڤيثارة..! آه من زمن..! كأس وغانية تفعلان في أمة أكثر مما يفعله ألف مدفع..! فهل أنتم منتهون..؟
وفي الأخير أخبركم أن بطلتنا المغوارة هاته قد ذهبت إلى فرنسا لتأتينا طبيبة فجاءت مريضة لا تريد العلاج..!

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19448

العدد 19448

الأربعاء 17 أفريل 2024
العدد 19447

العدد 19447

الثلاثاء 16 أفريل 2024
العدد 19446

العدد 19446

الإثنين 15 أفريل 2024
العدد 19445

العدد 19445

الأحد 14 أفريل 2024