المرحوم بلاحة بن زيان.. 42 سنة من العطاء الفني

الفكاهة وروح الدعابة لم تفارق صانـع الابتسامـة من على فـراش المـرض

هدى بوعطيح

 «النوري».. فنـان طيـب، خلـوق ومتسـامـح

يرحل صانع الابتسامة بلاحة بن زيان عن عالم الفن، وعن جمهوره الذي عوّده على الأعمال الفنية الجديرة بالمشاهدة، يرحل «النوري» في صمت تاركا عائلة وأصدقائه ومقربوه في حيرة، وهو من فارقهم دون وداع بعد أن أطل عليهم منذ أيام قليلة وهو يبتسم وروح الدعابة لا تفارق شفاهه، وآخر كلامه الدعاء له بالشفاء، غير أن المنية كانت أسبق..

يغادر «قادة» هذا العالم، دون أن يكمّل رسالته الفنية، يغادر ليترك فراغا كبيرا على الساحة الفنية، وهو من أثراها على مدار 42 سنة بأعمال تلفزيونية ومسرحية ستكون شاهدة على تاريخه الحافل، الفنان الذي ولج عالم الكوميديا ليدخل بيوت العائلات الجزائرية من أبوابها الواسعة ويصنع الفرجة، ويظل يزرع الابتسامة على وجه المشاهدين إلى آخر رمق في حياته، وهو ما قام به في مسلسل «السلطان عاشور العاشر» والذي أبى إلا أن يواصل العمل في جزءه الثالث بالرغم من ظروفه الصحية القاهرة، حتى لا يحرم جمهوره من شخصية «النوري» التي تألقت في هذا العمل الفني الناجح.
فاجعة استيقظ عليها الوسط الفني برحيل واحد من قامات الفن الجزائري، وواحد من صنّاع الكوميديا التي ستشهد له بعطائه في هذا العالم، فليس من السهل أن تضحك شخصا، عكس بلاحة بن زيان الذي تمكن بموهبته وعفويته وبساطته من صنع الابتسامة من خلال أعماله الفنية التي نال بها إعجاب العديد من الجزائريين.
الجانب الآخر لقادة
إنسان متواضع، مميز، متفائل والابتسامة لا تفارق محياه.. شهادات لمن عايشوا الفنان الراحل بلاحة بن زيان، أصدقائه ورفقاء دربه في الفن، تحدثوا لـ»الشعب» عن خصال ومناقب هذا الفنان الذي لا يملون الجلوس إلى جانبه، ليكون الرفيق والصديق الخلوق والودود الذي أبهج كل متتبّعيه.
يقول في هذا الصدد المخرج عمر لقام، إنه كان بمثابة الأخ له ولكل من يعرفه، وقد كان منذ صغره يحلم بالالتحاق بالمجال الفني، كما كان يرغب في أن يكون شاعرا، حيث كان محبا للقصائد ويحفظها عن ظهر قلب، إلا أن التقاءه بمجموعة ينتسبون إلى المسرح جعله يلتحق بأحد المعاهد الموسيقية، والذي كان يلتقي فيه الفنانون أيضا ومنهم رجال المسرح ليكتشفوا فيه الروح الطيبة المليئة بالدعابة والحسّ الفكاهي.
وقال لقام بأن الفنان الراحل كان متعلقا كثيرا بالمسرحي عبد القادر علولة، مضيفا بأنه إنسان يتصّف بالحنية، وقد كان محبا للتجمعات أو ما يعرف بـ»اللمة»، عكس ما كان يشاع عنه بأنه يحب الزردات والأكل، بل كان محبا للعادات والتقاليد التي تشتهر بها منطقة الغرب الجزائري من قعدات وتجمعات، حيث يبادر بالحكايات وخلق جو من المرح.

لقام: مركبة فنية دفعت «قادة» إلى الظهور

وأضاف المخرج عمر لقام بأن مركبة فنية دفعت «قادة» إلى الظهور في عالم الفن، وعلى رأسهم المخرج الجزائري محمد حويذق، والذي يعتبر من بين الخرجين الذي وقفوا إلى جانبه، وكان سببا في انطلاقته في عالم السينما والتلفزيون، مشيرا إلى أن هذا المخرج تتلمذ علي يديه الكثير من الفنانين، وقد تعامل مع بلاحة في «العرس» و»الحافلات»، «كيفاش ووعلاش» مع الفنان سيراط بومدين.
بلاحة وحسب محدثنا، أينما يحل كان يصنع الفرجة، قائلا بأن جميع المخرجين والسينمائيين رأوا فيه تلك الموهبة والحركة، ليعرف ويشتهر بمرحه وضحكه وبشاشته التي لم تكن لتفارقه حتى في أيامه الأخيرة، بالرغم من ظروفه الصحية الصعبة، كما وصف المخرج لقام، فقيد الساحة الفنية بالإنسان الطيب والعاطفي والمتسامح، الذي كان يحفظ الشعر كثيرا، مشيرا إلى أنه في جلساتهم كثيرا ما كان يلقي الشعر والقصائد على مسامعهم بطريقة ارتجالية مرتبطة بما يحدث في ذلك المكان، حيث كان يحب كثيرا عالم القافية.
لقام قال أيضا بأنه سبق وأن جمعه عمل فني مع صديقه الراحل، في سلسلة «عايش بالهف»، مؤكدا على أنه أبان عن قدراته الحقيقية كفنان، حيث أبدع في تلك الحلقات، ليكتشف ومن خلالها المشاهد الجزائري ذلك الفنان الكوميدي والفكاهي الذي قدّم الإضافة للفن والكوميديا على وجه الخصوص، ليكون فنانا محبوبا وهو ما ظهر جليا ـ بحسب المتحدث ـ خلال جنازته التي أظهرت أكثر مكانته في قلوب الجزائريين والمقربين له، حيث إنه بالرغم من وباء كورونا، إلا أن الكثيرين من أصدقائه من الوسط الفني وجيرانه وعائلته، أبوا إلا أن يلقوا النظرة الأخيرة عليه قبل أن يوارى الثرى.

عانى ومات في صمت

من جهة أخرى، استنكر المخرج لقام في سياق حديثه إلينا ظاهرة تصوير فيديوهات لفنانين على فراش المرض، والتشهير بها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، خصوصا إذا كان الفنان في حالة متقدمة من المرض، قائلا بأنه كفنان وكمشاهد أيضا يفضل أن تبقى في مخيلته نظرة ذلك الفنان القوي والمعطاء، ولا يرغب أن يرى فيه ذلك الإنسان الضعيف، احتراما له، حيث يجب أن تظل صورته مشرقة ومشرفة، موجها نداءه لكل من يقوم بهذا التصرف قائلا بأنه يعتبرها مهينة للفنان وبأنها إساءة له وتضر به أكثر مما تنفعه.
وفي سياق حديثه وجّه محدثنا رسالة للجهات الوصية، منددا بالوضعية التي آل إليها الفنان الجزائري اليوم، قائلا بأنه يعاني في صمت ويموت في صمت، دون التفاتة المعنيين لهذه الفئة التي تلعب دورا كبيرا في التعريف بالجزائر وبفنها، لا سيما في المحافل الدولية، وأضاف بأن حالة الفنان باتت تتطلب التفاتة مستعجلة خصوصا للقائمين على رأس الثقافة في الجزائر للتحسين من وضعيته وإعطائه مكانته التي يستحقها.

عجايمي: ظهور متميز في الفكاهة

بدوره أكد الفنان القدير محمد عجايمي على الصفات الطيبة التي كان يتحلى بها فقيد الساحة الجزائرية بلاحة بن زيان، قائلا بأنه التقاه لأول مرة في مدينة وهران، ليكتشف فيه ذلك الرجل والفنان الطيب والخلوق والمتسامح، المحب لفنه وعمله، ولا سيما لعائلته الفنية التي ارتبط بها ارتبطا وثيقا منذ ولوجه عالم الفن، وأضاف بأن بلاحة فنان بأتم معنى الكلمة، حيث إن له ظهور متميز في الفكاهة.
وأكد عجايمي بأن «النوري» قدم الكثير للساحة الفنية الجزائرية، حيث تمكّن بروحه المرحة وروح الدعابة التي يتحلى بها أن يستميل قلوب الجزائريين، قائلا بأن رحيله خسارة كبيرة، حيث ستفتقده عائلته الكبيرة وعائلته الفنية، مضيفا أيضا بأنه التقى بلاحة خلال إحدى الحصص الفكاهية المتعلقة بالكاميرا الخفية، حيث كان متعصبا ومنزعجا من الجميع، في الوقت الذي كان فيه هذا الفنان مبتسما في وجهه طيلة الحصة، ليعزي في الأخير لعجايمي عائلته، دون أن يفوت فرصة الحديث عن الفنان صالح أوقروت الذي يتواجد حاليا في المستشفى داعيا له بالشفاء في القريب العاجل، ليعود إلى محبيه ومقربه وإلى فنه الذي هو بحاجة إلى أمثاله.

مسيرة حافلة

بلاحة بن زيان صاحب العطاء الفني الذي دام أكثر من 42 سنة، ولد سنة 1953 بمدينة سيق بمعسكر، قبل أن يكون فنانا كان مولوعا بالقافية، حيث يعتبر موسوعة في التراث وباحث في الشعر الملحون، ألف عديد القصائد، وتغنّى على وجه الخصوص بعمالقة وفناني الباهية وهران.
بداياته في عالم الفن كانت على خشبة المسرح الجهوي بوهران مع الفنان القدير عبد القادر علولة، حيث دخل معهد التمثيل بوهران سنة 1972، وأول ظهور له على شاشة التلفزيون سنة 1974، من أهم أعماله، مسلسل «العرس» لمحمد حويدق بطولة الفنانة كلثوم، مسرحية «التفاح» لعبد لقار علولة، كما قدّم للساحة الفنية السلسلة الشهيرة «عايش بالهف» سنة 1992، «ناس ملاح سيتي» 2006، «يوميات الزربوط» 2008، واشتهر في العمل الكوميدي الناجح «جمعي فاميلي» 2008 ـ 2009 ـ 2011، بشخصية «قادة المسمار» إلى جانب الفنان الكبير صالح أوقروت، كما شارك في «بوضو» في أجزائه الأربعة والتي عرضت سنة 2013 - 2014 - 2015 - 2016، بالإضافة إلى أنه قدّم خلال 2013 جملة من الأعمال الكوميدية وهي «دار الجيران»، «فاميليا ستار»، «دار البهجة»، بالإضافة إلى «ليزميقري» في 2014، «وسع خاطرك» 2017، «الاعتراف» 2018، «رمضان فالماريكان» 2019، لتكون سلسلة «السلطان عاشور العاشر» 2015 - 2017 - 2021 خاتمة أعماله الفنية التي ستخلد ذكرى واحد من كبار فناني الكوميديا في الجزائر..

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19459

العدد 19459

الأربعاء 01 ماي 2024
العدد 19458

العدد 19458

الإثنين 29 أفريل 2024
العدد 19457

العدد 19457

الإثنين 29 أفريل 2024
العدد 19456

العدد 19456

الأحد 28 أفريل 2024