الباحث عبد الرحمان جعفر الكناني:

فن الخط ارتقاء بالجمال إلى مقامات الصوفية والروحانيات

حبيبة غريب

ناقش الإعلامي والباحث والناقد الفني عبد الرحمان الكناني في مداخلته، خلال أوّل يوم من فعّاليات الطبعة 2021 للمهرجان الوطني للخط العربي، بقصر الثقافة مفدي زكريا، إشكالية رؤى التصوّف في جماليات الخطّ العربي: الجمال المبتغى بعيدا عن لذة حسّية، مشيرا أن فن الخط العربي يطرح بين حروفه وتقنياته  تساؤلات عديدة أهمها: هل يتعالى صرح الجمال بمضمون شكل دنيوي، أم يتجلى في علاه الأمل صوفي؟.

أشار المحاضر أن الخط العربي يتعدى جماليات الشكل واللّون وحس النظر الراقي إلى أسمى أحاسيس التأمل لما يحمله من عمق روحي وبعد صوفي وروحاني. فكل «المسارات تنتهي بحسبه برؤاها الجمالية المتصوّفة عند الله عزّ جلاله، إثر بلوغ أعلى مراحل النقاء، نفس تتربى على قيم السماء وقلب يتطهر من الدنس الوضعي.. النجار الصوفية في «حروفيات عربية» تزكية فعلا ذاتيا، صار له شكلا في أبجدية لغوية تحاكي الصفاء المنشود.
وأشار الكناني ان «الحروفيات تمتد في عمق الكون الخارجي مجسدة الروح الصوفية في التعاطي مع التقنيات التشكيلية، الخالقة لأشكال بصرية بمضامين غيبية، في فلسفة تجريبية يرى فيها التجريبي الأشياء، كما لا يراها أحد».
وفي شرحه لعلاقة فن الخط بالصوفية ومبتغى الارتقاء الأسمى يرى الكناني أن: «الجمال المطلق هو المبتغى في الفن الذي يرتقي به الفكر الديني درجات سلم الإدراك العقلي»، مشيرا ان الفكر الديني هو من يحمل «النظرية الأقرب من نبع تدفق الألعاب وتجسيد تجلياته الروحية في قانون مطلق.»  
ووصل المحاضر إلى هذه الخلاصة بعد ان عرّج على عديد الآراء الفلسفية في هذا الشأن حيث يرى كما أشار: «أن الفيثاغوريين يؤمنون ان  التجانس الرياضي هو قانون التحكّم بالظواهر الجمالية، لأن الجمال نسب وتعليقات رياضية على قدر من الدقة يتجلى فيه المظهر وبنيته».
ويرى سقراط من جهته أن الجمال شرط في بلوغ الغاية المراد الوصول لها، في إعلاء قيم الخير والحق والأخلاق، دون الوقوع في فخ لذة حسّية لا تملك شرط البقاء.
 يخالفه أفلاطون الرأي لاعتقاده ان « اللّذة الجمالية تأتي من تذوّق جمال الشكل المعبر عن المثل العليا، لا تشوبه النواقص، ولا يتأثر بالمتغيرات، وليس المقصود به جمال تصوير الكائنات الحية، فهو يشترط التجانس الرياضي، في خطوط مستقيمة ودوائر وزوايا ومسطحات، وفق أحكام تحدّدها الأدوات الهندسية، لضمان جمال مطلق، لا نسبي مثل الأشكال الأخرى.»
ويقف أرسطو في نظرته لفن الخط وجماليات  وفق الكناني: «عند حدود عالم الحواس، لاعتقاده أن الجمال ليس له عالم فوق الحواس، يرى ويدعو إلى المحاكاة والتقليد بألوان لها قدرة على التناسق.».
ويخالف كل من أفلاطون وفلوطين من سبقهم  بالإيمان ان الفكر الديني وجد مبتغاه في سعيه لبلوغ المطلق في تجسيد مضامين الجمال الذي تدركه الروح، بحسب الكناني.
وأضاف الناقد الفني، إن الفيلسوف فلوطين الذي كانت حياته مثالا على الروحانية والفضيلة آمن بمبدأ «إن كل عنصر دنيوي هو صورة فقيرة أو زائفة لمثله الحقيقي والأعظم والأسمى».
ويوافقه الرأي- يقول الكناني ـ كل من المفكر هيجل و المفكر هنري بروغسون، اللذان يتفقان أن أسمى درجات المجالات حين يتحقق المضمون الروحاني الباطني وان الجمال لا يدرك إلا بالروح وهو ينبع من القلب لا من العقل.
 في ختام حديثه لخصّ المحاضر رؤية الفكر الإسلامي للجمال في نظرية العلامة الصوفي ابو محمد الغزالي، القائل: «حين تتغلب البصيرة الباطنة على الحواس الظاهرة يكون الإنسان أشد إدراكا للجمال ومعانيه الباطنية فأما الحواس فإدراكها شكلي».

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19459

العدد 19459

الأربعاء 01 ماي 2024
العدد 19458

العدد 19458

الإثنين 29 أفريل 2024
العدد 19457

العدد 19457

الإثنين 29 أفريل 2024
العدد 19456

العدد 19456

الأحد 28 أفريل 2024