أكد الروائي عبد القادر برغوث أن حضور التراث في الرواية الجزائرية الراهنة واضح وجلي، خاصة بعد أن أدرك الكثير من الكتاب أن أعظم النصوص انطلقت من محليتها لتصل إلى العالمية، مستشهدا في هذا السياق بتجارب روائية كبيرة.
قال الروائي برغوث “إن أعظم النصوص هي التي انطلقت من المحلية، خاصة بعد النجاحات التي حققها كتاب كبار من الغرب والعرب، مثل غابرييل غارسيا ماركيز، في روايته “مئة عام من العزلة”، ومن العرب نجيب محفوظ، وجمال الغيطاني في روايته “الزيني بركات”. ويرى برغوث أن هذا الوعي دفع بعدد من الكتاب الجزائريين إلى خوض تجربة الكتابة التراثية، والاستفادة من هذا الرافد الغني الذي يمنحهم فضاءات جديدة لإبراز خصوصيتهم الثقافية والحضارية. في قوله “ولهذا ساهم الكثير من الكتاب في خوض تجربة الكتابة التراثية - التي توظف التراث - والاستفادة من هذا الرافد الكبير الذي يوفر مساحات جديدة للكتابة والقول وعوالم لا تنتهي يمكن أن يحقق فيها الكاتب تجارب جديدة، يظهر من خلالها خصوصيته الشخصية والثقافية وحتى الحضارية، ونذكر على سبيل المثال وسيني الأعرج في نصه “جازية والدرويش” الذي استلهمه من السير الشعبية، و«لونجة والغول” لزهور ونيسي، الذي استمدته من الموروث الحكائي العجائبي، ورواية “فصوص التيه” لعبد الوهاب بن منصور، الذي وظف الموروث العرفاني الصوفي”، واستطرد برغوث “طبعا هذه بعض النصوص وهناك الكثير منها لم نذكرها لأن المقام لا يسمح”.
ومع ذلك، أشار المتحدث إلى أن “الكتابات التي تنهل من التراث ما تزال محدودة، ولا ترقى إلى حجم المخزون الثقافي الشعبي الهائل الذي تزخر به الجزائر” مشددا على أن “هناك مجاهيل ومساحات عذراء لم تكتشف بعد يمكن أن تفاجئنا في المستقبل”.
وحول مساهمة الأدب في الحفاظ على التراث، أوضح برغوث أن الرواية لا تضيف شيئا للتراث بقدر ما تعيد تقديمه للقارئ المحلي. وقال “أظن أن الرواية لا يمكن لها أن تضيف الكثير للتراث، سوى نقله وإظهاره للقارئ المحلي الذي ندعوه لاكتشاف ذاته الثقافية والافتخار بمكتسباته الإنسانية التي يمكن أن تكون سردياته الخاصة والموازية التي تتكلم عنه وتميزه عن غيره، فالكتابة إعادة إنتاج الحياة والتي يمكن أن نقف عليها بكل فخر، كما أنها تقدم للقارئ الآخر غير الجزائري، مادة ليكتشف ثقافة مختلفة وخصوصية جديدة، وعوالمنا التي تشكل هويتنا، لا تقل إدهاشا وروعة، توضح صورتها بشكل أجلى وتساهم في تشكيل وإثراء الوعي الجمالي والثقافي العالمي”.
ويحذر الروائي برغوث من الوقوع في فخ النقل السطحي للتراث، مؤكدا أن على الكاتب أن يعيد بناء المادة التراثية بما يتماشى مع شروط الإبداع الفني. في قوله “ومن السذاجة إن قرر الكاتب الجزائري أن ينقل التراث بشكله الخام، وإنما عليه أن يعيد بناءه وتشكيله بما يستجيب للشروط الإبداعية والفنية التي تحكمه، فهناك فرق شاسع بين الحكاية والرواية - مثلا- فالرواية نسيج فني يخضع كغيره من الفنون إلى قواعد وتقنيات تميزه عن غيره من الكتابات، ولقد رصدت الكثير من الكتابات الشبانية وغير الشبانية، التي لا تميز بين الحكاية والنمط الروائي”.
وأكد على أن العديد من التجارب الشبابية فشلت لأنها “غير ناضجة ولم تميز بين النص الحكائي والنص الروائي، وأن هناك خيط رفيع بين الحكاية والرواية وبين الأدب واللا أدب”. داعيا الكتاب إلى “أن يساهموا في الكتابة التراثية على شتى أشكالها وتنوعها ولكن بوعي فني وحضاري وثقافي، وأن يكتبوا سرديتهم الخاصة، وبصمتهم التي تميزهم عن غيرهم”.