كشف البروفيسور سليم عنان، مدير مخبر علم الآثار بجامعة الجزائر 2، عن نتائج حفريات ميدانية جديدة في موقع “هيبون” الأثري بعنابة، التي أُجريت في أفريل 2025. هذه الحملة التي استمرت 15 يوما، والتي قادها عنان بمشاركة طلاب من معهد الآثار، أسفرت عن اكتشافات قيمة تُسلط الضوء على أهمية الموقع الأثري، وتستكمل الحفريات التي بدأت في 2023.
أوضح البروفيسور عنان، أنّ عمليات التنقيب في هذه الحملة ركّزت على نفس المربّع الذي فُتح خلال الحفرية السابقة، إلا أن هذا العام شهد توسيعا أفقيًا للموقع في الاتجاه الشمالي الغربي، حيث تم توسيع المساحة من 5×5 أمتار إلى ثلاثة أضعاف تلك المساحة، بينما بقي العمق كما هو. وقد مكّن هذا التوسيع من الوصول إلى هياكل معمارية جديدة تحتوي على ثلاث قنوات مائية، بالإضافة إلى كمية كبيرة من الفخاريات التي تعود إلى فترات زمنية متعددة، بما في ذلك الفخار المحلي، السجلي، الغلواز وفخار المطبخ، مما يشير إلى أن الموقع ربما كان يُستخدم كمطبخ داخل منزل روماني قديم.
وأضاف البروفيسور عنان، أنّ هذه الحفريات لا تقتصر على اكتشاف الآثار فقط، بل تسهم أيضًا في إعادة قراءة تاريخ الموقع من منظور علمي حديث. وأشار إلى أن الحفريات السابقة التي أجراها الفرنسيون في “هيبون” قبل أكثر من 60 سنة كانت قد غطت حوالي 35 هكتارا من أصل 65 هكتارا، ممّا يعني أن هناك العديد من الأسرار التي لا تزال مخفية في هذا الموقع. وأكّد أن العمل الحالي هو جهد جزائري خالص يهدف إلى تصحيح أو تأكيد ما ورد في الدراسات الاستعمارية.
وفيما يتعلق بالجوانب التقنية للحفريات، أوضح البروفيسور أن عمليات التنقيب تبدأ باستخدام الأدوات التقليدية، لكن مع التقدم في مراحل العمل، يتم الاستعانة بتقنيات حديثة مثل الطائرات دون طيار (الدرون)، التي تُستخدم لتصوير الموقع من الأعلى وتحديد محيطات الحفر بدقة. هذه التقنية تسهل على الباحثين ضبط الخريطة الأثرية بشكل أكثر دقة وتساهم في تقديم صورة شاملة للموقع.
كما نوّه سليم عنان بالدور البارز للخبرات الجزائرية في هذا المجال، مع الإشارة إلى الأستاذ محمد المصطفى فلاح، الذي اعتبره “كنزا ميدانيا” بفضل تجربته الواسعة في العمل الميداني ومعرفته العميقة باللقى الأثرية. وتمنّى عنان له الشفاء العاجل بعد تعرضه لبعض المشاكل الصحية.
أما بشأن القطع الأثرية المكتشفة، فقد أكّد سليم عنان أنها محفوظة حاليا في مخازن متحف “هيبون”، في انتظار استكمال الإجراءات القانونية اللازمة لنقلها إلى معهد الآثار ببوزريعة في العاصمة. بعد الحصول على موافقة وزارة الثقافة ومديرية الثقافة بعنابة، سيتم إخضاع القطع لتحاليل ودراسات معمقة.
واعتبر البروفيسور عنان أنّ مستقبل الحفريات الأثرية في الجزائر واعد، مشيرًا إلى أنّ معهد الآثار يضم اليوم 19 مدير مشروع تنقيب، إلى جانب معاهد أخرى تتكفل بمواقع أثرية متعددة عبر الوطن، في ظل دعم متواصل من وزارة الثقافة والفنون التي توفر التراخيص وتواكب النشاطات الميدانية دون عراقيل. وأكّد أنّ هناك رغبة حقيقية في مواصلة العمل، حيث تُجدَّد رخص التنقيب سنويًا بالتنسيق مع الوزارة، ويتم أحيانًا إنجاز حملة واحدة أو أكثر في الموسم الواحد، مع التخطيط للعودة إلى الميدان مطلع جويلية المقبل.