الكاتب عبد الله بن حامو لـ”الشعب”:

توظيف التراث في الكتابة الأدبية..قوّة النصوص

محمد الصالح بن حود

يصف الكاتب عبد الله بن حامو، التراث بأنه روح الأمة وذاكرتها الحية، جذورٌ تمتدُّ في أعماق التاريخ لتُغذي الحاضر وتُثمر مستقبلاً، وقال “هو حكاية الأجداد تُروى بكلِّ ما تحمله من حكمة وجمال، لتعيدنا إلى نقاء البدايات وجمال البساطة، فحين نحفظ تراثنا، لا نحفظ حجارةً أو أغنيات فحسب، بل نحفظ روحاً تشعُّ بالقيم والأصالة. فالتراث كنزٌ لا يفنى، إن وهبناه اهتمامنا، وهبنا بدوره الفخرَ والانتماء”.

يؤكد عبد الله بن حامو مستشار ثقافي رئيسي بدار الثقافة داسين ولت إيهمة بعاصمة الأهقار، في حديثه لـ«الشعب” أن توظيف التراث في الأعمال الأدبية يُعدّ أحد أهم الأدوات التي يعتمد عليها الكتّاب لإثراء نصوصهم وإضفاء عمقٍ ثقافي وتاريخي عليها.
فيرى كثير من القراء أن استحضار التراث (سواء كان شعبياً، دينياً، تاريخياً، أو أسطورياً) يُضفي على النص هوية مميزة ويجعله أكثر ارتباطاً بالذاكرة الجماعية، فاعتماد التراث في الكتابات الأدبية له فوائد متعددة، سواء على المستوى الفني أو الثقافي أو الاجتماعي لأن التراث ليس مجرد ذاكرة جامدة، بل مادة حية تسمح للأديب بالربط بين الأصالة والابتكار، وبين الخصوصية والعالمية.
وشدد المتحدث على ضرورة التعامل الأمثل للكاتب مع المادة التراثية بذكاء حتى يُنتج أدبًا قويًّا وذا رسالة، ويجعل الأدب مرآةً تعكس الماضي لتُضيء حاضرًا أكثر تعقيدًا.
 الأدب يسهم بدور كبير ومحوري في الحفاظ على التراث وتوثيقه، وذلك من خلال عدة جوانب رئيسية نذكر البعض منها على سبيل المثال لا الحصر، التسجيل التاريخي والثقافي بحيث يعكس الأدب (الشعر، الرواية، القصة، المسرحية، الملاحم) قيم المجتمع وعاداته وتقاليده، مما يحفظها من الاندثار ويُوثّق التحوّلات الاجتماعية والسياسية، أيضا نقل اللغة واللهجات كون التراث يحفظ الأدب اللغة من التلاشي، خاصة عندما يسجل اللهجات المحلية أو المفردات القديمة، كما في أعمال الطاهر وطار (الجزائر) أو أعمال الروائيين الذين يكتبون بالعامية”، لهذا يضيف “تُعتبر النصوص الأدبية القديمة مثل المعلقات الشعرية مراجع لغوية وثقافية”.
ويؤكد رئيس فرع البرمجة والعلاقات العامة بدار الثقافة قائلا: “يمكن للكاتب أن يستثمر التراث ويوظفه في أعماله الأدبية بطرق إبداعية متنوعة، تجمع بين الأصالة والحداثة، وتجعل النص غنيًّا بالدلالات الثقافية والتاريخية، وإعادة سرد الحكايات والأساطير التراثية ككتابة روايات أو قصص مستوحاة من الموروث الشعبي، كما يمكن للكاتب الاستفادة من الأماكن والبيئات التراثية بجعله المدن القديمة أو المعالم الأثرية خلفية للأحداث”، وأضاف “التراث منجم لا ينضب للإبداع، والكاتب الناجح هو من يحوّله إلى نص حيوي يتحدث بلغة العصر، دون أن يفقد جذوره”.
وأبرز عبد الله بن حامو حضور التراث القوي والمتجدِّد في الأدب الجزائري المعاصر، رغم اتخاذه أشكالًا مختلفة تتراوح بين التوظيف المباشر وإعادة التفسير النقدي، مع تأثيرات الحداثة والعولمة، كون التراث في الأدب الجزائري اليوم ليس مجرد ذاكرة جامدة، بل هو ساحة حوار بين القديم والجديد وأداة مقاومة ومصدر إبداع يخضع للتجريب (اللغة، الأجناس الأدبية، التقنيات السردية)، ويظل حضوره قويًّا لكن بأشكال أكثر تعقيدًا، تعكس تحديّات الهوية في عصر العولمة.
وفي السياق المحلي، قدم المتحدث عددا من الأمثلة في هذا الشأن، قائلا “يتجلّى اهتمام الأدباء المحليين بهذا الجانب من خلال توظيفهم المبدع للتراث في أعمالهم الأدبية، سواء في مجال الرواية أو الشعر. فالأديب مولود فرتوني، الباحث في الثقافات الشعبية، يبرع في صياغة التراث بأسلوب إبداعي أخّاذ في مؤلفاته، مثل روايته سرهو، ومجموعته القصصية جتمة والأنكوفي”.  
ويضيف “أما على صعيد الشعر، فإننا نجد شعراء متميزين مثل فتحي عبدالوهاب، وعبدالله بن ايمرزاغ، وبن سالم رمضان، الذين يُعرفون بـ«شعراء الضياء”، حيث تزخر قصائدهم بحضور التراث بصورة لافتة. ولا شك أن مشاركاتهم الدولية في منابر الشعر العالمية قد جعلتهم سفراءً للتراث، ينشرون عبق الموروث الثقافي ويُعرّفون به في المحافل الدولية، مما يضفي على إبداعاتهم بعدًا عالميًا ورونقًا خاصًا”.
وقال عبد الله بن حامو إن “توظيف التراث في الأدب جسر حيّ يربط الماضي بالحاضر، ويُثري النصوص بإيحاءات عميقة تجمع بين الأصالة والحداثة. فمن خلال إعادة صياغة الرموز التراثية وحكايات الأسلاف، لا يُحيي الأدبُ ذاكرة الجماعة فحسب، بل يفتح أفقاً جديداً للحوار بين الأجيال، ويُعيد تشكيل الهويّة في ضوء تحديات العصر خاصة ما نلاحظه من تكالب على التراث الجزائري ومحاولة سرقته”. وأضاف “هكذا يصبح التراثُ ليس مجرد تراكمٍ للماضي، بل مادّةً خصبةً للإبداع، تُذكّرنا بأنّ الأدب الحقيقي هو ذلك الذي يجذّر نفسه في التربة الثقافيّة، بينما يمدّ فروعاً نحو المستقبل”.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19765

العدد 19765

الثلاثاء 06 ماي 2025
العدد 19764

العدد 19764

الإثنين 05 ماي 2025
العدد 19763

العدد 19763

الأحد 04 ماي 2025
العدد 19762

العدد 19762

السبت 03 ماي 2025