نظّم المتحف العمومي الوطني للفنون والتعابير الثقافية التقليدية “قصر الحاج أحمد باي”، في إطار فعاليات شهر التراث الثقافي يوماً دراسياً علمياً، جمع نخبة من الأكاديميين والخبراء، ناقشوا الآفاق الجديدة التي تتيحها تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في حماية وصون التراث الثقافي المادي واللامادي.
جاء اللقاء العلمي في ظل تحوّلات رقمية متسارعة يشهدها العالم، يعكس وعياً متزايداً لدى الفاعلين في الشأن الثقافي بأهمية مواكبة التطور التكنولوجي، واستخدامه كأداة ذكية للحفاظ على الذاكرة الوطنية. وفي كلمته الافتتاحية، شدّد زعيتر فريد، مدير الثقافة والفنون لولاية قسنطينة، على أهمية إدماج الذكاء الاصطناعي في السياسات الثقافية، قائلاً إن “الذكاء الاصطناعي لم يعد ترفاً علمياً بل ضرورة تفرضها المرحلة، وهو وسيلة فعّالة لتعزيز حماية التراث وضمان نقله للأجيال القادمة بأساليب مبتكرة وتفاعلية”.
وقد عرف اليوم الدراسي تقديم سلسلة مداخلات نوعية، لأساتذة ومختصين في القانون والتقنية والتراث، ناقشوا من خلالها الإشكاليات القانونية والأخلاقية والعملية المرتبطة بتوظيف الذكاء الاصطناعي في المجال الثقافي. من جهتها قدمت الدكتورة نادية شكيل مداخلة بعنوان “التحديات القانونية لتوثيق التراث الجزائري في ظل ثورة الذكاء الاصطناعي”، سلطت من خلالها الضوء على الحاجة إلى إطار قانوني يُراعي خصوصية المعطيات التراثية، ويحمي حقوق الملكية الفكرية في بيئة رقمية متحركة.
أما الدكتورة أمينة زغيب، فقد تطرقت في مداخلتها إلى “التحديات الأخلاقية لتوظيف الذكاء الاصطناعي في صون الموروث الثقافي”، مركّزة على مخاطر تشويه الهوية الثقافية وسوء استخدام الأدوات التكنولوجية في إعادة إنتاج المحتوى التراثي دون مراعاة أصالته. وفي سياق أكثر تطبيقاً، عرض الدكتور لطفي علي قشي مداخلة حول “استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في الحفاظ على التراث الثقافي في المتاحف”، مستعرضاً تجارب دولية في رقمنة القطع الأثرية وتوظيف تقنيات الواقع المعزز لتحسين تجربة الزوار.
من جهته، قدّم الدكتور محمد رؤوف بوصوارة، صاحب مؤسسة ناشئة مختصة بالذكاء الاصطناعي، مداخلة ميدانية بعنوان “الذكاء الاصطناعي في خدمة التراث الثقافي”، عرض فيها تطبيقات عملية طورتها مؤسسته للتعرف الآلي على الزخارف والنقوش التقليدية الجزائرية، مؤكّداً أن “الذكاء الاصطناعي يمكن أن يتحول من تهديد إلى فرصة ثمينة لإعادة اكتشاف تراثنا الوطني بعيون المستقبل”.
واختتمت فعاليات اليوم بمداخلة (عن بُعد) للدكتورة نهى سبيقة بعنوان “صون التراث الثقافي اللامادي في سياق التحولات الرقمية”، تناولت فيها أهمية رقمنة المرويات الشعبية والعادات والتقاليد، وضرورة حفظها من الاندثار عبر أدوات ذكية تضمن استمراريتها.
وقد أجمع المشاركون على أهمية الاستثمار في الذكاء الاصطناعي كوسيلة لحماية التراث، داعين إلى إطلاق مشاريع وطنية رقمية كبرى لتوثيق التراث الجزائري، تعزيز تكوين الكفاءات المتخصصة في الثقافة الرقمية، تشجيع المؤسسات الناشئة على تقديم حلول تكنولوجية مبتكرة، إلى جانب تعزيز التعاون بين المتاحف ومخابر الذكاء الاصطناعي في الجامعات.