تضطلـع بـدور هام في تكوين وتطويـر فكر المجتمـع

المكتبات العمومية.. مؤسسات ثقافية واجتماعية حيوية

أسامة إفراح

تعتبر المكتبات العمومية من أبرز الآليات لتطوير الفرد والمجتمع وتحديثهما، ومن أهم مظاهر التغير الاجتماعي والاقتصادي، وأحد أقطاب تأسيس مجتمع المعرفة، وأداة فعالة في العملية التنموية الحديثة. كما تعدّ مركزا للحياة الفكرية والثقافية، بتوفير ما هو ملائم من مصادر المعلومات المختلفة من أجل التنمية الثقافية للمواطنين، والإسهام في تطويرهم علميا ومهنيا.
 من أجل ذلك، أنشأت الجزائر شبكة من المكتبات العمومية عبر ترابها الوطني.


تولي الدولة الكتاب كثيرا من الأهمية، ويتجسّد ذلك (إلى جانب تخصيص برامج لدعم النشر وتمويله، وتنظيم المعارض على غرار معرض الجزائر الدولي للكتاب، والمعارض الوطنية، وغيرها من التظاهرات) في دعم القطاع بشبكة من المؤسسات التابعة لها، والتي تسهم في ترقية الكتاب وصناعته، وتقريبه من القارئ، ومن بينها المكتبات بمختلف أنواعها، كما رسّمت يوما وطنيا للكتاب والمكتبة.

اليوم الوطني للكتاب والمكتبة

قبل الحديث عن مكتبات المطالعة العمومية، نذكّر بترسيم يوم 7 جوان «يوما وطنيا للكتاب والمكتبة»، وذلك بمقتضى المرسوم الرئاسي رقم 21-250 المؤرخ في 3 يونيو 2021. ووفقا لنص المرسوم، الذي وقّعه رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، «يحتفى بهذا اليوم من كل سنة عبر كامل التراب الوطني من خلال تنظيم تظاهرات وأنشطة حول الكتاب وترقية دور المكتبة في المجتمع، تكريسا لمكانة المعرفة والثقافة وروافدهما في بناء أفق مشرق للأجيال».
وفي أول احتفاء بالمناسبة، كانت وزارة الثقافة والفنون قد نظّمت «الأيام الوطنية حول الكتاب»، واعتبرت أن هذا اليوم يعدّ مكسبا للفاعلين في هذا المنتوج الفكري وتكريسا لمكانة المعرفة والثقافة في الفضاء العمومي، وأن اختيار هذا اليوم هو تحدّ للفعل المشين للمنظمة العسكرية السرية لجيش الاستعمار الفرنسي سنة 1962، المتمثل في حرق المكتبة الجامعية وما تحويه من مؤلفات ثقافية وعلمية فاق عددها 500 ألف كتاب ومخطوط. وأضافت الوزارة حينها أن الهدف من التركيز على الكتاب هو إعادة ترتيبه ضمن سلّم الأولويات، وأن تنظيم السوق يبدأ من القوانين ويمرّ عبر إدراج الكتاب في منظومة اقتصادية تحفيزية، وأن عالم النشر يحتاج إلى تحقيق معايير سوق متطوّرة للكتاب سواء بالبيع الكلاسيكي المباشر، أو البيع الإلكتروني.
دعـــــم القـــــــراءة العمومــــــــية
كما سخّرت الدولة عددا من المؤسسات والمرافق لخدمة الكتاب وترقية صناعته. ومن هذه المؤسسات «المركز الوطني للكتاب»، باعتباره أحد المؤسسات العمومية التابعة لوزارة الثقافة والفنون، وهو مكلف بترقية ميدان النشر والكتاب والقراءة، ويقع على عاتقه إدارة السياسة الوطنية المتعلقة بالكتاب، ويعتبر المركز «الأداة التي تطبق السياسة الوطنية للكتاب وتدعمه وتشجع صناعته وتسهم في تطوير ميدان النشر، خصوصاً من خلال توزيع الكتاب وإيصاله إلى القارئ ودعم القراءة العمومية عبر شبكة المكتبات...».
وعلى ذكر شبكة المكتبات، عملت الدولة على تدعيم المطالعة وتقريب الكتاب من القارئ، عن طريق مكتبات نذكر منها مكتبات المطالعة العمومية، وقبل ذلك، المكتبة الوطنية الجزائرية التي تعتبر «ذاكرة الأمة»، وتعد بمثابة البنك المركزي للمعلومات الوطنية، تجمع تراث الأمة المطبوع والمخطوط والسمعي البصري، ويقع على عاتقها مجموعة من المهام المنصوص عليها في القانون الأساسي للمكتبة الوطنية الجزائرية، كما تعتبر مركز إيداع لكل كتاب أو دورية أو نشرة أو أي وثيقة تصدر في الجزائر. وإلى جانب تاريخها العريق، تملك المكتبة الوطنية مجموعات قيمة في المجالات الثقافية والعلمية والفكرية والتراثية.
أما المكتبات العمومية، فإن وزارة الثقافة والفنون (وفقا لموقعها الرسمي) تعتبرها «من أبرز الآليات التي تساهم في عملية تطوير الفرد والمجتمع وتحديثهما معاً، باعتبارها من أهم مظاهر التغير الاجتماعي والاقتصادي، وأحد أقطاب تأسيس مجتمع المعرفة، وأداة فعالة في العملية التنموية الحديثة. مما جعلها بأهمية تتميز خاصة تقديراً للدور الإيجابي الذي تقوم به».
وتؤكد الوزارة بأن الجزائر «أولت اهتماما خاصا بالمكتبات العمومية ودورها في تثقيف المجتمع، حيث ألقيت على عاتقها مسؤولية توفير المعلومات والمعرفة لكل فئات المجتمع لتساهم في تنمية قدراتهم وكفاءاتهم ومهاراتهم الفنية، والعلمية، والتطبيقية والإنتاجية، والعمل على تحسين مستويات الإفادة والإتاحة المعلوماتية». وتضيف: «واعترافاً بالدور الحيوي والفعال للمكتبات العمومية، كأنظمة وأدوات للإعلام، والتكوين والتثقيف، من أجل تشكيل أنماط السلوك الفردي للشخصية الواعية المتعلمة والمثقفة وباعتبارها أنظمة اجتماعية تساهم في المساعدة على إيجاد المدربين، والممتهنين العلميين، والفنيين، والمثقفين القادرين على تحقيق التقدم وتجسيده، تأتي فكرة إعادة إحياء مكتبات المطالعة العمومية بالجزائر».

نشأة شبكة مكتبات المطالعة العمومية

بدأ التفكير في إعادة إحياء مكتبات المطالعة العمومية بالجزائر منذ 2005، مع بداية إنشاء ملحقات المكتبة الوطنية الجزائرية طبقا لما جاء في المادة الثالثة (03) من المرسوم التنفيذي رقم 93-149 المؤرخ في 22 يونيو 1993، المتضمن القانون الأساسي للمكتبة الوطنية، المعدل والمتمم، بحيث «يكون مقر المكتبة الوطنية في مدينة الجزائر، ويمكن إنشاء ملحقات في أي مكان من التراب الوطني بقرار وزاري مشترك بين الوزير المكلف بالثقافة والوزير المكلف بالمالية».
وقد تم إنشاء الملحقات للمكتبة الوطنية الجزائرية، بولايات أدرار وبجاية وتلمسان وفرندة بولاية تيارت وتيزي وزو وقسنطينة، وكلها أنشئت بموجب القرار الوزاري المشترك الممضي في 25 ماي 2005، أما الملحقات بولايات بسكرة وبشار وتبسة والجلفة ومعسكر وعين تموشنت وغليزان، فقد أنشئت بموجب القرار الوزاري المشترك الممضي في 02 أوت 2006.
وبعد صدور المرسوم التنفيذي رقم 08- 235 المؤرخ في 26 يوليو 2008، الذي يعدل ويتمم المرسوم التنفيذي رقم 93-149 المؤرخ في 22 يونيو 1993 والمتضمن القانون الأساسي للمكتبة الوطنية، حوّلت هذه الملحقات إلى مكتبات المطالعة العمومية، وتمت مباشرة عملية إنشائها بهذه الصفة بموجب المرسوم التنفيذي رقم 08-236 المؤرخ في 26 يوليو 2008، والمتضمن إنشاء مكتبات المطالعة العمومية، مع مواصلة مشاريع إنجاز مكتبات المطالعة العمومية على مستوى كل الولايات في الوطن.
وبموجب المرسوم التنفيذي رقم 12-234 المؤرخ في 24 مايو 2012، تم تحديد القانون الأساسي للمكتبات الرئيسية للمطالعة العمومية.

أهــداف متنوّعــة

تشير وزارة الثقافة والفنون إلى تعريف اليونسكو للمكتبات العامة الصادر في 1994، والذي يعتبر أن المكتبة العامة تهدف بشكل أساسي إلى إتاحة فرصة الثقافة المستمرة لأفراد المجتمع في بيئة تتمتع بالحرية ودون مقابل. ولذلك تعتبر المكتبة العامة مركزا للحياة الفكرية والثقافية في المجتمع، بتوفير ما هو ملائم من مصادر المعلومات المختلفة من أجل التنمية الثقافية للمواطنين، والإسهام في تطويرهم علميا ومهنيا، واستغلال أوقات الفراغ في الأنشطة والمجالات النافعة.
وبحسب الوزارة، فإن شبكة مكتبات المطالعة العمومية تقوم بدور هام في تطوير وتكوين فكر المجتمع وثقافته، وتعمل على نشر الوعي المعلوماتي والثقافة، وهي مرفق من المرافق الثقافية تسعى إلى تحقيق الأهداف التالية:
هدف تربوي تعليمي: وذلك من خلال توفير المراجع والكتب وأوعية المعلومات المختلفة والوسائل المتعددة التي تساعد على التعليم الذاتي وإعداد البحوث العلمية.
هدف ثقافي: باعتبار المكتبة مركزاً ثقافياً رئيسياً فاعلاً في المجتمع. وذلك من خلال نشر الوعي الثقافي بين أفراد المجتمع، وتسهيل حصول الرواد على المواد المطبوعة وغير المطبوعة الأخرى والتي تتيح لهم تثقيف أنفسهم بأنفسهم.
هدف معلوماتي: والمتمثل في توفير مواد المعرفة ومصادر المعلومات بأيسر السبل وبأقل جهد وأسرع وقت لخدمة البحث العلمي.
هدف ترويجي: والمتمثل في إسهام المكتبة باستثمار الوقت للفرد بما يعود عليه بالنفع والمتعة وتشجيعهم على المطالعة والقراءة، وتنمية المعارف والمهارات التقنية.
وتشير وزارة الثقافة والفنون إلى وجود مكتبات المطالعة العمومية بالجزائر كمصدر يعمل على تنمية المجتمع ثقافياً بفضل الخدمات المختلفة تعتبر بمنزلة أنظمة مفتوحة؛ يمكن أن تجذب إليها كثيراً من شرائح المجتمع بحكم تنوّع هذه الخدمات وتعددها: خدمات إعلامية، ومعلوماتية، وتربوية، واجتماعية، وترفيهية... كما تكتسب أهمية حيوية في الخدمة الاجتماعية الإعلامية وتقويم سلوك الفرد وتكوين شخصيته العلمية والفنية الإبداعية الواعية بقضايا المجتمع، وواقعه، ومحيطه، والعمل على زيادة روح الانتماء والوطنية من أجل التنمية المستمرة الشاملة للمجتمع الجزائري، والمحافظة على قيمه الثقافية العليا واستغلاله ونقله لتراثه الثقافي العلمي الحضاري إلى الأجيال القادمة وتعريفه إلى المجتمعات البشرية الأخرى.

فوائــد متعـددة الأوجه

كما تتطرق وزارة الثقافة والفنون إلى أهمية مكتبات المطالعة العمومية، مشيرة إلى أنها «تعمل على تربية جيل مثقف وواعٍ قادر على تحمل المسؤولية في المستقبل من خلال انسجام الفرد في الإطار الثقافي انسجاما يؤدي إلى تكيفه وإلى حسن قيامه بنشاطاته المختلفة، وهي من المؤسسات المهمة التي أنشأتها الدولة لتتولى المساهمة في تربية وتعلم وتثقيف الشباب والأطفال وإثراء فكر الباحثين فهي جهة التنمية الثقافية بمعناها العام»، ومن هذا المنطلق، تكون أهميتها على النحو التالي:
حلقة الوصل في نقل التراث الثقافي إلى المجتمع الذي توجد فيه، فمع ازدياد وسائل المعرفة أصبح من الصعب على الإنسان أن ينقل ثقافته من جيل إلى جيل فكان لابد من إنشاء مؤسسة تؤدي هذه المهمة.
نشر الوعي الثقافي بين الأفراد وذلك عن طريق ما تحويه المكتبات من رصيد وثائقي، فهي تعين على كسب المجتمع العلم والمعرفة والخبرة وتمكن الباحثين والطلاب من الوصول إلى مصادر الفكر والثقافة.
تتولى التصدي للمشكلات الاجتماعية والثقافية بعرضها وإتاحة الفرصة لها لفئات المجتمع المختلفة للمساهمة في حلها، وذلك من خلال الندوات والمحاضرات.
تعمل على أن تعوّد فئات المجتمع المختلفة وخاصة الأطفال منهم على التمتع بأوقات فراغهم.
وخلصت الوزارة إلى أن المكتبة تعتبر، بصفة عامة، مؤسسة ثقافية واجتماعية لا غنى عنها، لذلك تسمى «جامعات الشعوب»، فهي مكتبة المجتمع كله، تمتد خدماتها إلى جميع فئاته دون تمييز.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19848

العدد 19848

الأربعاء 13 أوث 2025
العدد 19847

العدد 19847

الثلاثاء 12 أوث 2025
العدد 19846

العدد 19846

الإثنين 11 أوث 2025
العدد19845

العدد19845

الأحد 10 أوث 2025