يعتبر الدكتور يوسف أولاد حسيني، مكتبات المطالعة العمومية في ولاية تامنغست، من أهم المؤسسات الثقافية التي تساهم في تنمية المجتمع محليا، مشيرا إلى أنها تشكل مراكز إشعاع فكري ومعرفي تخدم مختلف فئات المجتمع، من أطفال وشباب وباحثين..
أكد الأستاذ الجامعي بجامعة الحاج موسى أخاموك بعاصمة الأهقار، الدكتور يوسف أولاد حسيني في تصريح لـ«الشعب” أن المكتبات تساهم على المستوى الوطني، كما هي الحال للمكتبة الرئيسية للمطالعة العمومية لولاية تامنغست وملحقاتها، في تشجيع المطالعة لدى الأفراد بمختلف شرائحهم، من خلال توفير مصادر المعرفة وكتب في مختلف الأصناف لهواة القراءة، مشيرا إلى أنها تقوم أيضا بتنظيم أنشطة ثقافية متنوّعة مثل المعارض والندوات وورشات التكوين والتدريب التي تعزّز التفاعل المجتمعي وتنمي الحوار الفكري، بالرغم من العزوف المتزايد على القراءة الذى يلاحظ على المستوى المحلي الناجم عن التسارع نحو الرقمنة والتكنولوجيات الحديثة في مجالات كثيرة، ليضيف “كذلك هي الحال للمكتبات، حيث التسارع نحو متاجر البيع للكتب الالكترونية والنسخ الرقمية المتاحة على شبكة الانترنت عبر مختلف محركات البحث، كما لا ننسى المستودعات الرقمية والمكتبة الرقمية المتاحة حاليا في الجزائر”.
هذه الظروف، يقول أولاد حسيني، أثرت على مكتبات المطالعة العمومية في ولاية تامنغست كما هي الحال على المستوى العالمي، وقد يتطلب هذا الأمر ـ بحسبه ـ تغييرا جذريا في دور مكتبات المطالعة العمومية بالجزائر، نحو أدوار تمكن مواجه التحدّيات المعلوماتية والتكنولوجية الحالية، من أجل ضمان هدفها الأساسي الذى يتمثل في تأمين الوعي المجتمعي وتعزيز الأمن المعلوماتي والمعرفي.
ويضيف أستاذ علم المكتبات: “لا يفوتنا أن ننوّه بدور مكتبات المطالعة العمومية في الحفاظ على التراث المحلي، من خلال حفظ الوثائق التاريخية والكتب التي تعكس هوية المنطقة وتاريخها العريق”، مبرزا في سياق حديثه أن مكتبة المطالعة العمومية بتامنغست عملت على جمع الكتب المحلية المنشورة حديثا، وما أتيح لها في عمليات الجمع والتحسيس التي قامت بها، مما جعلها تقدم رصيدا ثريا لمجتمع قرائها وزوارها يُحاكي تاريخ المنطقة، وهو مما يضمن تماسكا ثقافيا ومعرفيا بين الأفراد، بالرغم من التأثيرات الاقليمية التي تعرفها المنطقة..
في سياق آخر، تطرّق المتحدّث إلى دورها في تثقيف الشباب والأطفال، من خلال توفر المكتبات على مستوى عاصمة الأهقار على فضاءات ملائمة للقراءة والمطالعة، تحتوي العديد منها على قاعات خاصة بالأطفال، مزودة بقصص مصورة وكتب تعليمية، تلائم أعمارهم، كما تنظم مسابقات دورية وورشات توعوية وتكوينية لتحفيز حب المطالعة لدى الناشئة، إلى جانب ذلك، تقدم المكتبات دعما للطلبة في مسيرتهم التعليمية من خلال توفير مراجع تساعدهم في إنجاز بحوثهم ومشاريعهم البحثية.
كما نوّه المتحدث بدور مكتبات المطالعة العمومية في تقديم خدمات ومعلومات خاصّة بفئة الباحثين، على غرار المكتبات الجامعية، حيث تتمثل هذه الخدمات في توفر مصادر معلوماتية متخصصة، تساعدهم في إجراء البحوث الأكاديمية، بالإضافة إلى أنها تعمل على إثراء العمل البحثي ودعم المشاريع الأكاديمية، كما أنها نواة لتعاون بين الباحثين والمهتمين بالشأن الثقافي والعلمي في المنطقة، على غرار تعاونها مع مخبر الموروث العلمي والثقافي بتامنغست.
بالرغم من جملة المؤهلات الفنية والتقنية التي تتوفر على مستوى مكتبة المطالعة العمومية لولاية تامنغست وملحقاتها، عرج المتحدث على متطلبات المكتبات في الوقت الراهن بضرورة توسيع أدوراها لمواجهة التحديات الثقافية والمجتمعية الراهنة، وتأكيد دورها الهام في ضمان الوعي المجتمعي والأمن المعلوماتي والمعرفي، حيث لا تكفي ـ بحسبه ـ الجوانب الفنية والتقنية، على غرار الانظمة الآلية للتسيير ونظم الإعارة الآلية والخدمة الذاتية ونظم شرائح RFID، إنما وجب تنسيق الجهود مع مختلف مؤسسات الدولة لوضع مواثيق تحدد المبادئ والأخلاقيات التي وجب التحلي بها في التعامل الرقمي وضمان حفظ الحقوق والملكيات، مما قد يؤسس لعلاقة متينة مستقبلا بين المكتبات وقرائها في ظل بيئة رقمية غير ثابتة.
وخلص الأستاذ الجامعي إلى أنه لا يمكن أن نقلل من دور مكتبات المطالعة العمومية في ولاية تامنغست وعلى المستوى الوطني، في كونها ركيزة أساسية للتنمية الثقافية والمجتمعية، لكنها تحتاج إلى مزيد من التوسيع في صلاحياتها نحو المشاركة المجتمعية في مجالات عدة، على غرار التدريب والتوعية والتكوين والتوظيف والتطوير على التقنيات الناشئة، وأيضا بيئة للتجارب، لكي يمكن لهذه المكتبات أن تؤدي دورها كاملا في بناء مجتمع قارئ ومثقف، قادر على مواكبة متطلبات العصر والمساهمة في التنمية المستدامة.