العرض العاصمي الأول لفيلم كريم موساوي

«في انتظــــار السنونـــوات»..في انتظـــار الأحسـن

أسامة إفراح

جمهور غفير تقاطر على قاعة ابن زيدون سهرة أول أمس الخميس، من أجل حضور العرض العاصمي الأول لفيلم «في انتظار السنونوات» الذي أخرجه كريم موساوي، والحائز مؤخرا على جائزة الوهر الذهبي بمهرجان وهران للفيلم العربي. عالج الفيلم ثلاث قصص متزامنة ولكن مختلفة من حيث المكان والأشخاص، محاولا بذلك تقديم زاوية سينمائية جديدة، ولكن..
احتضنت قاعة ابن زيدون برياض الفتح أول أمس الخميس العرض الأول بالعاصمة لفيلم «في انتظار السنونوات»، بحضور جمع غفير من بينه وزير الثقافة عز الدين ميهوبي وسفير فرنسا بالجزائر كزافييه دريونكور. أخرج الفيلم وشارك في كتابته كريم موساوي، مخرج شاب من مواليد 1976، ألف ثلاثة أفلام قصيرة، وفيلما متوسطا «الأيام الماضية» الذي تم اختياره للمشاركة في مهرجانات لوكارنو، كليرمون فيرون، بريف، وغيرها، وسبق لكريم أن بلغ نهائيات جائزة السيزار في فئة أفضل فيلم قصير. كريم هو أيضا عضو مؤسس في الجمعية الثقافية لترقية السينما «كريزاليد»، وكان مسؤولا عن برمجة الأفلام في المعهد الفرنسي بالجزائر.
يعدّ هذا العمل أول فيلم طويل يخرجه كريم، وهو إنتاج مشترك جزائري فرنسي ألماني قطري، تحت عنوان «في انتظار السنونوات En attendant les hirondelles» (ولسنا نفهم لماذا كانت نتيجة ترجمة هذا العنوان إلى العربية «طبيعة الحال»، ما أفقده شاعريته وجزءً كبيرا من مغزاه). وعكس ما روّج له جزء من الإعلام، إن سهوا أو عمدا، فإن هذا الفيلم لم يذهب إلى مهرجان «كان» السينمائي لهذه السنة من أجل المنافسة على السعفة الذهبية، ولم يسبق وأن كان ضمن قائمة الأفلام المتنافسة في المهرجان، وإنما تمّ عرضه في زاوية «رؤية ما Un certain regard» على هامش المنافسة الرسمية بالمهرجان.
حاول الفيلم، على مدى 113 دقيقة، التطرق إلى في جزائر اليوم، ثلاث قصص تمثل ثلاثة أجيال في «جزائر اليوم، الجزائر المعاصرة». القصة الأولى بطلها مراد (محمد جوهري)، مطور عقاري، مطلق ويرغب ابنه من طليقته (صونيا مكيو) في ترك دراسة الطب، كما يجد نفسه شاهدا على جريمة لزم الصمت حيالها.. وشيئا فشيئا «يشعر أن كل شيء يفلت من قبضة يده». أما عائشة (هانية عمار)، بطلة القصة الثانية، فهي فتاة شابة تجد نفسها بين نارين: الأولى رغبتها في أن تكون مع جليل (مهدي رمضاني)، والثانية الزواج الذي ينتظرها على بعد مئات الكيلومترات جنوب شرق الجزائر. أما دحمان (حسان كشاش)، فهو طبيب أعصاب يجد ماضيه إبان العشرية السوداء يلاحقه عشية زفافه، بعد ظهور سيدة مجهولة (نادية قاسي) تلصق به تهما، دون أن يكون له يد في الأمر.
كما قلنا في البداية، كان الجمهور الذي حضر لمشاهدة الفيلم غفيرا، ولكن، هل أحب هذا الجمهور ما عُرض عليه؟ لعل السؤال الذي طرحه علينا أكثر من مشاهد حين الخروج من القاعة يعطينا فكرة عن ردة فعل الجمهور.. لقد سألنا أكثر من شخص: «هل فهمت الفيلم أم أنني الوحيد الذي لم أفهمه؟»، سؤال منطقي بالنظر إلى الملاحظات التي سجلناها خلال مشاهدتنا لهذا العمل، والتي سنشارككم بعضها.
ليست هذه المرة الأولى التي يتكون فيها فيلم سينمائي من عدة قصص مختلفة في المكان وأحيانا في الزمان، ولكن أغلب الأفلام من هذا النوع نجد فيها خيطا، ولو رفيعا جدا، يربط بين مجموع القصص، ويعطيها بعدا منطقيا. أما في هذا الفيلم، فقد غاب الرابط بين القصص للأسف، ما خلق إحساسا بالتيه لدى المتلقي، ولعل أهم متطلبات السينما الواقعية منطقية الطرح والبناء الدرامي.
من النقاط التي كان لها تأثيرها السلبي، الرتابة والإيقاع البطيء الذي انطلق به الفيلم..بل وكلما أحسسنا بارتفاع الريتم يعود وينخفض مرة أخرى، وهو ما لا يشجع على المتابعة ما يعتبر أكبر تحدّ أمام أيّ المخرج.
وما زاد من هذه الرتابة، سقوط السيناريو في الضعف والحشو في أكثر من مناسبة، إذ يمكن تسجيل العديد من المشاهد التي لا تفيد القصة في شيء، ويمكن حذفها بدون أن يؤثر ذلك، بل ويستحسن حذفها لما خلقته من إحساس بالحشو التكرار، ناهيك عن بعض المشاهد والأفكار التي وكأنها أقحمت إقحاما، حيث عمد المخرج (وهو أيضا شارك في كتابة السيناريو والحوار إلى جانب مود آملين) إلى انتقاد بعض الظواهر السلبية في المجتمع الجزائري، ولكن دون أن يأتي ذكرها في سياق طبيعي وتسلسل منطقي للأحداث، وبذلك يصير التطرق إليها «مقحما» بل وغير مبرّر.
أما النقاط الإيجابية فلم تغب هي الأخرى بشكل كلي، إذ أن الفيلم جيد من الناحية التقنية، وأداء الممثلين كان مقنعا، وأمكنه أن يكون أحسن لو رافقه حوار أحسن. كما كانت بعض المشاهد ناجحة إلى حد بعيد، على رأسها ظهور لطفي عطار، عضو الفرقة الأسطورة «راينا راي»..ولعل في اختيار فريق العمل لهذا المقطع للترويج للفيلم دلالة جلية على تعبيريتها.
في الأخير، نذكّر مرة أخرى بأن هذا العمل هو أول فيلم طويل للمخرج الشاب كريم موساوي، الذي أثبت في أعماله السابقة ما له من أفكار فنية واعدة، لذلك قد يكون هذا العمل، الناجح تقنيا، مجرد الخطوة الأولى في طريق النجاح الفني..أما المشاهد الجزائري، فسيبقى في انتظار الأحسن.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19432

العدد 19432

الأربعاء 27 مارس 2024
العدد 19431

العدد 19431

الثلاثاء 26 مارس 2024
العدد 19430

العدد 19430

الإثنين 25 مارس 2024
العدد 19429

العدد 19429

الأحد 24 مارس 2024