'' - وَانْـــــــــــــــتَدْ - ! ''

نورالدين لعراجي

فقد كنا كالذي يقوم بتوديع فضاء مكانه، وجدران بيته، وتقبيل وسادة نومه، واحتضان غربة العرق فيها.
كنت أمسح عن رفوف المكتبة، حجم الجمود، كالماسح رأسه من بقايا صوف عابرة، فالغرفة صارت تخاف خوفنا، ونورها اشتكى للشمس الغياب. فعندما نصبح لا ننتظر أن نعود في المساء، وإذا أمسينا لا شيء يضمن سلامتنا، أو نجاتنا من رصاص طائش أو ذو نية مبيتة، فقد كان الشعور بالانتماء إلى المهنة أشبه بالموبقات السبع، لا أحد بإمكانه وقف زحف هذا التعجرف الجبان. كل الأرواح تسقط بالمجان، أن تموت اليوم أو غذا، فمن لم يمت بالنحاس مات بغيره، إما هبهبة أو محشوشة أو ساطورا، أو حد سيف، أو أشلاء متناثرة هنا وهناك. بالأمس ونحن قادمون نحو الوكر، لم أعثر على حافظة أوراقي، بحثت عنها بالمكتب، بدرج السيارة، لم أجدها.
فال لي زميلي ''الطاهر:'' - ربما ضاعت منك عندما كنت في شارع عميروش، أثناء وجودك لتغطية العمل الانتحاري الذي استهدف مركز الأمن الولائي، فهي فرصة للنشالين . - أو ربما سقطت منك هناك، في زحمة المكر والمفر! ماذا أخذوا؟ و ما يوجد بداخلها؟
- لقد أخذوا الجمل بما حمل - يا لهول ما ضاع مني.. يا لهف أمي عليَّ! توقفنا بعيدا عن بقايا مقر أمن سيدي موسى قال لي صاحبي : - اذهبْ وقدِّم تصريحا بما ضاع منك لكن عندما هممتُ بتعرية المكان حول المقر الأمني، رفضتُ أن ألج هذا الأخير، وصعدت السيارة طالبا من زميلي أن ينطلق بسرعة. إنها علامات لنهايتنا عندما شاهدني ذلك الشاب صاحب الطاولة لبيع السجائر، فأول ما وضعت قدمي، حتى رأيته يرمقني بريبة، ومن وراء عينيه القططيتان، كان يرسل شفرات تشبه إلى حد كبير مناشير الأمس،  ثم سألتُ الطاهر : - كيف به الوحيد الذي يتاجر في السجائر، ولم يصبه أي مكروه بعد أن صارت السجائر كبيرة من الكبائر!؟ وتحت إلحاحه علي بالتبليغ ذكرت له'' :بختي''، ''جاووت'' وبالأمس سقط جارنا ''السبتي..'' والدور سيكون لأحدنا حتما إذا لم نغادر هذه المنطقة .
- لا بقاء لي هنا بعدما ضاعت هويتي، وبطاقة المهنة،و أرقام الهواتف المهمة بأسمائها قلتُ له : إنه إنذار للمغادرة - عذرا صديقي: إن صورة ذلك الشاب وهو يشاهدني لم تكن بريئة فحدسي لا يخونني - فمن يمكنه أخذ قلبي عنده أمانة حتى ينتهي هذا السقم!؟ أمام نقطة التفتيش والمراقبة القريبة من ''سيدي موسى'' تقدّم قائد الدرك نحونا، بعدما عرف دابتنا، ثم وشوش لنا قائلا: - احذروا أنفسكم فلستم في منأى عنهم، أسماؤكم ضمن قائمة بحجم الوطن. هذه آخر معلومات تحصلنا عليهاأثناء مداهتنا لحي الاستقلال بالأمس، فأسماؤكم ضمن مجموعة كبيرة من زملاء المهنة وغيرهم. احذروا. نظر إلي صاحبي ثم تاه في عيون الورى وهو يحدثنا :
- متيجة ١ إلى ألفا ٤٠ - متيجة ١ نعم
- هنا ألفا ٤٠ أرسل. أنا في الاستماع
- لقد سقط الصحفي '' ناصر'' اللحظة
- آلفا ٤٠ . إلى متيجة ١
حَوِّل
حَوِّل

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19432

العدد 19432

الأربعاء 27 مارس 2024
العدد 19431

العدد 19431

الثلاثاء 26 مارس 2024
العدد 19430

العدد 19430

الإثنين 25 مارس 2024
العدد 19429

العدد 19429

الأحد 24 مارس 2024