يتجوّلون عبر الشّواطئ حاملين أباريق الشّاي مرفوقا بالنّعناع

باعة الشّاي الصّحراويون يعطون لموسم الاصطياف نهكة خاصة

استطلاع: فتيحة ــ ك

تعوّد المصطافون في مختلف الشواطئ التي يتردّدون عليها خلال موسم الصيف وجود بائعي الشّاي، الذين تراهم يتجولون عبر الشاطئ ذهابا وإيابا، حاملين إبريق الشاي الكبير مرفوقا بأوراق النعناع الخضراء التي ورغم درجة الحرارة المرتفعة تبقي من يتناوله في انتعاش دائم.

الملفت للانتباه أنّ أغلب من يبيعون الشاي هم من الصحراويين، الذين قدموا الى الولايات الساحلية من أجل الاسترزاق خاصة وأن الشاي الذي يحضرونه له طعم ونكهة خاصة ومتميزة لا يستطيع أحد غيرهم أن يعدّه.

“الشّاي الصّحراوي مصدر رزقي”
  ولن يختلف الحال في شاطئ “القادوس” ببلدية هراوة أين يجد المصطاف نفسه أمام حركة دؤوبة لبائعي الشّاي، الذي قام البعض منهم ببناء كوخ من القصب لبيع الشاي والمكسرات التي يتزايد الطلب عليها في كل سنة. “جمال” واحد من هؤلاء الذين أتو إلى العاصمة من أجل تحسين حالته الاجتماعية، هو يبيع في شواطئ شرق العاصمة منذ ما يقارب الثلاث سنوات، سألناه عن ذلك فقال: “بعد سنين من العمل أصبح لي اليوم زبائني الذين يفضّلون الشاي المحضّر على الطريقة الصحراوية التي تعوّدت عليها منذ صغري، فأنا من ولاية أدرار جئت إلى العاصمة بحثا عن مصدر رزق يفتح لي أبوابا جديدة في حياتي، ففي المنطقة التي أقطن فيها البطالة منتشرة بشكل رهيب خاصة وسط الذين لم يوفّقوا في إكمال مشوارهم الدّراسي”.
وعن السبب الذي جعله يأخذ قرار الذهاب إلى العاصمة، كشف قائلا: “في الحقيقة أخبرني عن الأمر أحد أبناء الحي الذي أقطن فيه، فهو كان يدرس الطب هنا وكان في كل سنة يعود إلى الحي لقضاء عطلته الصيفية مع أهله، لذلك وفي إحدى جلسات السمر أخبرني عن مهنة تحضير وبيع الشاي الصحراوي وما يلقاه من رواج، فما كان مني إلا أن حزمت أمتعتي والتنقل إلى العاصمة، وبالفعل   وجدت الأمر كما وصفه لي. وأنا اليوم أستمتع بالشواطئ التي لم أكن أعرفها سوى عبر شاشة التلفاز، وهي تدر عليّ بكثير من المال، بل وجدت في العاصمة أناس كثر يحبون أهل الصحراء ويصفونهم دائما بالجود والكرم، ما جعلني أحب عملي وأتفانى فيه لأنه مصدر رزقي الوحيد”.
 نكهة أسرت كل متذوّق لها
   أثناء حديثنا إلى “جمال”، جاء “حكيم” بغية شراء الشاي، سألناه عن سبب إقبال المصطافين عليه، فقال:
“الأكيد أنّ الشّاي الصّحراوي يتميز بنكهة خاصة جدا جعلته بحتل المرتبة الاولى ولا ينازعه فيه شيء، ولعله الشيء الذي يفسر التهافت الذي يعرفه بائعيه على الشواطئ أو في أي مكان آخر، ولست الوحيد الذي يرى ذلك فالجميع يتّفق حول نكهته الخاصة جدا، لم نتعوّد عليها في العاصمة أو في المدن الساحلية عامة”.
ويصف الباعة قائلا: “في كثير من الأحيان ترى هؤلاء الباعة ينصبون طاولاتهم على الشاطئ أين يضعون سلعهم المتمثلة في مجموعة من الأباريق النحاسية التي يحضرون فيها الشاي، وموقد يعمل بالغاز وسِلل أو أوعية بلاستيكية مملوءة بالفول السوداني أو اللوز و بعض المكسرات الأخرى التي تستهلك عادة مع الشاي، فيما يفضّل البعض الآخر حمل الابريق النحاسي والتجول بين المصطافين مرددا بلهجته الصّحراوية “تشاي يرقرق”، وهي العبارة التي يعرفها جيدا كل مصطاف في شواطئ العاصمة والمحيطة بها من المناطق المجاورة”.
“نبيلة”، سيدة في العقد الرابع التقيناها بشاطئ “لي زوندين”، تتناول الشاي الصحراوي مع بعض المكسرات، اقتنتها من أحد الباعة المتجولين في المكان، أخبرتنا عن ولعها بالشاي الصحراوي وقالت: “في الحقيقة هو شاي له طعم ونكهة خاصة جدا، حاولت كثيرا تجريب تحضيره ولكن دون جدوى، فالسر لا يمكن معرفته أبدا، لذلك رضخت للأمر وأصبحت أتناوله بصفة دورية حتى في رمضان كان أحد الباعة الصحراويين يحضره لي لسهرة رمضانية متميزة، ومنذ بداية تردّدي على الشاطئ لا أستطيع مقاومة نكهته، لذلك تراني أشتريه كلّما جئت إلى شاطئ لي زوندين”.
 عزيمة حوّلت العدم إلى حقيقة
الشّاي الصّحراوي والرّواج الذي بلغه في المدن الساحلية يجعلنا نفكّر في الجهد الذي يبذله الباعة لتسويقه لأن معظمهم يتنقّلون عبر الشواطئ لبيعه دون أي ملل أو ضجر، لأنه مصدر استرزاقهم والباب الوحيدة التي مكّنتهم من الهروب من براثن البطالة التي كانوا يعانون منها في مناطقهم الأصلية في الجنوب الجزائري.
ولعل صورة تلك الباعة عبر شواطئ معظم الوافدين عليها ممّن يبحثون عن الراحة والاستجمام تعكس القوة والعزيمة التي يتحلّون بها، لأنّهم يقومون بها دون كلل أو ملل أو تذمّر منهم، بل يتفانون في عملهم حتى تشعر اتجاههم بالاعجاب لأنّهم لم يبقوا مكتوفي الأيدي ينتظرون صدقة من أحد، بل هم يصنعون أنفسهم من العدم.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19448

العدد 19448

الأربعاء 17 أفريل 2024
العدد 19447

العدد 19447

الثلاثاء 16 أفريل 2024
العدد 19446

العدد 19446

الإثنين 15 أفريل 2024
العدد 19445

العدد 19445

الأحد 14 أفريل 2024