عادت قضية الترقيم ومسح الأراضي بولاية بومرداس لتطرح من جديد، في محاولة لمعالجة الاختلالات الكثيرة عن طريق قوانين المالية والتكميلية أو من خلال العمليات التحسيسية والإعلامية التي يقوم بها المختصّون، أمام تضاعف عدد المنازعات والدعاوى القضائية بالمحاكم الإدارية.
تركت عملية المسح العشوائية غير المدروسة التي عرفتها الكثير من بلديات بومرداس في التسعينيات، تبعات كبيرة يدفع ثمنها المواطن اليوم بسبب مسألة الترقيم، وتسجيل نسبة كبيرة من العقار في خانة «المجهول» أو العقارات غير المطالب بها لارتباطها بمشكل الورثة، أراضي العرش والأحواش التي لا تملك في الغالب سندات ووثائق مشهرة، وأغلبها عرفية من العهدين العثماني والفرنسي، وهي القضية التي لم تقتصر فقط على الخواص بل امتدت أيضا إلى الأملاك العمومية بالمناطق الجبلية بتصنيفها ضمن هذه الخانة، ممّا أثّر سلبا على الواقع التنموي لعدد من البلديات، أهمها بلدية أعفير التي تعاني من أزمة حقيقية بسبب مشكل الترقيم والمسح المرتجل، حسب ما كشف عنه رئيس المجلس الشعبي البلدي أحمد بلقاسمي في حديث سابق لـ «الشعب».
كما بدأت أيضا أصوات المختصين في ميدان القضاء الإداري عبر محاكم بومرداس ترتفع، ولم تعد خافتة بسبب الارتفاع الرهيب لعدد النزاعات والملفات المودعة لدى مصالحها من قبل المواطنين وأصحاب الحقوق المتوارثة للمطالبة باسترجاع الملكية، وإلغاء أحكام الترقيم النهائي التي قامت به المحافظة العقارية مثلما يخوله القانون، حيث قدرتها رئيسة المحكمة الإدارية لبومرداس، صليحة عواق، على هامش اليوم الدراسي حول موضوع «الترقيم العقاري إشكالات عملية، المسؤولية الإدارية بدون خطأ» بأزيد من 40 بالمائة من عدد الملفات المودعة، منها أكثر من 400 ملف في الفترة الأخيرة فقط.
التّرقيم العقاري..الملف الشّائك
ثمّن الأساتذة المشاركون في الندوة من حقوقيين، محامين وموثقين مثل هذه المبادرة والإرادة القوية في «فتح هذا الملف الشائك» رغم انتقادهم غياب المحافظ العقاري لبومرداس عن الندوة باعتباره المفوض الرسمي لإمضاء مختلف العقود وتسجيل الترقيم المؤقت والنهائي للعقارات، وهي المهمة التي وصفتها رئيسة المحكمة الادارية «بالصعبة»، متسائلة عن «معيار الحكم على القوة الثبوتية للسندات القوية كالوثائق العرفية، شهادات الحيازة المشهرة المقدمة من قبل المواطنين للحصول على الترقيم العقاري الموقع من المحافظة العقارية»، وهل «باستطاعة المحافظ العقاري معالجة وتدقيق كل هذه الوثائق والسندات الثبوتية بمفرده دون تدخل باقي الهيئات الأخرى من بينها القضائية؟».
كما طرح كل من الدكتور الكرية محمد في مداخلة بعنوان»الترقيم العقاري النهائي إشكالات عملية»، وأستاذة الحقوق قرنان فضيلة في مداخلة حول «العقارات غير المطالب بها» عدة نقاط هامة ومعقّدة في هذا الملف الحساس، منها قضية الترقيم العقاري المؤقت والنهائي وشروطه، شروط شهادة الحيازة للحصول على ترقيم مؤقت مقدرة بـ 15 سنة والترقيم المؤقت لمدة سنتين، القوة القانونية للسندات الثبوتية العرفية لما قبل سنة 1970، وما بعدها بعد تعديل القانون العقاري لسنة 74 / 75 خاصة تلك غير المشهّرة، وأيضا طريقة معالجة الاعتراضات المقدمة من طرف الملاك وأصحاب الحقوق المتوارثة سواء بالحكم القضائي او تقديم السندات، إضافة إلى عرض آثار الترقيم المؤدي إلى تسليم البطاقة العينية والدفتر العقاري، مسالة تعديل او إلغاء الترقيم، تصحيح بعض الوضعيات العقارية، وكلها نقاط حساسة أثيرت خلال النقاش.
تثمين جهود المشرّع الجزائري لتدارك الاختلالات
أثنى الأساتذة المتدخلون أيضا على «مجهودات المشرّع الجزائري، الذي أدرك الخلل وتبعاته الوخيمة بسبب كثرة النزاعات القضائية التي تعاني منها المحكمة الإدارية، فيما كان من المفروض أن تعالج 80 بالمائة من الملفات على مستوى المصالح الادارية منها المحافظة العقارية»، معتبرين «أن قضية الترقيم العقاري بدأت تأخذ اهتماما ملحوظا في قوانين المالية مند سنة 2015 من أجل معالجة بعض النقاط التي ميزت قانون 1998، وأبرزها إلغاء شرط العمل ببطاقتين أثناء المسح العقاري، واحدة للعقارات المجهولة، وأخرى للعقارات المعلومة التي كانت مطبقة في القانون السابق لسنوات السبعينات، حيث أدمجت في بطاقة واحدة، وبالتالي اعتبر خبراء القانون «أن هذه النقطة هي مصدر الأزمة وسبب كل هذه النزاعات والتعقيدات التي يعاني منها المواطن وسلك القضاء على السواء».