أطلقت السلطات العليا لولاية الجزائر سلسلة من المشاريع والإصلاحات من أجل ضمان تزويد المواطنين بمياه الشرب بصفة منتظمة، حيث قامت بتبني استراتيجيات حديثة وتوظيف تقنيات متطورة، بهدف تأمين حاجيات السكان من المياه، وتحقيق توازن فعّال بين العرض والطلب، وهذا في ظل التحديات المناخية والهيكلية التي تواجهها العاصمة.
من أبرز الجهود الميدانية التي قامت بها الدولة لضمان استدامة توزيع المياه بالعاصمة، إنشاء محطات لتحلية وتصفية المياه، والتي أصبحت خيارا استراتيجيا لمواجهة ندرة الموارد المائية.
وتعد محطة الحامة من بين أقدم وأهم المحطات في العاصمة، حيث بدأت نشاطها منذ عام 2008، بطاقة إنتاجية تقدر بحوالي 200 ألف متر مكعب يوميًا، وتُسهم في تزويد أكثر من 1.5 مليون نسمة بمياه صالحة للشرب.
وفي إطار تعزيز هذه القدرات، دخلت محطة برج الكيفان الخدمة سنة 2021 بطاقة إنتاجية بلغت 10 آلاف متر مكعب يوميا، تلتها محطة المرسى سنة 2022 بطاقة إضافية وصلت إلى 60 ألف متر مكعب يوميا، وهو ما ساعد على تخفيف الضغط على الشبكة الرئيسية للعاصمة.
أما في الولايات المجاورة للعاصمة، فقد عرفت هي الأخرى تدشين محطات ضخمة دعمت منظومة المياه بالعاصمة، من بينها محطة قورصو في ولاية بومرداس، التي تنتج ما يقارب 80 ألف متر مكعب يوميا، وكذا محطة كاب جنات التي تُعد من الأكبر على المستوى الوطني بطاقة 300 ألف متر مكعب يوميا.
وعلى الجانب الغربي، ساهم تشغيل محطة فوكة 2 بولاية تيبازة بنفس الطاقة الإنتاجية في تعزيز تزويد ولايات الجزائر، البليدة، وتيبازة بالمياه.
ضمان تحسين خدمات المياه
وفي هذا الإطار، حرصت السلطات المحلية لولاية الجزائر على تعزيز التنسيق مع البلديات المحلية بهدف تحسين خدمات المياه والصرف الصحي، خاصة على مستوى الأحياء التي تعاني من مشاكل هيكلية في البنية التحتية.
وتعد البلديات شريكا أساسيا في تنفيذ مشاريع إعادة التأهيل، إذ تتولى عمليات إصلاح الشبكات المحلية، وصيانة المحطات الصغيرة التي تزوّد بعض المناطق بالماء، لا سيما في البلديات القديمة والمعزولة.
وبفضل هذا التعاون، تم تحسين القدرة على الاستجابة السريعة للأعطال المفاجئة والتسربات، ما ساهم في التخفيف من الانقطاعات العشوائية للمياه. كما تعمل البلديات على ضمان وصول المياه بانتظام إلى مختلف الأحياء، من خلال رفع تقارير ميدانية دورية ومتابعة الأعطال بالتنسيق مع مصالح الولاية.
إضافة إلى ذلك، ساهم هذا التكامل بين السلطات والبلديات في تسريع وتيرة الأشغال، وتحقيق تغطية أوسع لخدمات المياه، خاصة في المناطق التي ظلت لفترة طويلة خارج اهتمامات شبكات التوزيع التقليدية، ويُعَدّ هذا النهج التشاركي خطوة مهمة نحو تحسين استدامة الخدمة وجودتها.
برنامج لمواجهة فترات الجفاف
وفي سياق مواجهة التحديات المتعلقة بندرة المياه، قامت المصالح المسؤولة عن توزيع المياه بولاية الجزائر باعتماد نظام توزيع مبرمج، يهدف إلى تحقيق تزويد عادل ومنظم لمياه الشرب بين مختلف بلديات العاصمة.
وقد أثمر هذا النظام في تقليص الانقطاعات المفاجئة وتحسين مستوى ثقة المواطنين في آليات تسيير القطاع.
كما تم إدراج التكنولوجيا الحديثة ضمن منظومة المتابعة، حيث شرع في استعمال العدادات الذكية ببعض الأحياء من أجل مراقبة كفاءة الاستهلاك والكشف المبكر عن التسربات، مما أتاح تقليص نسبة الفاقد وتحسين الأداء العام للشبكة.
وتجدر الإشارة إلى أن العاصمة، كانت قد شهدت أزمة مائية خانقة خلال صيف 2021، نتيجة انخفاض كبير في منسوب السدود بسبب قلة الأمطار، وهو ما دفع السلطات إلى تسريع وتيرة مشاريع التحلية وتكثيف الجهود لتأمين مصادر بديلة وفعالة.
استثمار في السدود لضمان مرونة التوزيع
ولتعزيز الأمن المائي على المدى الطويل، باشرت الحكومة بتنفيذ خطة واسعة النطاق تهدف إلى بناء سدود جديدة وتوسعة أخرى قائمة. كما جرى ربط هذه المنشآت بشبكات المياه الكبرى، ما أتاح مرونة أكبر في توزيع المياه بين مختلف الأحياء والبلديات، خاصة خلال الفصول الجافة.
ورغم هذه الجهود المبذولة، لا يزال تلوّث المياه الجوفية يشكل تحديا كبيرا، إذ تتطلب هذه الموارد معالجة دقيقة قبل إدخالها في شبكات التوزيع، وهو ما يُبقي الحاجة ملحة للاستمرار في تحسين أنظمة المراقبة والوقاية.
إلى جانب ذلك، أطلقت ولاية الجزائر حملات تحسيسية واسعة لتشجيع المواطنين على ترشيد استهلاك المياه، وتبني سلوكيات مسؤولة، خصوصًا في الفترات الحرجة، فالحفاظ على المورد المائي مسؤولية مشتركة تستدعي مشاركة الجميع، من مواطنين ومؤسسات، لضمان استدامته في الحاضر والمستقبل.
