أسعار المواد الغذائية الرئيسية باتت اليوم في متناول الجزائريين
ثمرة رؤية إستراتيجية شاملة شملت كافـة مفاصـــل اقتصادنـا الوطنـي
المرحلة المقبلـة..ترسيــخ الاستقــرار المـالي وتعزيـز المكاسـب الاجتماعيـة
أعلن رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، عن تسجيل مكسب اقتصادي بارز يتمثل في تراجع نسبة التضخّم إلى 3.8 بالمائة، بعد أن كانت تتجاوز 9 بالمائة في أعقاب جائحة كورونا. ويُعد هذا المؤشّر الاقتصادي الإيجابي من أبرز النجاحات التي حقّقتها الجزائر في مسار بناء اقتصاد قوي ومتوازن، قادر على حماية القدرة الشرائية للمواطنين ومواجهة تقلّبات الأسواق العالمية.
خلال لقائه الإعلامي الدوري مع ممثلي وسائل الإعلام الوطنية، الذي بثّ، مساء الجمعة، عبر القنوات التلفزيونية والإذاعية، أكّد رئيس الجمهورية أنّ التحكّم في الأسعار أصبح واقعا ملموسا بفضل المتابعة اليومية الدقيقة من طرف السلطات العليا للدولة، وقال في هذا السياق: “نعمل يوميا مع السيد الوزير الأول والسادة الوزراء على التحكّم في الأسعار، وأستطيع اليوم أن أقول برأس مرفوع وبكل فخر، إنّ التضخّم تراجع إلى 3.8 بالمائة، في وقت تسجّل فيه دول كبرى نسب تضخّم برقمين”.
ويمثل هذا التراجع بأكثر من النصف مقارنة بما بعد جائحة كورونا إنجازا استراتيجيا، يعكس مدى نجاعة السياسات الحكومية في محاربة غلاء الأسعار والحفاظ على استقرار السوق. وأشار رئيس الجمهورية إلى أنّ “أسعار المواد الغذائية الرّئيسية باتت اليوم في متناول الجزائريّين، بما في ذلك الخضر غير الموسمية”، وهو ما يعكس تحسّنا واضحا في القدرة الشرائية وعودة التوازن إلى السوق الوطنية.
اقتصــاد وطنـي فـي منحى تصاعــدي
أكّد السيد تبون أنّ “الأوضاع الاقتصادية في البلاد تسير في منحى تصاعدي”، مشيرا إلى أنّ الأهداف التنموية الكبرى التي وضعتها الدولة ستتحقّق بفضل تضافر جهود الجزائريات والجزائريّين. وأضاف أنّ الاقتصاد الوطني أثبت خلال فترة وجيزة، أنه قادر على تطوير قاعدة إنتاجية ضخمة ترتكز على تنويع مصادر الدخل والابتعاد تدريجيا عن الاعتماد الكلي على المحروقات.
وقد تمكّنت الجزائر، بفضل الإصلاحات الهيكلية التي أطلقتها خلال السنوات الأخيرة، من تحقيق نقلة نوعية في بنيتها الاقتصادية، حيث رُصدت التمويلات اللازمة وأُدمجت الكفاءات الوطنية في مختلف القطاعات، ما جعل البلاد تقترب بخطى ثابتة من التحول إلى قوة اقتصادية إقليمية، ذات تأثير متزايد في الأسواق الخارجية.
ويتوقّع الخبراء أن تقفز الجزائر إلى مصاف الدول الناشئة في غضون عامين فقط، بفضل المؤشّرات الاقتصادية الإيجابية التي تتوالى تباعا، وعلى رأسها الانخفاض الكبير في معدلات التضخّم.
إصلاحات هيكليـــة ورؤيــة إستراتيجيـة
شدّد رئيس الجمهورية على أنّ تراجع التضخّم ليس نتيجة ظرفية أو عوامل خارجية، بل هو ثمرة رؤية إستراتيجية شاملة شملت كافة مفاصل الاقتصاد الوطني. فالإصلاحات الهيكلية التي تمّ تنفيذها في قطاعات حيوية مثل الفلاحة، الصناعة، الطاقة والخدمات، أسهمت في بناء قاعدة إنتاجية متينة، عزّزت مناعة الاقتصاد الوطني أمام الأزمات الخارجية.
كما أشار إلى أنّ الرّقمنة والعصرنة في قطاع الفلاحة، على سبيل المثال، ساهمتا في خفض تكاليف الإنتاج وضمان وفرة المواد الغذائية في السوق، وهو ما انعكس مباشرة على استقرار الأسعار. وتُعد هذه السياسة جزءا من إستراتيجية شاملة تهدف إلى تحقيق الأمن الغذائي والاستقلال الاقتصادي.
وأكّد السيد تبون أنّ الحكومة تعمل على مواصلة دعم وتحسين القدرة الشرائية للجبهة الاجتماعية ،من خلال مراجعة المنح الخاصة بالطلبة والبطّالين والمتقاعدين، بما ينسجم مع إمكانات الدولة، وهو ما يعكس الطابع الاجتماعي للسياسات الاقتصادية التي تنتهجها الجزائر.
إشادة دولية بصلابة الاقتصاد الجزائــري
النجاحات التي حقّقتها الجزائر في مجال ضبط التضخّم، لم تمر مرور الكرام على المؤسّسات المالية والاقتصادية الدولية. فقد توقّع صندوق النقد الدولي أن ينخفض معدل التضخّم في الجزائر إلى حدود 4 بالمائة سنة 2024، وهو ما تحقّق فعليا، في حين أشار البنك الدولي في تقريره الأخير إلى أنّ التضخّم سيبقى في مستويات معتدلة خلال 2025، ما يعكس استقرار السياسة الاقتصادية وقدرتها على تحقيق نتائج ملموسة.
وتُعد هذه الإشادة الدولية شهادة مصداقية تعكس المكانة المتنامية للاقتصاد الجزائري في المنطقة، وتعزّز ثقة المستثمرين الأجانب في السوق الوطنية. كما أنها تأكيد على أنّ الجزائر أصبحت قادرة على الجمع بين الاستقرار الاقتصادي والإصلاح الاجتماعي، في وقت تواجه فيه اقتصادات كبرى تحديات تضخّمية غير مسبوقة.
نحو مرحلة جديدة من المكاســب الاقتصاديـــة
تنتهج الجزائر اليوم خطة اقتصادية ذكية تمتد حتى عام 2027، تركّز على تثبيت المكاسب المحقّقة وترجمتها إلى نتائج ملموسة في حياة المواطنين اليومية. وتتمثل أهم محاور هذه الخطة في ضمان التوازن بين استقرار الأسعار وتحسين المداخيل، بما يضمن قاعدة صلبة لنهضة اقتصادية شاملة ومستدامة.
ويرى الخبراء أنّ نجاح الجزائر في خفض التضخّم إلى أقل من 4 بالمائة ليس مجرّد إنجاز رقمي، بل هو رسالة طمأنة للأسواق والمستثمرين ودليل على قوة السياسات الاقتصادية المتبعة. كما أنّ هذا النجاح يعزّز صورة الجزائر كبلد قادر على تجاوز التحديات وتحقيق النمو في بيئة عالمية تتّسم بعدم اليقين.
تحديــات المرحلــة المقبلـة
بالرغم من هذه النجاحات، لا تزال هناك تحديات اقتصادية تتطلب المزيد من الجهد والعمل، أبرزها الاستمرار في تنويع الاقتصاد الوطني عبر تعزيز الإنتاج المحلي في قطاعات الصناعة والفلاحة والخدمات. ويُعد هذا التوجه ضروريا لتقليل المخاطر المرتبطة بتقلب أسعار النفط وضمان الاستقلالية الاقتصادية الكاملة.
وعلى الصعيد الاجتماعي، فإنّ أسعار المواد الغذائية الرئيسية أصبحت في متناول المواطن الجزائري، ما يعكس تحسّنا ملموسا في القدرة الشرائية. ويقابل ذلك تسجيل نمو معتبر في الحياة الاقتصادية، مدعوما بزيادة في الاستثمار وتحسّن مناخ الأعمال وانفتاح الاقتصاد الوطني على الابتكار والتكنولوجيا الحديثة.
نحـــو اقتــصـاد قـــوي ومستـدام
اختتم رئيس الجمهورية حديثه بالتأكيد على أنّ الجزائر تمتلك كل المقومات التي تؤهّلها للعب دور اقتصادي محوري في المنطقة، بفضل مواردها الطبيعية الهائلة، ومقدراتها البشرية الشابة، وخبرتها في قطاعات إستراتيجية مثل الطاقة والصناعة. وأشار إلى أنّ “المرحلة المقبلة ستشهد ترسيخ الاستقرار المالي وتعزيز المكاسب الاجتماعية، بما يجعل من الجزائر نموذجا في الاستقرار الاقتصادي طويل الأمد”.
إنّ تراجع التضخّم إلى 3.8 بالمائة يشكّل، بلا شكّ، إنجازا وطنيا كبيرا، ليس فقط لأنه يحمي القدرة الشرائية للمواطنين، بل لأنه يؤكّد نجاح الجزائر في رسم ملامح اقتصاد جديد يقوم على التنويع، الاستدامة، والعدالة الاجتماعية. وفي وقت يعاني فيه العالم من اضطرابات اقتصادية عميقة، تبرز الجزائر كقصة نجاح حقيقية في إدارة الاقتصاد، متّجهة بثبات نحو مستقبل واعد يعزّز مكانتها كقوة اقتصادية إقليمية مؤثرة.وبهذا المسار الواعد، تواصل الجزائر ترسيخ دعائم “الجزائر الجديدة” التي وعد بها رئيس الجمهورية، لتصبح نموذجا في الجمع بين الإصلاح الاقتصادي والعدالة الاجتماعية، ومثالا لدولة استطاعت تحويل التحديات إلى فرص، والمضي بثقة نحو مصاف الدول الصاعدة.